حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد العزبى: ثلاثية الحياة والنجاح والتسامح
نشر في الفجر يوم 01 - 03 - 2015

إن الميزة الأساسية التى منحها الله للدكتور أحمد العزبى قدرته التلقائية على التواصل مع الآخرين دون تمييز دينى.. أو تصنيف عقائدى.. فهو وثيق الصلة بشخصيات متنوعة.. متناقضة.. يصعب على شخص غيره التعامل معها بنفس الود.. وبنفس درجة التفاهم.
يجمع بشرا من الشرق إلى الغرب.. من مهنته وخارجها.. يمتلكون سلطة أو لم يعاشروها.. فالصداقة عنده ليست وجها آخر للمصلحة.. وإنما حالة من الراحة النفسية يصعب التفريط فيها عند العثور عليها.
والمؤكد أن خروجه عن الدوائر الأيديولوجية الجامدة منحه مساحة رحبة من الحرية لتقبل كل الاتجاهات وكل التيارات.. بخلاف ما يفعل المنتمون لنظرية ما.. أو فكرة ما.. فهؤلاء يرون فى خصومهم شرا من اللحظة الأولى.. أو الكلمة الأولى.. وهنا يكون التربص سابقا على الحوار..
هل مهنة الصيدلة التى يمارسها تمنح صاحبها حالة من الليبرالية المهنية يتعامل بها دون تفرقة؟.. إن الغفير والوزير والشيوعى والإخوانى والرجل والمرأة يتناولون نفس الدواء.. ويصعب على من يصرفه لهم أن يضع فى اعتباره شيئا آخر غير فاعلية العلاج؟
أحمد العزبى: ثلاثية
الحياة والنجاح والتسامح
صباحى
وربما.. كشفنا سره لو فتشنا فى سيرة حياته.. وتابعناها خطوة خطوة.. وسنة بعد سنة.. ومرحلة بعد أخرى.. فقراءة الحاضر تبدأ من الماضى.. والتكوين يكشف عناصر التمكين.
ولد فى قرية «العزيزة» مركز المنزلة.. محافظة الدقهلية.. القرية تقع على بحيرة المنزلة مباشرة.. فكان طعام الإفطار سمكا مشويا.. خاصة الأسماك صغيرة الحجم التى يسمونها «شر» و«شبار».. واللافت أنه لا يزال يفضلها عن غيرها من المأكولات البحرية المميزة.
والده كان مدرسا كثير التنقل بحكم عمله.. انتقل معه أول مرة من العزيزة إلى المطرية الواقعة فى زمام بحيرة المنزلة أيضا.. وهناك دخل الكتاب وعمره خمس سنوات.. وتعلم القراءة والكتابة مما أهله حسب نظام كان قائما لدخول السنة الثانية من التعليم الابتدائى مباشرة فى «العزيزة» التى عادوا إليها.. ووفر ذلك عاما فى مسيرته التعليمية. ولا ينسى مثل كل التلاميذ الريفيين مشوار المدرسة
حصل على الابتدائية من العزيزة.. ودخل المدرسة الإعدادية فى المنزلة.. لكن.. بعد سنة انتقل مع والده إلى المنصورة وحصل على الشهادة الإعداية هناك.. وقبل أن يكمل دراسته الثانوية فى المنصورة انتقل والده إلى بورسعيد فحصل على شهادة الثانوية العامة هناك.
كان والده يمتلك فدانا من الأرض الزراعية.. لم يتردد فى بيعه لتعليم أبنائه تعليما عاليا فى الوقت الذى حرص زملاؤه على ادخار المال لشراء المزيد من الأراضى ولو على حساب مستقبل أولادهم.. «الإرث الذى تركه له والده هو وإخوته كان شهاداتهم الجامعية».. إرث يصعب تبديده.
جاء إلى القاهرة بحثا عن مستقبله الجامعى.. قدم فى كلية الطيران.. لكن.. ليلة كشف النظر قرأ كتابا استهواه حتى الفجر فلم يوفق فى الاختبار.
