استيقظ أهالي حي باردو بوسط العاصمة التونسية، صباح اليوم، على صوت طلقات رصاص تنطلق في الهواء، لتسترجع أذهانهم ذكريات أليمة شهدها الحي الهادئ، حينما تعرض المتحف الوطني لعملية إرهابية في 18 مارس الماضي، وليعلموا أن عسكريا تونسيا قد فتح النار على زملائه إبان تحية العلم ليخلف وراءه 7 قتلى و10 مصابين بجروح خطيرة، وذلك قبل أن يلقى مصرعه. وتقع مدينة باردو على بعد أربعة كيلو مترات من العاصمة التونسية، ويمتاز هذا الحي بالهدوء، حيث يقطنه نحو 80 ألف نسمة، وبه مقر مجلس نواب الشعب التونسي والمتحف الوطني الشهير، الذي شهد العملية الإرهابية والتي نفذها 9 إرهابيين وأسفرت عن مقتل عدد من السياح الأجانب، وتأثر بعدها النشاط السياحي بتونس بشكل ملحوظ للغاية وانخفضت نسب الإشغال بالمناطق السياحية، ما دفع المسئولين بالدولة لتنظيم مسيرة عالمية بشارع الحبيب بورقيبة للتنديد بالإرهاب، وحضرها رؤساء دول أوروبية من بينهم الرئيس الفرنسي فرانسو أولاند. إلا أن ما حدث أعاد الصورة إلى الأذهان مجددا ولكن هذه المرة بداخل إحدى الثكنات العسكرية بالحي، حيث أقدم رقيب عسكري بثكنة بوشوشة على ذبح زميله بسكين، وأخذ سلاحه وإطلاق النار على زملائه إبان تحية العلم، ما أسفر عن مقتل 7 عسكريين ومنفذ العملية الرقيب الأول مهدي الجميعي إضافة إلى جرح 10 آخرين. وضمت قائمة الضحايا العسكريين النقيب عبد المجيد الجابري الوكيل أعلى محمد الطاهر الرزقي، الوكيل زهير برهومي، العريف أول مهدي كافي، والعريف أول لخضر الشعايبي، والرقيب ياسين بوعبيد، وجندي متطوع بسام حسن. وقال عزيز بوناصر، أحد سكان حي باردو لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط بتونس، "استيقظت في الصباح مفزوعا على صوت طلقات الرصاص، لا أدري من أين؟، ولكني تذكرت على الفور ماحدث في المتحف الشهر الماضي، وحدثتني نفسي أنها عملية إرهابية جديدة". وأضاف "ارتديت ملابسي وهرولت إلى الشارع لكى أعرف ماذا حدث، وجدت الشرطة تملأ الطرقات وانتشرت الحواجز أمام ثكنة بوشوشة العسكرية، وعلمت من أحد الضباط أن ثمة أمر ما يحدث داخل الوحدة". وقامت عقب الحادث، فرقة مكافحة الإرهاب بحملات تفتيش واسعة في محيط الثكنة العسكرية، وتوجهت إلى مسجد 20 مارس، المجاور للثكنة لفحص المكان والتأكد من خلوه من أي عناصر إرهابية قد تكون متحصنة به. إلا أن الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية محمد علي العروي، قال في تصريحات له عقب ذلك بأنه لا وجود لإطلاق نار في محيط جامع 20 مارس بالعاصمة التونسية، مؤكدا أن الوضع أصبح تحت السيطرة بعد وصول تعزيزات أمنية مكثفة إلى محيط الثكنة العسكرية التي شهدت إطلاق نار. وأضاف عزيز بوناصر "رأيت سيارات الإسعاف وهي تغادر من الوحدة وتنقل المصابين للمستشفى، وعلمت وقتها أن هناك من قام بإطلاق الرصاص على عسكريين داخل الوحدة العسكرية". وقال بوناصر "الحي لم يعد هادئا مثلما كان سابقا، هذه ثاني عملية إرهابية تقع به، الأولى كانت عند المتحف وخلفت قتلى كثيرين". من جانبه، أفاد المقدم بلحسن الوسلاتي المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الوطني التونسية أن عسكريا متواجدا داخل ثكنة بوشوشة بباردو أطلق النار صباح اليوم الاثنين على زملائه، مؤكدا أنه لايمكن حاليا اعتبار الحادثة عملية إرهابية. وأوضح أن منفذ العملية يعاني من اضطرابات نفسية وعائلية، وأنه كان يشتغل بوزارة الدفاع ثم تم نقله قبل مدة إلى ثكنة بوشوشة، وأن عملية قتله تمت عن طريق "الفوج الوطني لمكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن التحريات متواصلة لمعرفة دوافع ارتكاب العملية. ورد فيصل الشريف، الخبير العسكري، على تصريحات المتحدث العسكري قائلا "إنه لابد من معرفة الأسباب الكامنة وراء إعفاء منفذ عملية ثكنة بوشوشة ببارد من حمل السلاح، واعتبر أن من يعاني من اضطرابات نفسية لا يمكن له التواجد بالثكنة أو مباشرة عمله، مؤكدا أن منفذ العملية وحسب المعطيات الأولية "متزن وليس له سوابق كما أنه لم يستعمل العنف سابقا مع زملائه". إلا أن محمد المؤدب، الجنرال المتقاعد من المؤسسة العسكرية، أفاد بأن كل عسكري يمر بصعوبات نفسية ويطلب منه أو بقرار من الطبيب العسكري الإعفاء من حمل السلاح ويكلف بمهام ثانوية غير التي تتطلب حمل السلاح. وأكد أن جميع المؤسسات العسكرية في كل أنحاء العالم معرضة لمثل هذه الحوادث، موضحا أن سابقا لم يكن مثل هذه الحوادث يعلن عنها. وانعكست تأثيرات العملية على الوضع الاقتصادي في تونس، حيث انخفض مؤشر البورصة التونسية الرئيسي "تونندكس" بنسبة 0.02% مسجلا 5648.30 نقطة، كما ارتفع الدولار الأمريكي أمام الدينار التونسي مسجلا 1.9455 دينار تونسي اليوم وذلك مقابل 1.92 دينار في تعاملات الجمعة الماضي. وتزامنت هذه العملية مع تصريحات وزيرة السياحة التونسية سلمى اللومي الرقيق، والتي أعلنت أن مؤسسة هيلتون العالمية أبدت عن استعدادها للعودة إلى تونس مجددا واستئناف نشاطها، فضلاعن أن مؤسسة سياحية أمريكية متخصصة في قطاع السياحة الثقافية والمتاحف، بالإضافة إلى رجال أعمال أمريكيين عبروا عن استعدادهم للقدوم إلى تونس ومزاولة أنشطتهم الاستثمارية.