اعتبر مساعد مدير التحرير، جون ألين غاي، في "ناشونال إنترست" والمؤلف المشارك لكتاب "الحرب مع إيران: العواقب السياسية والعسكرية والاقتصادية"، "War with Iran: Political, Military, and Economic Consequences" أن"أي اتفاق نووي لن يحول دون وقف صعود النفوذ الإيراني الذي لا يفتر في منطقة الشرق الأوسط". وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً لمراسل مجلة "بوليتيكو"، ويدعى مايكل كراولي: "يمكنك الحديث باستفاضة عن اليمن، أو يمكنك الاعتراف بأننا على مبعدة موافقة واحدة من وفاق نووي بشأن إيران سيغير قواعد اللعبة، ويعتبر إرثاً لمن يجيئون بعد، ويعالج ما يتفق الجميع على أنه أكبر تهديد يواجه المنطقة". وأضاف المسؤول: "ما يتفق عليه الجميع، حسناً، ليس الجميع، إذ كان هناك تفسير مختلف اختلافاً جذريّاً للاتفاقية المحتملة مع إيران في صدارة النقاش يوم الجمعة في "المركز من أجل المصلحة القومية"، حيث قال ديفيد روثكوبف، المسؤول السابق في إدارة كلينتون والرئيس التنفيذي ورئيس تحرير مجلة "فورين بوليسي"، لم يسبق قط خلال حياتنا أن كانت بلدان الشرق الأوسط كلها "ما عدا عُمان" متورطة في صراع ما. وتابع قائلاً إن "تشبيه الوضع بالفوضى التي جرت في البلقان ليس من قبيل المبالغة". توسيع النفوذ الإيراني وأشار إلى أنه "حتى الاتفاقية النووية على ما يبدو لن تكون بحال هي الاتفاقية النووية التي كنا نسعى إلى الحصول عليها"، وجادل روثكوبف قائلاً إن "مخاطرة وجود سلاح نووي إيراني تعتبر مخاطرة ثانوية مقارنة بالانتشار النووي الإقليمي، الذي يمكن أن يشعل فتيله حصول إيران على سلاح نووي، إذ أن ذلك يزيد مخاطرة وقوع تلك الأسلحة في الأيدي الخطأ، فزمن تجاوز إيران المحتمل للعتبة النووية "أو زمن الاختراق"، وهو الوقت اللازم لإنتاج المواد الانشطارية لصنع القنبلة، الذي يجري التمسك به، باعتباره هدفاً معقولاً في المحادثات الجارية، معناه أن كل دولة تشعر بأنها مهددة "ستجد نفسها في موقف تُضطر فيه إلى الدفاع عن نفسها"، وأضاف "وبالتالي يظل خطر الانتشار النووي ماثلاً". وقال إن "الأفعال المتخذة في الأممالمتحدة لدعم الاتفاق النووي الشامل ستحسن في الوقت نفسه وضع إيران إزاء دول كثيرة، وعندما يقترن هذا بتخفيف العقوبات، فإنه يعني أنه سيكون بمقدور إيران توسيع نفوذها أكثر في العراق وسوريا واليمن بل وحتى في غرب أفغانستان". تقييم متشائم وقدّم دوف زاخايم، وكيل وزارة الدفاع الأميركية ومراقب حسابات الوزارة خلال السنوات الأولى من إدارة جورج بوش، ونائب رئيس "المركز من أجل المصلحة القومية" وعضو المجلس الاستشاري لهذه المجلة أيضاً تقييماً متشائماً للوضع، إذ أشار أن "مبادرات الإدارة بشأن المنطقة ضخّمت توسيع النفوذ الإيراني"، مضيفاً بقوله: "أنا على قناعة بأننا نعمل على وفاق تام مع الإيرانيين في أماكن مثل كردستان". وأشار إلى أن هذا ليس بالشيء العارض، إذ أن محاولات الإدارة الأوسع لتحويل طاقتها نحو السياسات الداخلية تقود في اتجاه نشأة "سيادة مشتركة" إقليمية مع الجمهورية الإسلامية، أو حتى تعهيد المصالح الإقليمية الأمريكية إلى إيران. فقدان ثقة ونبه كلا المتحدثين أيضاً إلى أن "حلفاء أمريكا في المنطقة بدءوا يفقدون ثقتهم بها، حتى وهم يرون الأخطار تتنامى في جوارهم". ولفت زاخايم الانتباه بوجه خاص إلى المملكة العربية السعودية، منوّهاً إلى أنها "تشهد محاولات موالية لإيران لإطاحة حكومة البحرين في شمالها، وللسيطرة على اليمن في جنوبها، ولبثّ القلاقل وزعزعة الاستقرار داخل المجتمعات الشيعية التي تسكن المنطقة الشرقية الغنية بالنفط داخلها. وكل هذا يجسّد "الكابوس السعودي النمطي، وهو أن تجد المملكة نفسها محاطة بعناصر إيرانية". وقال زاخايم: "أضف إلى هذا كله قدرة نووية إيرانية، وستجد أنه يستحيل ألا يحصل السعوديون على سلاح نووي". وأشار إلى أن "هذا سيؤدي إلى انتشار نووي متسلسل، إذ من الراجح تماما أن تكون الإمارات العربية المتحدة هي التالية بعد الرياض في الانضمام إلى النادي النووي، تليها مصر ثم تركيا، وستكون النتيجة سلسلة من القوى النووية الممتدة من المحيط الهادئ إلى أوروبا، وفي مثل هذه البيئة المتقلبة، لا يحتاج الأمر إلى أكثر من خطأ واحد كي تقع الكارثة". السياسة