فكر مثل غيره فى كليات الطب أو الهندسة.. وشجعه على ذلك حبه وتفوقه فى الرياضيات.. لكن.. شقيقه الأكبر عادل العزبى نصحه بعدم التقدم لها.. فقد تشبعت الحكومة بالمهندسين بعد الانتهاء من بناء السد العالى.. والطب سيفرض عليه المذاكرة طوال حياته.. فكانت الصيدلة الاختيار الأمثل.. ففرص العمل بشهادتها متعددة.. فى صيدلية يمتلكها.. أو يوظف فيها.. أو فى تسويق دواء شركة ما.. أو موظف فى مؤسسة أو شركة خاصة أو حكومية.. وبالفعل وضع كليات الصيدلة على قمة رغباته فى استمارة مكتب التنسيق.. وبعد أسابيع أصبح طالبا فى صيدلة القاهرة.
فى السنة الأخيرة قرر أن يكون معيدا.. على أنه لم يحضر المحاضرات الأخيرة.. وفوجئ فى امتحان الشفهى (ثلث الدرجات على الشفهى والثلث على العملى والثلث الأخير على التحريرى) أن السؤال الذى وجه إليه جاء منها.. فتخرج بتقدير جيد.. فلم يتحقق حلمه فى أن يكون مدرسا مساعدا.
فى تلك الفترة أصبح شقيقه عادل العزبى مسئولا عنه متكفلا بشئون العائلة كلها.. ونقلها إلى مستوى أعلى.. ووفر له سيارة.. لكنه.. بعد شهور قليلة من تخرجه جاء إليه محذرا وهو يقول:
شوف يا أحمد.. أنت لازم تعتمد على نفسك.. لن أعطيك مصروفا بعد اليوم لازم تشتغل وتشيل مسئولية العائلة بنفسك.
قرأ إعلانا فى «الأهرام» تطلب فيه صيدلية قريبة من القاهرة صيدلانى توفر له مسكنا.. صاحب الصيدلية التى تقع فى «طامية» الفيوم اسمه سعد بهجت.. وقد أهملها وتفرغ لجمع النباتات العطرية وتحويلها لزيوت قبل تصديرها إلى فرنسا.. وترك إدارة الصيدلية لمساعد اسمه يوسف.
وسعد بهجت شيوعى.. اعتقل أكثر من مرة.. ولم يعد إلى الحرية إلا بعد عام 1965 كان كل ما يطلبه سعد بهجت من الصيدلية ألا تخسر.. يكفى أن تغطى مصاريفها.. والباقى حلال على مديرها الجديد.. على ألا يضيق على يوسف الذى كان يختلس بعضا من المال على ما يبدو.
كان على العزبى أن يسافر إلى «طامية» صباح كل سبت ويبقى فيها حتى عصر كل خميس.. إيراد الصيدلية اليومى كان لا يزيد على عشرة جنيهات.. لكنه تركها بعد سبعة شهور وقد رفع الإيراد اليومى إلى خمسين جنيها.. فهو لم يكن صيدلانيا فقط وإنما طبيب أيضا.. يصف العلاج بدقة للبسطاء الذين يأتون إليه دون أن يضيف دواء لا يحتاجونه.
وفى الفيوم أيضا وقعت فى هواه فتاة مراهقة.. طالبة فى المدرسة الثانوية.. تنتمى لعائلة ثرية.. لاحظ ذلك من كثرة ترددها على الصيدلية لشراء أشياء لا تحتاجها فى الغالب.. وفوجئ برسول من والدها يقول له: «لو تقدمت للزواج منها فإنهم سيرحبون بك».. لكنه.. لم يتقبل فكرة الزواج من فتاة أغنى منه.. كما أنه كان مشغولا بمستقبل لم يبح بملاحه بعد.
