مثلما توقع جل المتابعين للمشهد السياسي في تونس - مهد ما أصبح يعرف ب"الربيع العربي" - خسر حزب "النهضة" الإسلامي الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لصالح حزب "نداء تونس" العلماني، الذي سيحكم خلال السنوات الخمس المقبلة. ويعد هذا هزيمة جديدة لتيار الإسلام السياسي، الذي تصدر المشهد في عدد من الدول العربية خلال السنتين الأخيرتين، جاءت هذه الهزيمة لتسقط "أسطورة" أن الإسلاميين لا ينهزمون في الانتخابات. لكن المفارقة تكمن في أن هزيمة "إخوان تونس" الانتخابية، أخرجتهم من السلطة، لكنها أبقتهم في دائرة الحكم، حيث إنهم حازوا على الكتلة البرلمانية الثانية ب69 نائبا، أي أنه سيكون لهم حق "الثلث المعطل"، وهو ما سيضمن لهم المشاركة في الحكم من بوابة البرلمان. مواقف سياسية.. بلا مراجعات فكرية وتعليقاً على تراجع حركة النهضة، أكدت رجاء بن سلامة أستاذة الحضارة في الجامعة التونسية، ل"العربية.نت" أنه على "حركة النهضة استخلاص العبر والنتائج من هذا الفشل". وأشارت إلى أن إسلاميي تونس "نجحوا إلى حد الآن في اتباع سياسة براغماتية مكنتهم من التأقلم مع الواقع، بتقديم التنازلات، وترك المطالب الأيديولوجية". كما شددت بن سلامة، على أن "أيديولوجيا الإسلام السياسي في تناقض كلي مع الديمقراطية ومقوميها الأساسيين الحرية والمساواة". مشيرة إلى أن حركة "النهضة" مطالبة اليوم، بأن تجذر قراراتها البراغماتية بمراجعات فكرية، وعليها أن تؤطر قواعدها في هذا الاتجاه". ودعت بن سلامة "النهضة" إلى "الانفصال عن تنظيم الإخوان وأدبياته، والانسياق في عملية تجذر في التربة التونسية، حتى تتحول إلى حزب يميني محافظ، يمثل الفئات المحافظة من دون أن يستخدم الدين ودور العبادة في أنشطته". الواقعية السياسية لإخوان تونس وقال الباحث عبداللطيف الحناشي، أستاذ التاريخ المعاصر والمهتم بالحركات الإسلامية، إن "مسار حركة النهضة في تونس كان مختلفاً وأكثر نضجاً من بقية التجارب الأخرى". وبين الحناشي في مقابلة مع "العربية.نت" أن "أداء الحركات الإسلامية التي تمكنت من الوصول إلى السلطة، لم يسمح لها بالحفاظ على وجودها، الأمر الذي أدى إلى سقوطها، إما عن طريق الانتخابات أو عن طريق حراك شعبي مسنود من الجيش، أو عن طريق توافقات محددة، وهو حال حركة النهضة في تونس التي نجحت في تفادي السيناريو المصري من خلال التعامل الإيجابي مع موازين القوى السائدة، فصادقت على دستور جديد للبلاد، تضمن فصولا تقدمية يعتبر بعضها مناقضا لتوجهات الحركة ومبادئها الأساسية". كما أشار الحناشي إلى أن "سياسة النهضة في تونس اتسمت بالواقعية، وذلك من خلال رفضها لقانون العزل السياسي، بل إنها عبرت عن استعدادها للتفاعل الإيجابي مع رموز السلطة القديمة، كما تفاعلت إيجابيا مع مبادرة المجتمع المدني المتمثلة في المشاركة في الحوار الوطني، وصولا إلى قبولها الخروج من الحكم، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية أشرفت على إنهاء المرحلة الانتقالية، عبر تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية". ويرى الحناشي، أن "اختيار "النهضة" الاندماج في الحياة السياسية، مكنها من تحقيق نتائج طيبة في الانتخابات البرلمانية (69 مقعدا أي المرتبة الثانية، مقابل 86 مقعدا لنداء تونس الذي احتل المرتبة الأولى)، لتبقى بذلك حاضرة وبقوة في إدارة البلاد، ومشاركة في الحكم من بوابة البرلمان". من "الأخونة" إلى "التونسة" أرجع المحلل السياسي والمهتم بتيار الإسلام السياسي، عادل الشاوش "مرونة" الحركة الإسلامية في تونس، إلى طبيعة المجتمع التونسي. وقال الشاوش ل"العربية.نت" إن النهضة بوصفها "شجرة تونسية"، مهما تطلعت أغصانها إلى آفاق بعيدة تبقي جذورها منغرسة في تربة تونس، وهو ما جعلها تسير من "الأخونة" نحو "التونسة". كما أوضح الشاوش أن "تجربة حركة النهضة، يمكن أن تضع اللبنات الأولى لتحول حركة ذات مرجعية إسلامية، إلى حزب مدني محافظ، على غرار تجربة المسيحية الديمقراطية في أوروبا". وقال الشاوش أيضا إن "التحول إلى حزب ديمقراطي محافظ، رهين مسار طويل وصعب ومعقد"، مضيفا أن "من تجليات هذا المسار، حصول بوادر انشقاق داخل الحركة، بين تيار سياسي وآخر دعوي". نقلا عن العربية.نت