شفيق حمل والده شفيعا له عند الصوفيين وحمدين يحصل على أصوات الرفاعية بدعم ساويرس شفيق فى مسجد الحسين أمام ضريح سيدنا الحسين.. وقف الفريق أحمد شفيق خاشعا متبتلا يطلب رضا أولياء الله الصالحين، أملا فى أن يمنحوه البركة فى معركته الشرسة للحصول على كرسى الرئاسة. الفريق شفيق الذى حرص على صلاة المغرب فى مسجد الحسين إلى جوار مشايخ الصوفية الكبار وعلى رأسهم الشيخ عبدالهادى القصبى شيخ مشايخ الطريق، لم يذهب خالى الوفاض، فقد حمل والده الذى كان قطبا صوفيا كبيرا فى الطريقة الشاذلية شفيعا له عندهم. لم يقدم شفيق نفسه لمشايخ الطرق الصوفية على أنه مجرد مرشح رئاسى عابر تحمله السياسة على أعناقها، ولكنه صوفى ينتمى إليهم.. ولم يكن غريبا أن يقف أحد مشايخ الطرق الصوفية ليذكر شفيق بنبوءة عمرها أكثر من ثلاثين عاما، وقتها قال له عندما يجتمع قلب نقيب الأشراف – كان حاضرا اللقاء – على قلب شيخ مشايخ الطرق الصوفية – كان موجودا أيضا – على قلب شيخ الأزهر – لم يحضر وأرسل مندوبا عنه- وقتها سيكون الرئيس صوفيا.. وهو ما جرى فى اعتقاد الشيخ الصوفى بالطبع. لم يبخل الشيخ عبد الهادى القصبى على الفريق أحمد شفيق، أعلن أنه وباسم قيادات الطرق الصوفية يؤيده رئيسا لمصر. بإعلانه هذا يعنى أن شفيق من المفروض أنه ضمن 18 مليون صوت لهؤلاء المسجلين فى كشوف الطرق الصوفية.. لكن هذا بالطبع ليس دقيقا.. فوصول أحمد شفيق إلى الرئاسة عن طريق أصوات الصوفيين لن يكون سهلا أو ممهدا كما يعتقد هو .. أو يعتقد الذين يسيرون خلفه. إن عبد المنعم أبو الفتوح كان الوجه المفضل لدى شباب الصوفية.. هؤلاء الذين لا يختلفون على الإطلاق عن فئات الشباب التى تنتمى للتيارات السياسية والدينية، حيث يميلون إلى الانحياز إلى الوجوه الجديدة التى جاهدت ضد النظام السابق، وكانت سببا مباشرا فى إزاحته.. ولذلك فإن هناك خطر ألا يستطيع مشايخ الطرق السيطرة على شبابهم، فيدفعوا بهم فى اتجاه تأييد شفيق. لا يمكن أن نعتبر هذا كلاما نهائيا بالطبع، فإعلان الدعوة السلفية بالإسكندرية وحزب النور بشكل رسمى تأييد أبو الفتوح وأنه مرشحهم فى الانتخابات الرئاسية، جعل كثيرين من قيادات وشباب الصوفية يتراجعون تماما عن تأييده، فالسلفية خصم واضح وصريح للصوفية.. بل حدثت مناوشات كثيرة بينهم بعد الثورة، ويعلم الصوفيون أن السلفيين وقفوا وراء هدم الأضرحة إن لم يكن بشكل مباشر فبالتحريض والمباركة، وهو ما يعنى أنهم لا يمكن أن يسيروا فى نفس الطريق الذى يسير فيه مرشح رئاسى مدعوم ومؤيد من السلفيين. لقد ظل الصراع على أصوات الصوفيين منحصرا بين أحمد شفيق وعبد المنعم أبو الفتوح، الذى اجتهد فى تسويق نفسه لمشايخ الطرق بأنه الوجه الإسلامى الليبرالى المستنير الذى لا ينحو تجاه التشدد، وهو ما جعل الكفة تميل ناحيته، لكن سعيه للسلفيين وتعهده لهم بتنفيذ أجندتهم – وإن لم يحدد لذلك موعدا محددا – جعل