فى ذلك الوقت كان شقيقه عادل العزبى يعمل فى ليبيا وكون صداقات هناك وطدت علاقته برجل أعمال يمتلك كافيتريات فى طرابلس.. ووسطه جاره وهو صاحب صيدلية فى أن يبحث له عن صيدلى مصرى يضيف إليها الخدمة الليلية بمرتب لا يزيد على 150 دينارا.. ورغم أن أحمد العزبى كان يحقق دخلا شهريا من صيدلية الفيوم وصل إلى 73 جنيها فإنه وافق على السفر إلى ليبيا مؤكدا لنفسه أنه لن يخسر شيئا.. فاشترى تذكرة سفر وعودة قائلا فى سره: «لو لم يعجبنى الحال تذكرتى فى جيبى وبلدى فى انتظارى».
.. سافر إلى ليبيا فى بداية عام 1972.. ليجد الصيدلية فى منطقة نائية.. متطرفة ما يزيد من وحشة الخدمة الليلية.. يضاف إلى ذلك أنه فور وصوله أبلغه مسئول الخدمة الصباحية (صيدلى مصرى وزوجته) أنهما سيسافران فى إجازة إلى القاهرة لمدة 40 يوما.. واسقط فى يده.. فالأسماء التجارية للأدوية تختلف من بلد إلى بلد.. ويحتاج وقتا للتعرف على تركيباتها.. فطلب منهما مهلة للتعلم.. لكنهما.. قالا له: «محدش بيعلم حد».. وقرر أن يواجه مصيره بنفسه.
سافر الصيدلى وزوجته وتركاه وحده.. غير ملم بالأدوية.. فى شقة بجانب الصيدلية.. وعليه أن يستجيب لكل مريض ليل نهار حتى لو كان نائما.. كل ما على الزبون أن يضغط على جرس فى متناول يده يوقظه فى الشقة.
ويروى: «عندما يأتى زبون ويطلب دواء معينا كنت أفتح العلبة وأقرأ النشرة الموجودة فيها لأتاكد من الجرعة المناسبة دون أن أنسى تنبيهه للآثار الجانبية».
«اشتهرت بين الناس هناك بأننى طبيب جيد.. أتأكد من كل شىء قبل أن أبيع الدواء.. ما سهل علىّ تكوين سمعة طيبة حافظت عليها».
بعد 40 يوما عاد صيدلى الفترة الصباحية وزوجته من الإجازة.. لكنهما.. سرعان ما تشاجرا.. وطلقا.. فقد كان كل منهما يحاسب الآخر بالمليم.. وكأنهما ليسا زوجين.. واختلفا على نسبة كل منهما فى مصروف البيت فكان الطلاق أرخص قرار.
أصبحت المسئول الوحيد عن الصيدلية نهارا وليلا ففكرت فى أن يأتى للعمل معى أحد أصدقائى الذين تعرفت عليهم فى الكلية.. وجاء الدكتور أحمد زرزور بعد ستة شهور.
الدكتور أحمد زرزور.. سورى.. التقى العزبى فى أول يوم لهما فى الكلية.. ومن يومها أصبحا صديقين حميمين.
يقول زرزور: «العزبى لم يتدن فى تعامله مع الليبيين مما كان يشدهم إليه.. وسكن فى أرقى الأحياء.. واستخدم شغالة.. وتناول طعامه فى أغلى المطاعم.. كان يهمه النجاح أكثر من المال.. صورته فى عيون الآخرين أكثر من مكاسبه منهم».
يعلق العزبى: «لم أعش بأكثر من دخلى لكننى كنت أنفق أغلبه عملا بمبدأ أننى لن أعيش سوى مرة واحدة».
ويضيف: «أول ما بدأنا العمل كنا نبيع يوميا بمائة دينار بعد ستة شهور أصبحنا نبيع بستمائة دينار.. وقبل أن نغادر البلاد وصلت مبيعاتنا إلى عشرة آلاف دولار.. يوما بعد يوم أصبحنا أهم صيدلية فى طرابلس رغم أننا نبعد عن قلب المدينة بنحو 20 كيلومترا».
