كانت من تابعات هدى شعراوى فى الاتحاد النسائى ولولا حريق منزلها وتعرضها للموت لما سلكت طريق الدعوة الإسلامية ولكانت من رائدات الدعوة إلى تحرير المرأة مثلها فى ذلك مثل قاسم أمين فى المشهد رقم 12 من الحلقة الأولى لمسلسل «أم الصابرين» الذى كتب له السيناريو والحوار أحمد عاشور، نقرأ الآتى: زينب ما زالت تمسك بسيف خشب وواقفة فى دائرة مرسومة بالطباشير، وهى تقاتل الهواء بالسيف، ولا يظهر إلا هى.. وهى داخل بؤرة الضوء على مقاس الدائرة التى تقف فيها وقد بدأت فى الهدوء.. تنتهى وقتها حالة الموسيقى المتصاعدة إلى ذروتها».. أما جملة الحوار التى تقولها زينب الغزالى فهى: سأقتل كل أعداء رسول الله. مشهد من خيال المؤلف المحض، لكنه يشى بأن من قرروا تقديم مسلسل عن حياة الداعية الإخوانية – والمجاهدة فى وجهة نظرهم – زينب الغزالى.. سيهتمون بتقديمها كقديسة، وسيصدقون كل ما قالته فى مذكراتها، ولن يناقشوا شيئًا مما قاله عنها الزميل الكاتب بدر محمد بدر الذى عمل فترة طويلة سكرتيرا لها، وألف عنها كتابا اعتمد عليه السيناريست فى كتابة مسلسله، ولم يكن غريبا بعدها أن يكون بدر محمد بدر – وهو بالمناسبة زوج السيدة عزة الجرف نائبة مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة – هو صاحب المراجعة التاريخية للمسلسل. قصة حياة زينب الغزالى – الإخوان يروق لهم أن يطلقوا عليها الحاجة زينب – ممتدة من العام 1917 وهو العام الذى ولدت فيه فى قرية ميت يعيش بميت غمر بمحافظة الدقهلية.. وحتى 4 أغسطس من العام 2005 عندما توفيت وشيعت جنازتها من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر. عاشت زينب الغزالى 88 عاما قضت منها حوالى 53 عاما فى الدعوة الإسلامية.. وهو الأمر الذى أقدمت عليه مبكرا، فوالدها من علماء الأزهر الشريف.. وقد فطن إلى أنها ستكون من بنات الدعوة إلى الإسلام، فأطلق عليها «نسيبة بنت كعب» تيمنا بالصحابية الجليلة السيدة «نسيبة».. فى المسلسل لا يناديها والدها إلا بسيدة زينب. الغريب أن زينب الغزالى بدأت نشاطها العام بالتعرف على السيدة هدى شعراوى – إحدى رائدات حرية وتحرير المرأة فى مصر – وأصبحت عضوا فى الاتحاد النسائى الذى أسسته السيدة هدى.. والأغرب أن زينب كانت تدخل فى مناظرات ومجادلات مع عدد من الأزهريين الذين كانوا يعارضون التوجهات التحررية للاتحاد النسائى.. وظلت كذلك إلى أن قابلت الشيخ محمد سليمان النجار وهو من علماء الأزهر، والذى تمكن من هز الكثير من أفكارها التحررية عن المرأة ودورها ومكانها فى المجتمع. جرى تحول درامى خطير فى حياة الحاجة زينب الغزالى، فبعد أن تعرض منزلها إلى حريق كبير، أشرفت هى فيها على الموت، عاهدت الله إن شفاها أن تترك الاتحاد النسائى تماما وتتفرغ للدعوة الإسلامية، ولما منّ الله عليها بالشفاء قامت بتأسيس جمعية السيدات المسلمات، وجعلت همها فيها نشر الدعوة الإسلامية كان هذا فى العام 1937 وعمرها عشرون عاما فقط، لكن بعد عام واحد حدث ما يمكن أن نعتبره التحول الدرامى الآخر فى حياة زينب الغزالى، فقد قابلت حسن البنا الذى اقترح عليها أن تضم جمعيتها إلى جماعة الإخوان المسلمين، على أن ترأس