ربما تلخص بضعة أشياء مستقبل مصر المجهول أفضل من البرنامج السياسي المبهم لجماعة الاخوان المسلمين التي عانت من القمع لفترة طويلة وتستعد لتصبح قوة حاسمة في الحياة السياسية. وفي ظل رغبة المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد في اجراء اصلاحات كبرى دون تفويض شعبي تتجه الانظار الى الطبقة السياسية الصاعدة التي تحررت بالاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط.
ولا أحد يستطيع على الارجح حشد دعم شعبي بقدر جماعة الاخوان التي كسبت تعاطف ملايين المصريين الفقراء عن طريق انتقاد الساسة الفاسدين والدعوة الى اقامة دولة إسلامية خالية من الفساد.
ولكن مع اقتراب الانتخابات البرلمانية وضع حزب الحرية والعدالة الذي أسسته جماعة الاخوان المسلمين الخطوط العريضة وحسب لبرنامجه. واطمأن المستثمرون القلقون بالكاد بعد أن تعهد بعدم القيام بأي شيء قد يضر باقتصاد مصر المتعثر.
وقال نبيل عبد الفتاح الباحث بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان سياسات جماعة الاخوان المسلمين كانت دوما غير واضحة وهذا ما يجعل الناس يتساءلون ما هو هدفها الحقيقي وما الذي ينبغي أن يصدقوه.
ويقول خصوم للاخوان من العلمانيين الليبراليين ان فراغ السياسة أمر مفهوم لان قول الحقيقة سيفضح تشددا من شأنه أن يدفع الناخبين الى العزوف عن اختيار أعضاء الجماعة.
ويقولون ان الجماعة سرعان ما ستفرض حظرا على استهلاك المشروبات الكحولية وهو ما سيدفع قطاع السياحة المتعثر بالفعل الى الانهيار وتقلص من حقوق المرأة وتعمق توترا مع الاقلية المسيحية في مصر من خلال تطبيق الشريعة الاسلامية كخطوة أولى لاقامة دولة اسلامية.
وتصر قيادات الاخوان التي تدرك وجود خوف عميق من انتشار فوضى اجتماعية على أنها لن تفرض ابدا تغييرا كبيرا على دولة تصارع تزعزع الاستقرار الذي أعقب الاطاحة بمبارك.
وقال اسامة جادو العضو السابق في البرلمان والعضو المؤسس لحزب الحرية والعدالة انه يجب الا يشعر المستثمرون بالقلق مشيرا الى ان الحزب يريد المشاركة مع القوى الاخرى لتحقيق أفضل النتائج من أجل مصر.
ورفض جادو الحديث عما اذا كان الحزب في حالة انتخابه سيسعى الى حظر المشروبات الكحولية التي يحرمها الاسلام ولكن يطلبها الكثير من السائحين الاجانب.
وقال جادو ان هذا مثال على التفاصيل الصغيرة التي لا يرجع الفصل فيها الى جماعة الاخوان وحدها. واضاف أن هذا أمر سيبت فيه البرلمان الذي سينتخبه الشعب اذا كان الشعب يريد ذلك.
وجماعة الاخوان ليست الوحيدة التي لا تقدم سوى القليل من الالتزامات السياسية الملموسة.
ونجح مبارك في تقويض الدعم للجميع باستثناء حزبه الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي الذي تم حله) مما أضعف معارضيه الى درجة أصبحوا معها منبتي الصلة ولم يعد لديهم حافز يذكر لطرح حكومات بديلة قابلة للتنفيذ.
وقال عبد الفتاح من مركز الاهرام ان جماعة الاخوان والاحزاب السياسية الاخرى تعتمد جميعا على رموز شعبية مبهمة تلقى قبولا عند الناس.
ولتظهر جماعة الاخوان اهتمامها بصورتها نقلت مقرها من شقة صغيرة مزدحمة بوسط القاهرة الى مكاتب جديدة في الضواحي.
والمكاتب الجديدة مزينة على الطراز الفرنسي الذي حل محل الطراز الاسلامي الذي ميز المقر القديم.