الصوفيين يستريبون فيه وينصرفون عنه تماما.. وهو ما أعاد إلى الصوفيين شكهم القديم فى كل من ينتمى إلى التيارات الإسلامية التنظيمية، فلم يفكروا فى محمد مرسى المنتمى إلى جماعة الإخوان، وفضلوا أبو الفتوح الذى أعلن انفصاله عن الجماعة، لكنهم تأكدوا أن انفصاله عنهم ربما كان تنظيميا فقط.. لكنه لا يزال يفكر بنفس طريقته ويتصرف مثلهم. لقد حاول عمرو موسى أن يحصل على أصوات الصوفيين، وكان من أوائل مرشحى الرئاسة الذين زاروا مشيخة الطرق، ويومها اجتمع مع الدكتور عبد الهادى القصبى، الذى اعتصم بأن القائمة النهائية للمرشحين للرئاسة لم تعلن بعد، وأنه عندما تعلن ستعلن المشيخة عن مرشحها بشكل واضح، ويبدو أن دماثة أخلاق الشيخ القصبى منعته من إحراج عمرو موسى.. أو الإيحاء إليه بأنه لن يكون المرشح المفضل للطرق الصوفية.. فقد كان الرجل يدخر صوته وصوت من يسيرون على الطريق لأحمد شفيق. إعلان عبد الهادى القصبى أنه ومعه قيادات الطرق الصوفية سيصوتون لأحمد شفيق، ليس معناه على الإطلاق أن شفيق ضمن الجميع فى جيبه، فخلف كواليس الطرق تجرى مياه كثيرة.. ولن تتوقف إلا أمام صندوق الانتخابات. خلف هذه الكواليس يظهر اسم المرشح حمدين صباحى بقوة، حمدين يسير بخطوات محسوبة جدا وواثقة جدا.. صحيح أن التيارات الإسلامية بعيدة عنه.. فهو أحد الوجوه المدنية فى انتخابات الرئاسة.. لكن يبدو أنه استطاع أن يخترق الحصار المفروض عليه.. وكانت النقطة التى تسلل من خلالها هى نقطة الطريقة الرفاعية. خروج الطريقة الرفاعية وشيخها الشيخ طارق ياسين الرفاعى ليست من باب التمرد على قرار شيخ مشايخ الطرق الدكتور القصبى.. ولكنه اتساق تام مع التنسيق الذى سبق وجرى بين الشيخ طارق الرفاعى ورجل الأعمال نجيب ساويرس فى انتخابات البرلمان السابقة. نجيب ساويرس ورغم عدم ظهوره فى معركة الانتخابات الرئاسية حتى الآن بقوة، وهذا ليس من عادته بالمناسبة، يبدو أنه كان يعمل وبتركيز شديد فى سرية تامة، حتى لا تحترق كل مراكبه، كما يحدث له فى الغالب. مقربون من ساويرس أشاروا إلى أنه أخذ قرارا بعدم مساندة أو تمويل المرشحين الذين يتعامل معهم الشارع على أنهم من رجال مبارك (أحمد شفيق – عمرو موسى)، فهو لا يريد أن يعيد إلى الأذهان مرة أخرى علاقته بالنظام السابق، خاصة أنه كان أحد المستفيدين من النظام السابق، وكون ثروته برعاية مباشرة منه. ولأنه من الطبيعى أن رجل الأعمال المسيحى لن يؤيد أو يساند مرشحا إسلاميا، خاصة أن برامج المرشحين الإسلاميين ليست واضحة بالشكل الكافى فيما يخص الأقباط، وكل ما يقولونه فى تصريحاتهم الصحفية لا يبعث على الطمأنينة بقدر ما يبعث على القلق.. ولذلك فلا علاقات مباشرة بين ساويرس أو أبو الفتوح ومحمد مرسى ومحمد سليم العوا. انحصر اهتمام ساويرس فى تأييد وجه يكون بعيدا عن النظام السابق.. وفى الوقت نفسه لا ينتمى إلى التيارات الإسلامية.. وكان أمامه