أوشكت مدينة الحسكة الواقعة شمال شرقي سوريا، أمس الخميس، على السقوط بأيدي عناصر تنظيم "داعش" الذين وصلوا إلى مشارفها ويخوضون معارك محتدمة مع قوات النظام السوري، في وقت رفعت فيه القوات الكردية حالة التأهب بين صفوفها إلى القصوى، وأعلنت الاستنفار التام في الأحياء الخاضعة للسيطرة الكردية داخل المدينة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ب"تقدم تنظيم داعش إلى مشارف مدينة الحسكة إثر اشتباكات عنيفة ضد قوات النظام"، لافتا إلى أن "مقاتلي التنظيم باتوا على بعد 500 متر تقريبا من مداخل المدينة، بعد اشتباكات عنيفة ضد قوات النظام والمسلحين الموالين لها استمرت لساعات جنوبالمدينة، وانتهت بسيطرة التنظيم على نقاط عسكرية عدة بينها سجن الأحداث". وترافقت الاشتباكات مع قصف عنيف بالمدفعية والطيران الحربي والمروحي، ما أسفر، بحسب المرصد، عن مقتل ما لا يقل عن 27 عنصرًا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، ومصرع ما لا يقل عن 20 عنصرًا من "داعش"، إضافة لتفجير 6 عناصر من التنظيم لأنفسهم. كما تحدث المرصد عن مقتل وجرح العشرات من عناصر التنظيم المتطرف، جراء قصف جوي على تمركزاته ومواقعه في الشدادي وريف الحسكة الجنوبي والجنوبي الغربي والجنوبي الشرقي. وكانت المواجهات احتدمت بين قوات النظام وعناصر "داعش" قرب سجن الأحداث الذي يبعد نحو كيلومترين عن مدينة الحسكة، وهو عبارة عن مبنى قيد الإنشاء اتخذته قوات النظام مقرا لها قبل أن يسيطر عليه التنظيم المتطرف. واستقدم التنظيم، وفقا لمصدر للسوري للصحافة الفرنسية، "40 مقاتل إلى الحسكة من محافظة دير الزور، بالإضافة إلى عشرات المقاتلين العراقيين، لمساندته في استكمال هجومه بهدف السيطرة على مدينة الحسكة". وفي حال تمكن التنظيم الجهادي من السيطرة على مدينة الحسكة، ستصبح مركز المحافظة الثاني الذي يخضع لسيطرته بعد الرقة، ومركز المحافظة الثالث الذي يخرج عن سيطرة النظام بعد مدينة إدلب. ويتقاسم النظام السوري السيطرة على مدينة الحسكة مع "وحدات حماية الشعب الكردية" التي لم تدخل بعد مباشرة على خط المواجهة مع التنظيم داخل المدينة. وقال الناشط مسعود حاج من الحسكة لوكالة "باسنيوز" الكردية العراقية، إن "القوات الكردية جلبت تعزيزات ضخمة من المقاتلين والأسلحة الثقيلة ومئات العربات العسكرية، إلى مدينة الحسكة، وقاموا بنشرها في جميع الأحياء الكردية تحسبًا لأي طارئ"، لافتا إلى أن "الاشتباكات بين قوات النظام السوري ومسلحي "داعش" ما زالت مستمرة في الأجزاء الجنوبية والجنوبية الشرقية من الحسكة، بعد أن وصل مسلحو "داعش" ليل الأربعاء قريبا من حاجز البانوراما في المدخل الجنوبي من المدينة، وتمكنوا من السيطرة على محطة الكهرباء ونقاط أخرى على أطراف الحسكة". وأشار حاج إلى أن ذلك يأتي بالتزامن مع غارات مكثفة من طيران النظام على قرى رد شقرا والداودية ومناطق سيطرة "داعش"، وتبادل القصف بالهاونات والمدافع، ونزوح كبير للسكان خاصة من الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام. بدوره، قال ريدور خليل، المتحدث باسم وحدات حماية الشعب لوكالة رويترز: «لا نعتقد أن النظام سيكون قادرا على صد الهجوم إذا ما كان (داعش) جادا في التقدم نحو المدينة.» وأضاف خليل: «نحن أيضا لدينا مواقع ونصف المدينة تحت سيطرتنا من الجهة الشمالية والشمالية الغربية. بكل تأكيد عند وصولها إلى حدود سيطرتنا ستلاقي الرد القاسي». وانتقدت صحيفة "الوطن السورية" القريبة من النظام في افتتاحيتها الخميس، ما سمته "تخاذل" الأكراد عن مساندة القوات النظامية في قتالها ضد تنظيم داعش. وأدرجت الصحيفة موقف الأكراد في إطار «أطماع بعض الأكراد السياسية والإقليمية وعمالتهم مع الأميركيين والأوروبيين، لتأسيس إقليم أو ما يسمى إدارة ذاتية تخولهم لاحقا تأسيس دولة على الأراضي السورية والعراقية". وقال محمد زعال العلي محافظ الحسكة للتلفزيون الرسمي السوري، إن مقاتلين من تنظيم داعش فجروا أكثر من 12 شاحنة محملة بالمتفجرات عند نقاط تفتيش تابعة للجيش السوري حول مدينة الحسكة. وأشار زعال إلى أن "أكثر من 13 سيارة مفخخة هاجمت حواجز الجيش وبثت حالة من الرعب والهلع بين المواطنين". وقال الكاتب والناشط الآشوري الموجود في الحسكة، سليمان يوسف، إلى أن التطورات التي تشهدها المدينة "غير مفهومة بالنسبة لأبناء المحافظة الذين يتخوفون من أن يتكرر سيناريو تدمر في مدينتهم، من خلال انسحاب قوات النظام وتسليمها المنطقة ل(داعش)"، متهما الجيش السوري ب"عدم التدخل بشكل قوي وفعّال لمنع التنظيم المتطرف من التمدد داخل الحسكة». وقال يوسف ل«الشرق الأوسط". كما أن هناك تساؤلات كبيرة حول موقف قوات حماية الشعب الكردية التي لم تتحرك فعليا على الأرض في المدينة حتى الساعة، علما أن الحسكة هي خط الدفاع الأول عن القامشلي. وأوضح يوسف أن "معظم سكان الأحياء الجنوبية في الحسكة نزحوا إلى الحدود التركية حيث هم عالقون، ويقدر عددهم ب20 ألفا، علما أن مجمل عدد سكان الحسكة حاليا 300 ألف، باعتبار أنها تؤوي عددا كبيرا من النازحين". ونقلت "رويترز" عن مسئول تركي أن أكثر من 3 آلاف سوري فروا إلى تركيا منذ يوم الأربعاء من الاشتباكات بين "داعش" والمقاتلين الأكراد. ويحاول المقاتلون الأكراد إخراج المتطرفين من مدينة تل أبيض في محافظة الحسكة السورية بالقرب من بلدة اكاكالي التركية الحدودية. وقال المسؤول إن 3337 من السوريين العرب عبروا إلى تركيا خلال أقل من يومين لتفادي الاشتباكات وغارات القصف التي يشنها تحالف تقوده الولاياتالمتحدة ضد تنظيم داعش.