لكن ما سر النجاح؟
يقول: «كنا نعامل الزبون كأنه واحد من العائلة.. ونوفر كل شىء فى الصيدلية حتى لو اشتريناه بنفس السعر الذى نبيعه به.. والأدوية التى نحصل عليها مجانا كنا نقدمها مجانا.. ولو جاء زبون بما لا يكمل ثمن الدواء كنا نعطيه الدواء على أن يأتى بما عليه من مال فيما بعد.. والليبيون شعب لا يقبل الحرام خاصة فى العلاج.. فكان حقنا يصل إلينا دون نقصان.. بل أكثر من ذلك كنا نؤجل قبض مرتباتنا بالشهر والشهرين لنسد ما على الصيدلية من فواتير متخمة بسبب التوسع فى شراء الأدوية.. تصرفنا كملاك لا كأجراء».
ويضيف: «أسلوبنا فى المعاملة حقق لنا سمعة طيبة ودعاية قوية وثقة يصعب أن يحظى بها غريب».
ويستطرد: « قبل 6 أكتوبر كان بعض الليبيين يتعاملون معنا باستعلاء.. فأنا مصرى وأحمد زرزور سورى وبلدانا تحتلهما إسرائيل.. لكن.. فى يوم 6 أكتوبر نفسه أجبرنا الجميع على تغيير أسلوب معاملتهم لنا».
فى ذلك اليوم بالتحديد فى الساعة الثامنة مساء كسر العزبى إشارة مرور فجاء خلقه ضابط برتبة عقيد يسأله عن سبب ما فعل فكشر العزبى عن أنيابه قائلا: غور من وجهى.. فخاف الضابط وانصرف.
فى اليوم التانى ضرب العزبى وزرزور زبونا اتهمهما بأنهما لا يفهمان.. وخلال ساعة كانا قد جمعا ثلاثة ملايين جنيه ضمت كل مدخراتهما.. وذهب نصف ما جمعا إلى السفارة المصرية والنصف الآخر ذهب إلى السفارة السورية.. تغيرت حالتهما النفسية بتغير الحالة السياسية لبلديهما.. من الانكسار إلى الانتصار.
لم تكن خطط العزبى أن يواصل العمل فى الصيدليات.. تقبل السفر إلى ليبيا وفى نيته ألا يمكث فيها أكثر من سنة.. يجمع خلالها ما يكفيه من مال لكى يدرس علم صيدلة المستشفيات فى لندن وكان لا يزال علما جديدا مغريا.. وفى أول إجازة ذهب لزيارة أساتذته فى الكلية ليسلم عليهم.. ومنهم الدكتور جمال مهران شقيق وزير الصحة والسكان الأسبق ماهر مهران.. وراح يحدثه عن أحلامه فى استكمال دراساته المتخصصة فى لندن.. لكنه.. فوجئ بالرجل يسأله:
«بتكسب كويس»؟
أجاب: «نعم»
قال: «بص وراءك.. شوف.. هناك كم هائل من الشهادات تشتريها»
وأضاف: «لما ربنا يغدق عليك من رزق فى مكان ما لا فلا تتركه لا تتبتر على النعمة».
عاد العزبى إلى مصر فى سبتمبر 1977 بعد أن كون هو وصاحبه فى صيدلية طرابلس شركة لاستيراد الأدوية البيطرية.. لكنها.. لم تحقق نجاحا.
قبل نحو ثلاث سنوات من رجوعه اشترى صيدليته الأولى فى مصر الجديدة.. لكنه.. لم يهتم بها.. وراح يدخل فى مشروعات متنوعة منها مصنع لمساحيق التجميل لكنها.. لم تنجح.. فقرر الاهتمام بالصيدلية.. مستفيدا من خبرته الخارجية.. ولم تمر سوى عدة شهور حتى كانت صيدليته متميزة.. مختلفة عن النمط السائد للصيدليات فى مصر.. وسرعان ما أصبحت نموذجا يقلد.