هى قسم الأخوات فى الجماعة، رفضت زينب فى البداية لكنها عادت للتنسيق مع الجماعة.. لكن بعد ما يقرب من عشر سنوات. فى العام 1948 وقبل أن يموت حسن البنا بشهور انضمت لجماعة الإخوان وأصبحت عضوة فيها، ولعبت دورا فى الاتصال بالجماعات السياسية للتخفيف من الضغط الذى تتعرض له الجماعة، لكنها لم تنجح.. ولم ينته الضغط إلا باغتيال حسن البنا شخصيا. لعبت زينب الغزالى دورا كبيرا فى مساندة أسر الإخوان المسلمين المعتقلين بعد أزمة 54 مع عبد الناصر، وهى الأزمة التى حاول عبدالناصر أن يمحو الجماعة من على الأرض، ولما أراد عبد الناصر أن يضم جمعيتها «السيدات المسلمات» إلى الاتحاد الاشتراكى ليشرف عليها رفضت تماما، فصدر قرار بحلها.. ليتم اعتقالها هى شخصيا فى أغسطس 1965. ظلت زينب الغزالى فى سجون عبد الناصر ما يقرب من 6 سنوات، ولم تخرج إلا بقرار من الرئيس السادات شخصيا، وبعد وساطة من الملك فيصل بن عبد العزيز. لم تمكث زينب الغزالى فى مصر كثيرا، طافت بالعديد من الدول العربية، وقامت برحلات دعوية عديدة، ألفت عددا من الكتب منها «نحو بعث جديد» و «نظرات فى كتاب الله» الذى يعتبر أول تفسير نسائى للقرآن الكريم فى تاريخ الدعوة الإسلامية.. وظلت قبلة لأبناء الحركات الإسلامية على اختلاف توجهاتهم حتى توفيت. عندما تنظر إلى حياة هذه السيدة ستجد أنها امرأة عادية للغاية، يمكن أن تكون عملت واجتهدت وألفت وساهمت فى نشر الدعوة الإسلامية، لكنها تستمد الجزء الأكبر من قيمتها من ال6 سنوات التى قضتها فى سجون عبد الناصر.. وهى التجربة التى سجلتها فى كتابها « أيام من حياتى» الذى يعتبره أبناء الجماعات الإسلامية أيقونة من أيقونات جهادهم فى سبيل الله. لكن عندما تقرأ بعض فقرات من هذا الكتاب ستجد كم بالغت هذه السيدة فيما جرى لها، فتحت عنوان « عبد الناصر يكرهنى شخصيا»: أخذت الأوراق من السيدة فإذا هى قرار بحل المركز العام لجماعة السيدات المسلمات، وأخذت السكرتيرة تتحدث إلى قائلة: طبعا يا حاجة الأمر شديد بالنسبة لك، قلت: الحمد لله، ولكن ليس من حق الحكومة أن تحل الجماعة، إنها جماعة إسلامية، أجابتنى: لا أحد يقدر أن يقول للحكومة هذا، لقد بذلنا مجهودا كبيرا جدا، ولكن عبد الناصر مصر على حل الجماعة، هو يكرهك شخصيا يا حاجة زينب، لا يطيق أن يسمع اسمك على لسان أى إنسان، عندما يذكر أسمك يثور ويغضب وينهى المقابلة». كان تعليق زينب الغزالى على ذلك: «الحمد لله الذى جعله يخافنى ويبغضنى، وأنا أبغضه لوجه الله، ولن يزيدنا طغيانه نحن معاشر المجاهدين، إلا إصرارا على أن نرضى ضمائرنا ونعيش دعوتنا، إنها دعوة التوحيد وسننتصر بإذن الله، وأرخص ما نبذله لها أن نستشهد فى سبيلها». لا يمكن لأحد أن يتهم الحاجة زينب الغزالى بالكذب بالطبع، ولكن من حقنا أن نرى ما تقوله مبالغا بعض الشىء، خاصة عندما نقرأ ما روته عن يوميات تعذيبها فى سجون عبد الناصر. تحت عنوان «الحجرة 24» كتبت زينب الغزالى :«ابتلعتنى الحجرة فقلت: باسم الله السلام عليكم، وأغلق الباب وأضيئت الكهرباء قوية، إنها للتعذيب، الحجرة مليئة بالكلاب لا أدرى كم، أغمضت عينى ووضعت يدى على صدرى من شدة الفزع، وسمعت باب الحجرة