اختلفت جردة الحساب التى انتجتها الثورات العربية او ما يسمى بالربيع العربي بالنسبة للاعبين الكبار في الاقليم وهم اسرائيل وايران وتركيا فالاستقرار السابق على مدى عقود طويلة للانظمة في المنطقة وغياب التغييرات الدراماتيكية والانقلابات العسكرية والثورات الشعبية التى كان اخرها الثورة الايرانية عام 1979 شكل نوعا من التعايش بين هؤلاء اللاعبين الكبار والواقع العربي الذي كان في معظم حالاته منقسما على نفسه ودخل ومازال يدخل في الكثير من الحالات في اطار حالة التجاذب والصراع بين هذه القوى ، وتحولت بعض الدول العربية الى اوراق لدى هذا الطرف او ذاك لمواجهة احد الطرفين الاخرين او كليهما حتى في الفترة التى اعقبت انتهاء الحرب الباردة واستحواذ الولاياتالمتحدة على كامل المشهد . في الحالة التونسية لم تجد الاطراف الثلاثة انها معنية بشكل مباشر بالتغيير الذي حصل في النظام وذلك بحكم المسافة الجغرافية التى كانت تشكل حائلا امام بناء علاقات وطيدة بين تونس وهذه الاطراف ، ومع ذلك كان حدث التغيير لنظام بوليسي – قمعي كنظام بن علي حدثا استوقف الاطراف الثلاثة وقرأه كل طرف من زاويته ، حيث راى فيه الايراني سقوطا لنظام حليف للغرب واميركا وهو يبعث على الارتياح من حيث المبدأ على العكس من الموقف الاسرائيلي ، في حين كان الموقف التركي اقرب ما يكون الى المتفرج الذي ابهجه غياب نظام دكتاتوري لاعتبارات تتعلق بالديمقراطية والحرية اكثر مما تتعلق بالحسابات السياسية الصرفة . اما الحالة المصرية فقد كان المشهد فيها مختلفا حيث راى الايرانيون بسقوط نظام حسني مبارك انتصارا لهم واعتبروه امتداد للثورة الايرانية كما صرح احمدي نجاد وانتكاسة لاسرائيل واميركا ، اما تركيا فكانت حساباتها تنصب على الحفاظ على مصر كدولة فاعلة في الاقليم وتشكل عنصر توازن فيه بالاضافة الى تشجيعها الحكام الجدد للديمقراطية والعمل على ادارة الحياة السياسية في مصر على غرار الديمقراطية التركية التى تقوم على تداول سلمي للسلطة بحراسة وحماية المؤسسة العسكرية التى تحمى الدستور والديمقراطية . اما الحالتان الليبية واليمنية فمازالت الحسابات بشانهما غير واضحة بصورة حاسمة نظرا للتعقيدات المرافقة لعملية التغيير ، الا انه ومع ذلك ترى ايران بزوال نظام على عبد الله صالح مكسبا لها وللحوثيين الذين تدعمهم في حين ترى في زوال القذافي خسارة وان لم تكن قاسية وذلك بحكم العلاقة المتذبذبة وغير المستقرة التى كانت تربطها به ، غير ان الاسرائيليين ورغم حالة العداء العلني مع نظام القذافي فقد احسوا بخسارة نظام كان يخدمهم من تحت الطاولة وتوفر لهم سياسته العربية والدولية المغامرة الكثير من المكاسب على الصعيد الامني والسياسي ، بالاضافة الى ان تل ابيب ليست متيقنة من ان البديل للقذافي سيكون صديقا لها بل هي اقرب للقناعة بانه سيكون معاديا لها بقوة ، اما في اليمن فان الموقف الاسرائيلي مرتبط بالحسابات الاميركية التى باتت ترى في تغير صالح امرا ضروريا لكنها مازالت تبحث عن البديل الذي لا يسمح لليمن او اي جزء منه ان يتحول الى منطقة نفوذ للقاعدة او لايران . اما الاحداث الجارية في سوريا فتشكل الحالة الاكثر تاثيرا وحساسية للاطراف الثلاثة وذلك بحكم الجغرافيا السياسية وبحكم التحالفات التاريخية لدمشق مع بعض الاطراف وبحكم التفاهمات الجديدة بشان الاقليم كما هو الامر مع تركيا ، فقد افرزت تطورات الاحداث في سوريا مناخا اقليميا تداخلت فيه الحسابات للدرجة التى اقتربت فيها من الصدام العسكرى بعد التوتر السياسي ، فايران الحليف الاقوى لسوريا ليس في المنطقة بل في العالم تعتبر الدفاع عن النظام في سوريا مسألة استراتيجية لا تهاون فيها وهي بذلك لن تقبل بمبدا التدخل الخارجي على غرار السيناريو الليبي ، كما انها اعلنت جاهزيتها لمواجهة حلف الناتو او اي جهة اخرى يمكن ان تتدخل فيما يجرى في سوريا ، وهو امر اضاف بعدا جديدا لجهة تعقيد الموقف وتسخينه ليس مع الغرب والولاياتالمتحدة بل مع الجارة المشتركة لها ولسوريا اي تركيا التى دخلت على خط الازمة هي الاخرى من الزاوية الانسانية بعد ان قدمت « سلة نصائح « لم تقبلها دمشق وتسبب اهمال هذه الاخيرة لها فتورا وتوترا كبيرين بين البلدين ، اما اسرائيل فهي مازالت تراقب المشهد من زاوية امن اسرائيل فقط . ان المنطقة وبحكم الاشتباك الحاصل تجاه الملف السورى مقبلة على صيف حار جدا ستكون ساحاته ممتدة من بغداد الى بيروت والبحرين ولربما غزة ايضا ، وفي كل الاحوال ان كل السيناريوهات التي جرت في العواصم التي هبت عليها رياح الربيع العربي من الصعب اعادة انتاجها على الحالة السورية فهي بالفعل حالة مختلفة بكل المقاييس