كانت هناك ثلاثة عناصر حرص العزبى على وجودها فى الصيدلية.. الخدمة 24 ساعة فى اليوم.. توافر كل شىء بقدر المستطاع.. ومعاملة الزبون كأنه واحد من العائلة.. «لا نورطه فيما لا يحتاج بحثا عن مكسب».. ونافست صيدلية العزبى صيدلية الإسعاف التى كان الناس يلجئون إليها بلا تفكير.. فقد كانت أكبر صيدلية فى القاهرة تتواصل الخدمة فيها ليل نهار.
يضاف إلى ذلك أنه كان أول من أدخل خدمة الديلفيرى لتوصيل الأدوية إلى المنازل.. بدأ بدراجة.. ثم سيارة مينى سوزكى.. وأخيرا الفيسبا.. ومن جديد راحت الصيدليات الأخرى تقلده.
سألته: كيف ترى الناس؟
أجاب: إننى أمنح الثقة والاحترام لكل من أتعامل معه إلى أن يحدث العكس أعيش فى سلام مع نفسى.. ولا أخون أحدا.. والسرقة السبب الوحيد للتخلص من موظف عندى.
قلت: أقصد كيف كونت صداقات وعلاقات من تيارات وايديولوجيات مختلفة ونجحت فى التعامل معها؟
أجاب: أعرف أن جملة «أحب مصر» التى ننطق بها جميعا قد ابتذلها البعض.. لكنها جملة تعبر عن إيمان حقيقى فى ضميرى الوطنى.. أنت تعرف أننى لا أطيق البعاد عن مصر إلا لضرورة العمل القصوى.. لا تنتابنى رغبة لرؤية مكان آخر فى العالم مهما كان ساحرا.. ارتباطى ببلدى مرض مزمن.. وربما لهذا السبب أحاول جمع الاتجاهات المختلفة بحثا عن مصلحة للبلد.. لو تقاربت الأفكار المتناقضة فإنها تثمر حلولا مبتكرة لمشاكلنا.. اليساريون وطنيون.. لهم برنامج جيد فى التأمين الصحى والتعليم المجانى والرعاية الاجتماعية ومواجهة البطالة.. لكنى.. اختلف معهم فى إلغاء الملكية الخاصة.. فذلك يخالف الطبيعة البشرية.. ويحد من نشاطها.. ويزيد من كسلها.
سألته: والإخوان؟
أجاب: أنا كنت مخدوعا فيهم.. لم أتصور أنهم بكل هذا السوء.. كاذبون.. لا يحافظون على الوعود.. اختزلوا الدين والوطن والبشر والدولة فى الجماعة.. ولو قالوا غير ذلك واقسموا على مصحف لا تصدقهم.
سالته: متى وصلت إلى هذه القناعة؟
أجاب: كل ما تعهدوا به بعد ثورة يناير تراجعوا عنه.. نسبة تمثيلهم فى مجلس الشعب.. عدم خوض الانتخابات الرئاسية.. انقلابهم على الثوار الذين ساندوهم.. والقوى السياسية التى وقفت إلى جوارهم.. لكن.. نقطة اللاعودة بالنسبة لى كانت يوم تخلصوا من المشير حسين طنطاوى وغالبية أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. فقد شعرت أن التوازن الذى تحدثه القوات المسلحة قد اختل لصالحهم.. أصبت بحالة رعب شديدة.. أن تكون مقدرات الجيش فى أيديهم فهذا يعنى أن مصر ستصبح ولاية خاضعة لتعليمات التنظيم الدولى للجماعة.. لا نعرف من يحركها.. ولا من يديرها.. والمؤكد أن تسريح الجيش كان على رأس أهدافهم الخفية.
