علاقة الرئيس القادم بمجلس الشعب غامضة وصلاحياته لاتزال إلهية الفقهاء ضد عودة الدستور الميت ولكن مع إحياء بعض مواده تحدى النواب للسلطة القضائية يثير مخاوف أهل العدالة يبدو من لقاء عنان الأخير أن ثمة تغييراً إجرائياً طفيفاً قد حدث، فقد لجأ المجلس إلى معايير موضوعية لدعوة الخبراء، أساتذة القانون الدستورى والإدارى وعمداء كلية الحقوق، ولم توجه الدعوة إلى كل من المستشار طارق البشرى ولا فقيه الإخوان صبحى صالح.قد يكون هذا الاستبعاد مؤشراً أن المجلس العسكرى قرر أخيرا التعامل مع الخبراء الدستوريين لا الفقهاء الاسلاميين.. وبعيدا عن المستبعدين من اللقاء فإن اللقاء نفسه كان واحدا من أهم اللقاءات التى قد تعيد الامور إلى نصابها وتغير قليلا فى المسار. اللقاء الذى استمر 6 ساعات وكان عنان مستمعا جيدا، امتلأ بعشرات الآراء والمخارج القانونية لأزمتى التأسيسية وصلاحيات الرئيس المقبل، أو بالأحرى تنظيم العلاقة بين سلطات الدولة حتى إعداد الدستور الجديد، فمع العراقيل العديدة فى طريق التوافق على الجمعية التأسيسية للدستور الجديد، ظهرت معضلة غياب عدة معايير للعلاقات بين سلطات الدولة الثلاث فى الإعلان الدستورى، وبالمثل فإن صلاحيات الرئيس القادم محل غموض، فالرئيس المقبل خلال شهرين ستنتقل اليه صلاحيات الرئيس الموجودة فى الإعلان الدستورى وكل القوانين.. «على بلاطة» فإن الرئيس المقبل يحمل سلطات إلهية، وسيحتفظ بها حتى الدستور المقبل، لكن الإعلان الدستورى خلا من وضع إطار دستورى للعلاقة بين الرئيس والبرلمان، فنحن امام ورطة دستورية فى صلاحيات الرئيس وعلاقة مؤسسات الدستور الثلاث، بالإضافة إلى معضلة تشكيل جمعية كتابة الدستور. خلال اللقاء مع عنان انحاز عدد محدود جدا من فقهاء الدستور إلى إعادة دستور 71 الميت، أو استند أصحاب الاقتراح إلى أن دستور 71 يتضمن فصلاً كاملاً من 81 مادة تغطى العلاقة بين السلطات وتحدد صلاحيات الرئيس على سبيل الحصر. وبعض هذه المواد الدستورية لم تنقل للإعلان الدستورى، وعلى رأسها حق البرلمان فى سحب الثقة من الحكومة وحق رئيس الجمهورية فى حل البرلمان وإجراء استفتاء. فى اللقاء قوبل هذا الاقتراح بالرفض التام من الأغلبية من الخبراء والفقهاء الحاضرين، وفقد الخبير الدستورى الدكتور ثروت بدوى أعصابه بمجرد سماع الاقتراح، فدستور 71 من وجهة نظره ونظر الكثيرين من الخبراء قد مات بفعل الثورة، وسخر الفقيه الدستورى الدكتور إبراهيم درويش من الفكرة لأسباب إضافية، فدستور 71 ليس دستوراً عظيماً، وأضاف دوريش «دستور 71 دستور مهلهل». ولذلك اتجه جانب كبير من المناقشات والآراء إلى فكرة إعلان دستورى مكمل لإعلان مارس 2011. الإعلان الدستورى الجديد من واقع الاقتراحات يتضمن مادة أو أكثر تحدد بشكل حصرى وقاطع كل الامور المتعلقة بالجمعية التأسيسية. ويتضمن الإعلان الجديد ضوابط اختيار أعضاء الجمعية الجديدة وقد رفض كل خبراء الدستور ضم أعضاء البرلمان للجمعية الدستورية، وطالبوا بأن تشمل المواد المضافة فى الإعلان الجديد آلية التصويت فى الجمعية التأسيسية، وذلك لتحديد النسبة المناسبة للتصويت. ومن التأسيسية لصلاحيات الرئيس، والاقتراحات فى شأن صلاحيات الرئيس كانت أهم وأخطر ما قيل فى الاجتماع، وكانت قضية العلاقة بين السلطات الثلاث هى المدخل للحديث عن صلاحيات الرئيس. بعض الخبراء والفقهاء كانوا حريصين أو بالأحرى قلقين على ضمان استقلال السلطة القضائية، ولهذا القلق ما يبرره، فبعض النواب والاحزاب فى البرلمان هددوا حصانة السلطة القضائية، مرة باقتراح إلغاء حصانة النائب العام، ومرة أخرى بطلب استدعاء رئيس المجلس الأعلى للقضاء للمجلس، وكانت الضربة الثالثة هى الحديث عن قانون موحد للقضاء يلغى القضاء الإدارى دون الرجوع لأهل العدالة. العلاقة بين الحكومة والبرلمان قد تحتاج إلى مادة أو اكثر فى الإعلان المكمل، فقد خلا إعلان مارس الدستورى من حق المجلس فى سحب الثقة من الحكومة، وبذلك فقد مجلس الشعب