ذلك الشاب الثلاثيني، أسمر البشرة، الذي اصطدمت به منذ اللقاء الأول، عندما عملت تحت يده كمنسقًا لقسم الفيديو، في احدى المواقع الإخبارية الجديدة، التي آدار تحريرها. ظننت نفسي آنذاك خلفية حسنين هيكل في فن التحرير الصحفي، حتي جمعني به اللقاء الأول علي المستوي المهني، صوتًا مرتفع، يعنفني، قائلًا: " انت ازاي بتكتب كده"'، تعجبت كيف له أن يوبخني، من يكون هذا الشاب ليتعامل معي بهذا الأسلوب، وهممت في نفسي مرددًا: "انا بكتب كويس، والله لو عمل كده تاني ماقاعدله فيها، انا مش قليل"، ومضيت. في اليوم التالي تكرر السيناريو نفسه، فظننت أنه مدرس لغة عربية يستعرض امامي قوته في قواعد النحو والصرف، والاستعارات، والتشبيهات والتراكيب اللغوية، وعندها قررت العناد، وفكرت مرارًا وتكرارًا في ترك العمل. رآني احد "الكّتيبة" منهم فقال لي: "متزعلش منه ده اطيب حد ممكن تقابله، هو بس شاطر جدًا ومستواه عالي في الكتابة"، فكان ردي عليه :"اللي اداه يدينا"، ومضيت بمنتهي العجرفة. وبين ليلة وضحاها، ناداني الشاب الثلاثيني، ليتنازل عن صوته المرتفع دائمًا، وعصبيته الزائدة، لدقائق محدودة، وقتها كان يتناول إفطاره، الذي شاركته فيه بعد تصميمه، ليظهر لي كرم الصعايدة، قال لي: "انا مش بتعصب عليك بقصد، انا عايز اعلمك، عشان لما تمشي من عندي تعرف تشتغل في أي مكان بره يعجبك"، اندهشت من حديثه، كيف له أن يتنازل عن قوته، ليستكمل حديثه:"انت فيك خامة صحفي كويسة، ويعلم ربنا أنا بتعامل معاك زي أخويا، متزعلش مني، انا عايزك تتعلم". جلست وحيدًا بعد اللقاء لكي احلل وافصل قوله، وبالواقع اواجهه، فوجدت نفسي بالون منتفخ بالهواء، "الصيت ولا الغنى"، مصارحًا نفسي قولًا: " لو كنت فعلًا شاطر مكانش الراجل ده عًدل عليا في كل حاجة، فيها ايه لو اتعلمت ومشيت وراه، مش هخسر حاجة، الراجل شكله لطيف"، وقد كان. كنت دومًا اوجه له الأسئلة: "ياريس دي صح، ياريس فهمني دي، ياريس معلش القاعدة هنا ايه". كان يوبخني يومًا، ويضحك في وجهي يومًا، ويعلمني دومًا، من البدايات إلي ما تمكنت من تحصيله من علمه الذي منحني إياه، وبعد 4 أشهر، تلقيت خلالها مالم أكن أعلمه، من فنون صحفية لقواعد نحوية، قررت أن افتح البريد الذي كنت استخدمه عندما كنت محررًا للأخبار، وهنا توقفت مصدومًا، لأصحح في الخبر قرابة ال 8 أخطاء. ومرت الأيام وتحقق قوله " أنا بعلمك عشان لما تمشي من هنا تعرف تشتغل بره"، عملت بعدها في عدة مواقع إخبارية، تميزت فيها بحسن الأسلوب والسرد الصحفي، وتدرجت في أقسام عدة، ووقتها تذكرت كلماته جيدًا، وابتسمت. وذات مرة شكر أحد الاساتذة في تدوينة كتبتها عبر حسابي بفسيبوك، وكان يظن أنني لا اجيد الكتابة، فقلت له: "انا اتعلمت تحت ايد حسن عبدالموجود"، فرد قائلًا: "انت طالع من تحت ايده، مفيش كلام، الله ينور". كنت اظنه وخاب ظني، عانده فعلمني، شكرا علي كل لقاء انفعلت فيه، علمتني الانضباط، والكتابة الصحفية بداية من تراكيب الجمل، والفقرات، مرورًا بعلامات الترقيم، ومن ثم النحو واللغويات. شكرًا حسن عبدالموجود