انظر - يا أستاذ قارئ - لو سمحت إلى أسنانك فى المرآة، هل بينها بقايا امرأة؟ بلاش كده! ألا يمتلكك الإحساس بالرعب على أولادك من الدش أو الإنترنت أو رسائل الإس إم إس؟ على الأقل لا تغضب - يا أستاذ قارئ - وتلقى بالجريدة جانباً أو تعطيها لزوجتك حتى تلمع بها زجاج النوافذ ، لمجرد أن ما أقوله لك لا يقوم بتدليك غدة الزهو القبلى داخلك على طريقة: ما أعظمنا! أنا أفكر معك بصوت مرتفع، ولا يجوز أن تتجنى على بسلسلة الاتهامات السابقة التجهيز لأننى أنقب فى عقلك عن حقائق تحاول سيادتك طوال الوقت أن تئدها كما كان أهل مكة فى الجاهلية يفعلون مع البنات، فلنتكلم بصراحة، ألا تتمنى سيادتك من أعماق القلب، ألا نلحق بركب الذين سبقونا فى الحضارة، بل بأن تقع على دماغهم مصيبة بنت ستين كلب، تجعلهم يتخلفون أكثر منها، فنتمكن نحن من غزو بلادهم بالسيوف والمطاوى، ونبعث بأحرارهم إلى اسطبلات العبيد وبنسائهم إلى الحرملك؟ إذا كان هذا هو ما يدور فى الوعى، فماذا عن سراديب العقل الباطن؟. حكى لى - ذات يوم من سنين صديق من إحدى قرى محافظة البحيرة أنه حين قرر مكتب التنسيق أن يلتحق بالدراسة فى جامعة الإسكندرية، كانت النصيحة الوحيدة التى تلقاها من أمه هى أن يحذر من غولين يشكلان خطراً على الحياة: المرأة والترام، وعلى ما أعتقد، فإن نسبة ليست بالقليلة منا لا تستريح فى الأعماق كثيراً حتى هذه اللحظة إلى التماثيل وقوارب العشاق والنوافير والموناليزا، ترتعد فرائسنا أمام البحر والفتارين الزجاجية والمينى جيب والفيس بوك والعطور والتانجو واليوتيوب والنساء الناعمات والنيون، تفزعنا ألعاب الأطفال الإلكترونية ومدينة الملاهى والسلالم الكهربائية وعربات التليفريك فى المدن الغربية، أظن أن بعض الكتاب المهمومين بالوطن مازالوا يحلمون بمساحات يسطرون فيها أفكاراً قد تختلف مع ما هو سائد، أو قد تصدم من تتشابك خطاهم فزعاً من هذا الجهاز الرائع المتمرد داخل الجمجمة، إذا كنت - يا أستاذ قارئ - من هؤلاء الذين يعانون من أرتيكاريا كراهية العلم، فابحث عن كاتب آخر تقرأ له، كاتب لا يدعوك فى كل مرة إلى أن تقتحم معه أعشاش الدبابير. ما هى الفوبيا؟ إنها الخوف المرضى من شيء ما، الخوف اللاإرادى المسيطر الذى يصل فى بعض الحالات إلى ما يشبه الهيستيريا، كالكلاستروفوبيا على سبيل المثال لا الحصر أو الخوف المرضى من الأماكن المغلقة، أو كالإثيوفوبيا أو الخوف الهيستيرى من ركوب الطائرات، أو كالماروفبيا أو الخوف المرضى من البحر، وقد تتجاوز الفوبيا الفرد فى بعض الأحيان لتتخذ شكل الوباء الذى يضرب المجتمع بأكمله، خاصة حين تسود ديكتاتورية الثقافة التى تتشرنق بالماضى، لتبرر عجزها عن مجابهة الحاضر أو المستقبل، كما يحدث فى مصر أو المنطقة عموماً مع الكينوفوبيا، أو الخوف الهيستيرى من التجديد، عندما يستبد بالفرد أو الجماعة الشعور بتقديس ما فات أو ما هو قائم، وعلى افتراض أن التقدم يتعارض مع القيم السائدة، فإن التضحية تكون دائماً فى النهاية بالتقدم، الأمر لا يختلف كثيراً مع الفيردادوفوبيا أو الخوف المرضى المزمن من مواجهة الحقائق، لا سيما تلك التى لا نحبها، نتعامل مع الواقع الذى لا يعجبنا، كما لو أنه مجرد شائعات يطلقها الذين يضمرون لنا الشر أو الذين يغارون منا. التاريخ لا ندرس منه سوى اللحظات المضيئة، الباقى نتمنى لو ألقيناه فى النار، وقد قلت مراراً أن أغلب الأمجاد التاريخية التى تعتز بها بعض الجماعات ليست أكثر من أحلام يقظة، بأثر رجعى، إلا أن الموقف يزداد خطورة مع اليوثيروفوبيا أو الخوف الهيستيرى المتأصل من الحرية أو المصائب التى لابد أن تنجم عنها، وعلى مدى القرون الطويلة الماضية، استقر فى العقل الباطن الجمعى أن الحرية هى الباب الذى يفضى مباشرة إلى جهنم وبئس المصير. على أن المعضلة الأكبر فى مصر أو المنطقة عموماً تظل هى الجينوفوبيا أو الهلع الهيستيرى تجاه المرأة، أو الايروتوفوبيا أو حالة الذعر التاريخى من الجنس. المرأة بالنسبة لمن يعانون من الجينوفوبيا أو الإيروتوفوبيا هى دائما أصل البلاء، طبق الفاكهة المحرمة على موائد الرجال الأنقياء الذين يدرأون الفتنة بالتحرش، هل أدركت الآن لماذا طالبتك منذ السطر الأول بأن تنظر إلى أسنانك فى المرآة؟ المرأة التى يطلقون عليها فى هذه البلاد أوصافا يتعلق معظمها بالأكل، كتشبيه الجنس اللطيف بالمهلبية أو العسل أو البالوظة أو السكر المعقود أو صفايح الزبدة السايحة أو براميل القشطة النايحة، أو بالقول عن الفتاة التى بدأت تظهر عليها علامات الأنوسة أنها «طابت واستوت وعايزة الأكال»، الوصف التفصيلى لمواطن الجمال عند المرأة لا يختلف كثيراً فى الواقع، فالخدود كالتفاح الأمريكانى بالذات، الأنف كالنبقة، الشفاه كحبات الكريز، الصدر كالرمان، ولا أرغب فى التعرض لبقية الوليمة من باب التظاهر بالكسوف. أغلب الظن أن الجميع فى هذه البلاد أصبحوا يتحدثون ليل نهار عن الفضيلة، إلى درجة أن أحداً لا يجد من الوقت ما يكفى ليمارسها.