خالد على وأبو العز الحريرى وحمدين صباحى.. وبعد دراسة متأنية اختار ساويرس أن ينحاز إلى حمدين صباحى. من باب نجيب ساويرس تحديدا سيدخل حمدين صباحى إلى الطريقة الرفاعية، فطارق الرفاعى لن يرد لساويرس طلبا.. فالعلاقة بينهما قوية ووثيقة.. ولابد أن حمدين صباحى سيكون هو المستفيد منها، وإن كان من المنتظر أن يتم ذلك كله فى سرية تامة، حتى لا يبدو الأمر كأنه انشقاق فى الصف الصوفى. إعلان عبد الهادى القصبى اسم أحمد شفيق كمرشح صوفى للرئاسة يمكن أن يقطع الطريق ولو قليلا على حمدين صباحى، فلن تترك مشيخة الطرق الصوفية الفرصة لأى طريقة من الطرق أن تشق عصا الطاعة، وهو ما يجعل التضحية بحمدين صباحى أمرا واردا ومحتملا.. خاصة أن الدافع وراء تأييد حمدين ليس عن قناعة ولكن من أجل احترام التنسيق المسبق بين الطريقة الرفاعية ونجيب ساويرس. اشتراك الصوفيين فى الانتخابات الرئاسية بهذه الكثافة، والإعلان عن أنفسهم كرقم مؤثر فى سير الانتخابات وتوجيهها الوجهة التى يريدونها، أمر يمكن أن نعتبره جديدا على الحياة السياسية المصرية، حيث كانت الطرق تؤثر السلامة، فلم يعرف عنها معارضة أو خروجا على حاكم، بل إنها ظلت حتى اللحظات الأخيرة فى عمر النظام تؤيد وتدعم ليس مبارك فقط ولكن جمال مبارك أيضا. لكن بعد الثورة الأمر تغير كثيرا، قررت الجماعة الصوفية أن تدلى بدلوها وأن يكون لها صوت، بل إن هناك من أسس حزبا وأراد من خلاله أن يترشح لرئاسة الجمهورية، لكنه لم يحظ بتأييد الطرق الصوفية التى تريد مرشحا له حضور وفرصة فى الفوز بالمنصب. التحول فى مسيرة الطرق الصوفية ناحية العمل بالسياسة ليس بسبب الثورة فقط، ولكن فى الجيل الجديد من مشايخ الطرق، كانت الطرق الصوفية تنتسب إلى مؤسسيها من مشايخ الطرق الكبار الذين انعزلوا عن السياسة ورغبوا عنها، لكن مشايخ الطرق الآن هم الورثة الذين ورثوا مشيخة الطرق عن آبائهم، وهؤلاء لهم تفكيرهم المختلف تماما.. الذى لم يحل بينهم وبين أن يعملوا فى السياسة، بل أن يكون لهم تأثير واضح. ما حدث لا يمكن أن يكون انحرافا عن الخط الصوفى بشكل كامل.. وإن كان أهل الله من أبناء الطرق الصوفية عندما جاءوا للاختيار بين مرشحى الرئاسة فعلوا ذلك بمعايير أهل الدنيا.. لأن أمر الرئاسة يتعلق بالدنيا.. ولذلك فهم اختاروا من يصلح من وجهة نظرهم، بصرف النظر عن القبول الذى يحظى به هذا المرشح فى الشارع. قرار الطرق الصوفية بالمشاركة فى الانتخابات الرئاسية سيكون اختبارا صعبا بالطبع.. فهم يتحدثون كثيرا عن قوتهم وعن أعدادهم، البعض يقدر أعداد الجماعات الصوفية فى مصر ب 18 مليون صوفى، البعض ينزل بالعدد إلى 15 مليوناً فقط، والبعض ينزل بالعدد كثيرا إلى 5 ملايين فقط. على أى حال ومهما كان العدد فالجماعات الصوفية ستجد نفسها أمام اختبار قدرتها على الحشد والتجييش لمناصرة واختبار مرشح بعينه، وإن فشلت فى ذلك فالمعنى واضح، وهو أن الطرق الصوفية تحتاج إلى تنظيم نفسها من جديد.. هذا إذا أرادت أن تشارك بفعالية فى العمل السياسى.. فالسياسة ليست بالنوايا.. حتى ولو كانت حسنة. أعرف أنك حائر مثل ملايين المصريين الذين لا يعرفون على وجه التحديد لمن يعطون أصواتهم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.. نحلم جميعًا بغد أفضل..