ورفعت جماعة الاخوان سقف طموحاتها السياسية شيئا فشيئا منذ أصبحت لها حرية المشاركة في الحياة السياسة وتستهدف نصف مقاعد البرلمان بعدما كان طموحها يقتصر على الثلث فيما سبق.
وتنفي الجماعة التطلع الى الرئاسة ولكن احد اعضائها عبد المنعم ابو الفتوح الذي يعتبر اصلاحيا أعلن نيته خوض انتخابات الرئاسة كمستقل.
وقرر مجلس الشورى العام للاخوان المسلمين فصل ابو الفتوح بعد اعلانه الترشح.
وبعد الاطاحة بمبارك تجنبت جماعة الاخوان تحدي الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش بشأن تعاملها مع الازمة الاقتصادية في مصر وعارضت موجة من الاضرابات خلال الانتفاضة على اعتبار أنها تضر بالاقتصاد.
ورسالة الاخوان الرسمية هي أن مفتاح الرخاء في مصر مستقبلا ليس اجراء تغيير كبير في السياسة وانما تفعيل السياسة القائمة من خلال مكافحة الفساد.
وقال جادو ان الجماعة تدعم وضع حد أدنى للاجور ولن تدخل اي تعديلات على الدعم الحكومي الذي يسهم في مساعدة الفقراء ولكنها تريد تحسين تنظيم الحكومة للاسواق وانهاء الاحتكارات.
وأضاف أن الحكومة تحتاج إلى تعزيز توفير فرص العمل من خلال تشجيع قطاعات الصناعة والزراعة التي تحتاج الى عمالة بأعداد كبيرة في المناطق المحرومة من البلاد التي تمثل الصحراء معظم مساحتها.
وقال محمد أبو باشا الخبير الاقتصادي المصري ان انطباعه أن الاخوان لا يتبنون اراء اقتصادية متطرفة. واشار الى انه لا يزال بحاجة لمعرفة سياساتهم الضريبية او خطتهم لرفع معدل النمو الاقتصادي في البلاد أو خفض العجز.
ولذلك ربما يجب على المستثمرين الانتظار الى ما بعد الانتخابات.
وقال جادو ان الجماعة تضع سياسات عامة لكل شيء في برامجها لكنها لا تتحدث عن تفاصيل صغيرة لانها لا تسعى الى فرض ارائها على الناس.
ويتناقض النهج السياسي الرسمي للاخوان مع اراء أكثر تشددا لاعضائها من المحافظين الذين يطالبون الحكومة باتباع تفسير صارم للشريعة الاسلامية.
ويدعو عبد الحافظ الصاوي الباحث المستقل والعضو المخضرم بجماعة الاخوان منذ 30 عاما لكنه ليس من كبار مسؤوليها الى دفع الزكاة.
ويقول الصاوي إن المسيحيين وغير المسلمين لن يدفعوا الزكاة ولكن قد يدفعوا مبالغ مماثله اذا تطلب دينهم ذلك.
وقال الصاوي لرويترز ان هذا ما يراه كخبير اقتصادي اسلامي وانه لا يعرف ما سيفعله الاخوان في البرلمان مشيرا الى انه يقترح ذلك للقضاء على الفقر الذي يتأثر به 40 بالمئة من المصريين.
واختلف الاخوان حول ما اذا كان ينبغي أن تلغي مصر معاهدة السلام الموقعة مع اسرائيل عام 1979 والتي مهدت لعلاقات اقتصادية شملت تصدير الغاز المصري لها.
ويتعاطف كثير من اعضاء الجماعة مع حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) التي تدير قطاع غزة وتعهدت بتدمير اسرائيل.
وفي الوقت الحالي يتبنى مسؤولو جماعة الاخوان خطا أكثر اعتدالا.
ويقول جادو ان الجماعة تعتقد أنه يجب الابقاء على كل الاتفاقيات السياسية والاقتصادية التي وقعتها مصر مع دول اخرى مادامت تعود بالنفع على البلاد.