الحاجه "سعاد" امرأة عجوز، تبلغ من العمر 85 عامًا، رسم الأسى على وجهها ملامح الشقاء، ووصفت تجاعيد بشرتها خارطة الزمن الذي أنهكها، وأرهقها، وسرق من عمرها مذاق السعادة، توفى زوجها، وأبنائها الخمسة، تاركين لها، 21 حفيدًا، تتولى تربيتهم، ومآكلهم، وتعليمهم، فليس لهم فى الدنيا بعد ربهم سواها، حيث تنفق على امهاتهن، وعلى نفسها، ورغم حنانها المتدفق، لا يزوروها إلا وقت حاجتهم فقط، تقضى أوقاتها بين العمل والمنزل، فلا عيد يمر عليها تحتفل، ولا ملابس براقة تمتلك، راضية بحالها، وبما قسمه لها ربها. تعمل "سعاد" فى محل حدايد وبويات، ورثته عن زوجته تبيع للمواطنين، مواد بناء ودهانات، منذ 21 عامًا، كما تعمل ك"عتالة" وقت الحاجة حينما يتشد الفقر عليهما.
تقول العجوز، إن أول ابناؤها المتوفين هو اصغرهم سنًا، والذى فارق الحياة نتيجة تعرضه لحادث ماس كهربائي، ومن ثم الآخر الذى اصابته الحمى، وفارق الحياة بعد يومين، والباقون فارقوا الحياة قضاءً وقدر.
وتضيف العجوز، "بيقولوا عليا الأم المثالية"، "شقيانة من عمر 12 سنة، لغاية دلوقتي، الراجل مات والعيال، وسابونا على ربنا.
وعن دخلها، تقول إنها تبيع يوميًا، بجنيهان، أو ثلاثة جنيهات، ولا تتلقى مساعدات من أحد، وبسؤالها عن اقاربها وأخواتها، تقول: "محدش بينفع حد كل واحد بيقول ياله نفسي".
"أنا باجي غصب عنى.. انتى متعرفيش اللى فيها ايه.. انا باجي بالعافية.. مبقدرش امشي"، كلمات ردت بها على سؤال، ب"هل ترضين عن عملك وتحبيه".
ويقول أحد أهالى المنطقة، إن الحاجة "سعاد"، من أقدم سكان منطقة الحي السادس، بمدينة نصر، ويضيف: "لو كنت مسؤول لمنحتها لقب الأم المثالية على مستوى الجمهورية".
ويصف الرجل الخمسيني من العمر، أن "سعاد" تستيقظ من الساعة 7 صباحًا، لتفتح محلها، وتبدأ يومها، موضحًا أنها تحب الحياة العملية والكفاح وتفضلهما، بدلا من أن تمدي يداها وتطلب مالًا أو خبزًا.
ويضيف الرجل، باكيًا: "انا بمر عليها من وقت للتاني، وبقعد معاها، وبتعتبرها الأم المثالية، أنا بقول كلمة حق قدام ربنا اللى هيحاسبنى فى يوم من الأيام".
وقال صاحب صالون حلاقة، إن قبل وفاة زوجها كان الحال ميسور بالنسبة لها، فبعد رحيل زوجها، ووفاة ابنائها، تدهور حالها.
ويوضح الرجل، أنها تلجأ إلى جمع الكراتين من الشارع، وتعرضها للبيع، لتجد قوت يومها، مطالبًا المسئولين بمساعدتها.
واختتم شخص يدعى "رمضان على" يعمل كهربائي بالمنطقة، حالته منهى البساطة، أنه يحرص على مساعدتها، خاصة عندما تلجأ لحمل الجبس والأسمن على عاتقها.