ويضيف: وضاعف من قلقى ما جرى يوم الاتحادية.. يوم التظاهرات التى واجهت محمد مرسى رفضا لإعلانه الدستورى الباطل وردت عليها ميليشيات الجماعة بإطلاق النار على الشباب.. ومنهم الصحفى فى الفجر الحسينى أبوضيف.. يومها كنا نجلس فى الروف فى حالة من الحزن سيطرت على الجميع.. ولعلك تتذكر أننى عبرت عن قلقى بإعلان «أن شرعية مرسى قد انتهت».
قلت: هذا صحيح.. وقد ذهلت من حدتك فى التعبير ونحن نعرف أنك هادئ.. وقليل الكلام.
واستطرد: حاولت أن أجمع الإخوان بباقى أطياف الحياة السياسية فى مصر.. وأسعدهم ذلك.. لكنهم.. ما إن انتقلوا من «المسكنة» إلى «التمكن» حتى أنقلبوا على الجميع.. وتنكروا لهم.. بل وسعوا للقبض عليهم.. ولعلك تتذكر يوم الخطاب الذى تحدث فيه مرسى عن أحداث الاتحادية.. يومها كنا فى إحدى جلسات الروف أيضا.. وعرفنا أنه تقرر القبض على حمدين صباحى.. فرحنا نتصل به.. ولم نطمئن عليه إلا بعد أن جاء إلينا فى الروف.
والحقيقة أن الإخوان لم يتنكروا للقوى السياسية المختلفة التى ساندتهم فقط وإنما أضروا بالعزبى شخصيا بأن شطبوا اسمه من عضوية نقابة الصيادلة التى يسيطرون على مجلس إدارتها.
لقد اختلف الدكتور محمود عبد المقصود معهم وخرج عن تنظيمهم فقرروا عقابه بإخراجه من منصب أمين عام النقابة بإسقاطه فى أول انتخابات.. ولم يتردد العزبى فى أن يسانده ويقف بجانبه.. فامتد عقابهم إليه..
ويمكن القول أن الإخوان هم الذين سعوا إلى العزبى وليس العكس.. والسبب أن العزبى كان على علاقات طيبة قبل ثورة يناير مع قيادات عسكرية عليا فى الجيش.. على رأسها اللواء حسن الروينى الذى دعاه فيما بعد إلى الروف متحدثا ومشاركا وجذب وجوده قيادات الجماعة للتقرب من السلطة العسكرية وجس نبضها فيما يحدث.
ورغم سعى الإخوان إلى العزبى طمعا فى علاقته بالروينى فإنهم بعد أن وصلوا إلى الحكم وجه إليه مرسى اللوم لعلاقته بالروينى.. وكان ذلك فى سرادق عزاء شقيق أحد قيادات التنظيم.
قال مرسى للعزبى: «لسه بتشوف الروينى؟ مش كفاية عسكر»؟
والحقيقة أن العزبى ظل صديقا للروينى حتى بعد أن ترك الخدمة وربما قويت علاقته به.
كما كان روف العزبى صالونا لكل التيارات السياسية والإعلامية ما ضاعف من رغبة الجماعة فى مزيد من التقرب لها.. ليس حبا فيها.. وإنما لمعرفة كيفية القضاء عليها.
إن العزبى نجم من نوع مختلف.. فى مجال بعيد عن الضوء.. لكنه.. النجاح الذى يجعل من صاحب كل مهنة نجما فى سماء المجتمع خاصة إذا كان المجتمع يريد أن يتطور ويتغير.
هناك شخصيات تقف عند نقطة فارقة.. يبدأ عندها زمن مختلف.. ليلى رستم فى الحوار التليفزيونى.. جيهان السادات فى موقع الزوجة الأولى.. طارق نور فى الإعلانات.. وأحمد العزبى فى الصيدلة.. قبلهم شىء.. وبعدهم شىء آخر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.