وبوطن نملكه جميعا. وطن لا تصادره منا جماعة.. ولا مرشح يخدعنا بانتمائه للحرية والديمقراطية والمدنية.. وهو يخفى تحت جلده انتماء القدم.. أو مرشح كان عمودًا من أعمدة النظام السابق يريدنا أن نقتنع أنه الأصلح والأنفع لنا.. أو مرشح يريدنا أن ندفع ثمن نضاله ويمارس علينا دجلا ظاهرا من أنه يمكن أن يصلح كل شىء فى أقل من 6 شهور.. أو مرشح يستعرض علينا قدراته الفكرية وتاريخه الذى لم نعرفه إلا منه.. أو..أو.. أو. كلهم يريدون الكرسى وكأنه غنيمة.. يفكرون فى أنفسهم أكثر مما يفكرون فى شعب دفع الثمن طويلاً من قوته وحريته.. قد تفكر فى أن تدمج أكثر من مرشح فى شخص واحد.. ساعتها يمكن أن يكون هو الأنسب، يمكن أن تختاره وتمنحه صوتك وأنت مرتاح الضمير تمامًا. المهمة صعبة.. أعرف ذلك.. لكن لا تنتظر منا أن نحمل عنك عبء الاختيار.. أن نقول لك هذا هو الأصلح..أو هذا هو الأنفع.. أو هذا هو الذى يستحق..أنت صاحب الحق فى أن تقول كلمتك دون أن يفرض عليك أحد وصاية من أى نوع. لا عليك إلا أن تفكر قليلاً.. تتأمل فيما يقوله السادة المرشحون.. ما يدعونه.. ما يتهمون به بعضهم البعض.. ما يقدمونه وما يستطيعون تنفيذه، دون محاولات لابتزاز مشاعرنا أو المتاجرة بتاريخهم الذى يعرفونه وحدهم. مهمتنا هنا أن نضع أمامك بعضًا من حياتهم.. وبعضًا من أفكارهم.. وبعضًا من أسرارهم، يمكن أن يساعدك ذلك على أن يكون لك رأى مستقل. لم يعد مناسبًا أن تفرط فى صوتك – حقك – أن تجلس فى بيتك تاركا الساحة والمساحة لمن يريدون أن يغتصبوا الوطن، ويحولونه ليصبح عقارا من ممتلكاتهم الكثيرة.. لم يعد مناسبا أن تترك الآخرين يقررون لك فى مقابل رغيف تحصل عليه لمرة واحدة.. فمن ستختاره سيكون مسئولاً عن رغيف الخبز الذى لابد أن يصل إلى باب بيتك كل صباح. هنا لن ننحاز لأحد على حساب أحد.. لنا تفضيلاتنا ما فى ذلك شك.. يمكن أن تراها من بين سطورنا، لكنك لن تجدنا أبدا نقودك لتقول ما نراه صحيحا، فمن حقك أنت أن ترى وأن تفكر وأن تقرر وأن تختار.. فالدماء الطاهرة التى سالت على أرصفة الشوارع ولا تزال تسيل منحتك حق أن تعيش بكرامة، وأول العيش بكرامة أن يكون لك قرارك الحر الذى يجب ألا تفرط فيه أبدًا. كل واحد وصل إلى المرحلة الأخيرة من السباق الرئاسى، من حقه أن يحلم، من حقه أن يرى نفسه المناسب أو الأنسب، من حقه أن يتعامل مع نفسه على أنه الرئيس وعلى الجميع أن يدينوا له بالولاء والطاعة،لكن صدقنى أنت وحدك الرئيس.. الذى ستمنح الجميع قيمتهم وشرعيتهم.. فلا تتنازل عن حقك بعد اليوم.