الأمريكية وتحدث الإثنان أيضاً باستفاضة عن السياسة المحلية الأمريكية وكيف أنها فاقمت الأزمة الراهنة. وأشار كلاهما إلى مركزية السياسة الخارجية في البيت البيض باعتبارها أحد مصادر الخلل. وقال زاخايم منتقداً إن "ثلة صغيرة، وتفتقر غالباً إلى الخبرة، تمارس نفوذاً زائداً عن الحد على السياسة الخارجية، وأنه سيكون لزاماً على الإدارات المستقبلية أن تفوّض مزيداً من السلطة إلى المحترفين في شأن السياسات داخل مختلف الوزارات ذات المهام الدولية". وأشار زاخايم إلى أنه لا يوجد "مبرر جوهري" لأن تدار السياسة على هذا النحو. وقد وافقه روثكوبف في وجهات نظره هذه، منوّهاً إلى أن فريق عمل مجلس الأمن القومي توسع تقريباً إلى عشرة أضعاف عدده منذ أوائل السبعينيات، مشيراً إلى أن هذا التوسع كان له أثره الضار على فعالية كل من الوكالات التنفيذية "التي سُمح لها بأن تضمُر" ومجلس الأمن القومي ذاته، الذي استدرج بعيداً عن أدواره التقليدية المتمثلة في التخطيط الاستراتيجي والإشراف على الوكالات. المصداقية الأمريكية وخصّ زاخايم وروثكوبف بالذكر العلاقات السيئة بين الكونغرس والرئيس باعتبارها خطراً على المصداقية الأمريكية، إذ جادل روثكوبف بأن "الاختلال الوظيفي في واشنطن يشكل تهديداً على الأمن القومي الأمريكي أكبر من تهديد تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى". وأعرب روثكوبف عن "انتقاد شديد لوجود كونغرس"معطِّل"، قائلاً إن "كثيرين في هذه الهيئة يظنون أن معاقبة الرئيس على السياسة الخارجية هو نصر حتى على الرغم من أن هذا "يُضعفنا في كل مرة يحدث فيها"، وانتقد الإثنان علاقات الإدارة مع الكونغرس، فقال زاخايم إنها "أقامت علاقات سيئة فيما يخص القضايا كافة، ومع كلا الحزبين". وقال روثكوبف: "هل يحسن أوباما تآلف الكونغرس؟ كلا. فهل يُحْسن تآلف الديمقراطيين الآخرين؟ كلا. فهل يُحْسن تآلف بقية أعضاء إدارته؟ كلا. فهل هو منعزل، ويعتمد على قلة قليلة جدّاً من الأشخاص، وميال إلى النزاعات، ويتبع أسلوب الحملات الانتخابية، ويسيء الحكم؟ نعم". ومع ذلك مضى روثكوبف يقول:"مثلما أخطأ أوباما، في عدم مدّه يده إلى الآخرين، قال ميتش ماكدونيل: إن مهمتي هي وقف أوباما، وهو يقيناً لم يكن بناءً في هذا، بل وكان بعض من في حزب الشاي أسوأ، ودعا روثكوبف كلا الحزبين إلى التعرّف على المجالات التي يمكنهما أن يتعاونا فيها سويّاً". تحالفات إقليمية وتوافق كل من زاخايم وروثكوبف على أن مسار المضي قدماً في الوضع الدولي المضطرب يبدأ بإعادة بناء شبكات تحالفاتنا الإقليمية، وعلى الرغم من النقد الذي وجهه زاخايم إلى الاتجاه الحالي الذي تسير فيه المفاوضات مع إيران، جادل بأن المحادثات ينبغي أن تستمر، وأنه ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تستغل الفرصة لاستعادة مصداقيتها وسمعتها كشريك يعول عليه، وقال روثكوبف إنه "لا يظن أنه ينبغي فعل أي شيء غير التوصل إلى اتفاقية جيدة"، بمعنى أنه ينبغي أن تحصل الولاياتالمتحدة على أحسن اتفاقية يمكنها الحصول عليها، لكنه قال إن "السبيل هو أن تفعل هذا في سياق استراتيجية أوسع تطمْئن الحلفاء". وأضاف روثكوبف بأن "غياب إطار استراتيجي أوسع للمحادثات كان واضحاً في بؤرة التركيز المحورية التي احتلتها الاتفاقية في نهج الإدارة تجاه المنطقة"، منوّهاً إلى "التقدم الذي تحرزه إيران على الأرض وإلى هجماتها الإلكترونية المنتظمة ضد مؤسسات أمريكية". وحذر روثكوبف من أن النهج الحالي يثمّن على ما يبدو الفوز القابل للتحقيق بغضّ النظر عن السياق، ومن أن لغة الجسد الأمريكية في المحادثات أوحت بأننا نريد التوصل إلى اتفاقية أكثر مما تريد إيران ذلك، وهذا شي خطير للغاية ولا سيما في ظل غياب استراتيجية أوسع. واختتم روثكوبف وزاخايم حديثهما بإبداء وجهات نظر متفائلة حول مستقبل المنطقة، حيث شبّه زاخايم الوضع ولا سيما طابعه الطافي والعرقي بحرب الثلاثين عاماً التي دمّرت أوروبا في القرن السابع عشر. ونبّه روثكوبف إلى أن الصراع يمكنه أن يدوم عَقداً من الزمن أو أكثر وتكون له عواقب وخيمة على اقتصادات المنطقة ومستقبلها، قائلاً إن الراجح أن يزداد الوضع سوءاً قبل أن يتحسن، وأن الحفاظ على النفوذ الأمريكي سيتطلب على الراجح وجود قوات على الأرض هناك.