يغلق بالسلاسل والأقفال، وتعلقت الكلاب بكل جسمى، رأسى ويدى، صدرى وظهرى، كل موضع فى جسمى، أحسست أن أنياب الكلاب تغوص فيه. فتحت عينى من شدة الفزع وبسرعة أغمضتهما لهول ما أرى، ووضعت يدى تحت إبطى وأخذت أتلو أسماء الله الحسنى مبتدئة ب«يالله يالله» وأخذت أنتقل من اسم إلى اسم، فالكلاب تتسلق جسدى كله، أحس أنيابها فى فروة رأسى، فى كتفى فى ظهرى، أحسها فى صدرى، فى كل جسدى، أخذت أنادى ربى هاتفة: اللهم اشغلنى بك عمن سواك.. اشغلنى بك أنت يا إلهى يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد، خذنى من علام الصورة، اشغلنى بك عن هذه الأغيار كلها، اشغلنى بك، أوقفنى فى حضرتك، اصبغنى بسكينتك، ألبسنى أردية محبتك، أرزقنى الشهادة فيك والحب فيك والرضا بك والمودة لك، وثبت الأقدام يا الله، أقدام الموحدين». ثم حدثت المعجزة، تقول الحاجة زينب: «كل هذا كنت أقوله بسرى، فالكلاب ناشبة أنيابها فى جسدى، مرت ساعات ثم فتح الباب وأخرجت من الحجرة، كنت أتصور أن ثيابى البيضاء مغموسة فى الدماء، كذلك كنت أحس وأتصور أن الكلاب قد فعلت، لكن يا لدهشتى الثياب كأن لم يكن بها شىء، كأن نابا واحدا لم ينشب فى جسدى» هذا موقف واحد مما روته الحاجة زينب الغزالى.. وأعتقد أن إحساسها صادق فى توصيف الموقف هذا إذا كان حدث من الأساس، فما حدث يحتاج إلى محلل نفسى أكثر من مستمع ينصت لها وهى تدعى أن معجزة جرت.. فبعد كل الرعب الذى رأته لم تجد أثرا لما شعرت أنه حدث.. وهو ما يعيدنا إلى الجو الأسطورى الذى نقلوه إلينا عن رابعة العدوية، هى أيضا حاولوا تعذيبها بالكلاب لكنها لم تشعر بها. وقع كاتب المسلسل والسيناريو كاملا معى فى أسر الحاجة زينب الغزالى، فنحن لسنا أمام شخصية من لحم ودم، ولكننا أمام بطلة منذ طفولتها، فقد تعهدت أن تحارب أعداء رسول الله، رغم أنها وحتى العشرين من عمرها كانت من تابعات هدى شعراوى، ومن يدرى، فلولا الموقف الذى تعرضت له وهو حريق منزلها لما كانت تركت الاتحاد النسائى، ولكنا أمام تاريخ آخر تماما لزينب الغزالى.. تحتل فيه مرتبة إحدى رائدات تحرير المرأة فى مصر. المضحك فى الأمر أن جماعة الإخوان المسلمين أسرعت بإرسال إنذار على يد محضر لصناع المسلسل تطالبهم بإيقاف المسلسل لأن الحاجة زينب الغزالى أوصت للجماعة بكل ما تركته خلفها من ميراث، وأن الجماعة أمينة عليها وعلى تاريخها، وأنها تخشى أن تشوه الدراما صورة زينب الغزالى.. وكأن الجماعة لا تعرف أنها الآن فى مكان الأغلبية وأنه لولا الثورة لما خرج مسلسل عن زينب الغزالى للنور من الأساس.. فلا داعى لمثل هذه التمثيليات التافهة والفارغة. لو أن زينب الغزالى كتبت المسلسل عن نفسها لما فعلت أكثر مما فعله كاتبه، لقد رفعت نفسها إلى عنان السماء فى مذكراتها، وهو ما فعله كاتب المسلسل، إننا أمام امرأة يتم تطويع تاريخ مصر كله – لا حرج على إن قلت تزويره – من أجل أن تخرج زينب الغزالى فى دور المجاهدة الكبيرة والمرأة العظيمة والإخوانية التى هزمت عبد الناصر وأذلته.. رغم أننا فى النهاية أمام امرأة عادية جدا حياتها كلها لا تستحق أى عمل درامى ولو كان فيلمًا من ساعتين فقط.. وليس مسلسلا فى ثلاثين حلقة.