الأداة الرقابية ضد الحكومة، وعلى الرغم من تهديدات نواب الإخوان بسحب الثقة فإن قيادات الإخوان تعرف جيدا أن المجلس لا يملك سحب الثقة من الحكومة لا بعد استجواب ولاحتى بعد ألف استجواب. صلاحيات الرئيس فى الإعلان الدستورى محددة بعشر صلاحيات ومنقولة من دستور 71، وذلك باستثناء مادة وحيدة وهى حق رئيس الجمهورية فى حل مجلس الشعب، وقد أبقى إعلان مارس الدستورى على حق رئيس الجمهورية فى دعوة مجلس الشعب للانعقاد وحقه فى تعيين عشرة نواب فى مجلس الشعب وثلث أعضاء مجلس الشورى. مؤيدو وأنصار إعلان دستورى جديد أو مكمل يريدون أن يأخذ الدستور الجديد حقه فى البحث والعمل الدءوب والعرض على كل فئات المجتمع، ومن وجهة نظرهم فإن الاعتماد على دستور 71 هو خطيئة كبرى، ويرفض فقهاء الدستور فكرة باب الحريات العامة ومواد الحقوق والواجبات بدستور 71 إلى الدستور الجديد، فهذه المواد معطلة لأن دستور 71 أحال معظم مواد الحقوق والحريات إلى القوانين المنظمة، ولذلك استطاع نظام مبارك أن يقيد الحريات ويهدر الحقوق المنصوص عليها فى دستور 71. صلاحيات الرئيس الجديد يجب أن تتم مراجعتها، لصالح رئيس الحكومة والبرلمان معا، وكان الدستور السابق قد منح للرئيس 32 صلاحية، وذلك بخلاف صلاحياته فى نحو 40 قانوناً، وبسط دستور 71 يد الرئيس على تعيينات القضاء وتعيين رئيس المحكمة الدستورية وقضاة المحكمة، وتعيينات كبار موظفى الدولة، واختصاصات فى الشرطة وأخرى فى الجيش من خلال رئاسته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، فالرئيس المقبل بدون دستور جديد سيصبح إلهاً بالإعلان الدستورى أو بالأحرى صلاحياته فى الإعلان الدستورى والقوانين. من هنا يدفع أنصار إعلان الدستورى المكمل بضرورة الإسراع بإعلان دستورى جديد قبل إجراءات انتخابات الرئاسة، يحدد هذا الإعلان صلاحيات الرئيس من ناحية، ويحقق التوازن المفقود بين سلطات الدولة من ناحية أخرى. فى هذا السياق، فإن عودة حق سحب الثقة من الحكومة لمجلس الشعب سترتبط بحق آخر، وهو حق رئيس الجمهورية فى حل مجلس الشعب واللجوء للاستفتاء الشعبى، وهذان الحقان هما طرفا معادلة توازن القوى بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، فرئيس الدولة هو رأس السلطة التنفيذية فى النظام المصرى، وله حق حل مجلس الشعب أو استفتاء الشعب على حل المجلس، ومجلس الشعب كسلطة تشريعية لها الحق فى سحب الثقة من وزير أو من الحكومة كلها. وإذا كان حق سحب الثقة من الحكومة سيسعد الإخوان، فإن حق الرئيس المقبل فى حل مجلس الشعب سوف يزيد من سخونة الموقف السياسى، فالإخوان وحزب الحرية والعدالة لم يستوعبا بعد درس الجمعية التأسيسية للدستور، ولم يفهما إنه لا يمكن لمجلس الشعب كسلطة تشريعية أن يهدد سلطات الدولة الدستورية الأخرى، وأن الانتخابات النزيهة وحدها لا يمكن أن تعلى من سلطة البرلمان ليتوغل على السلطات الأخرى. من هنا يرفض الإخوان فكرة الإعلان الدستورى المكمل لأكثر من سبب، فالإخوان لايزالون يفكرون فى التكويش على الجمعية التأسيسية، ويرفضون أن يتم تحديد أعضاء التأسيسية عبر إعلان دستورى مكمل، إعلان يضمن لكل قوى المجتمع تمثيلاً عادلاً فى صياغة الدستور الجديد. ولكن أكثر ما يخشاه الإخوان فى إعلان دستورى جديد هو النص على حق رئيس الجمهورية المقبل على الاستفتاء على حل مجلس الشعب، فقد فقد الإخوان أعصابهم بعد أن أحيلت دعوى بعدم دستورية قانون الانتخابات للمحكمة الدستورية، مجرد التلويح بحل المجلس يدخلهم فى نفق هائل من الغضب والتهديد والعودة لأحضان ميدان التحرير، الإخوان لا يريدون المغامرة مجرد المغامرة بمنح رئيس الجمهورية حق حل البرلمان أو الاستفتاء على حل المجلس لأنهم يدركون أن فرص مرشحهم الرئاسى ليست كبيرة، ولذلك لن يغامر الإخوان بمنح الرئيس القادم الحق على الاستفتاء على حل مجلس الشعب. فالرئيس القادم قد يكون عمرو موسى أو أبوالفتوح أو حمدين صباحى، والإخوان لم تحتمل سيف حل مجلس الشعب على رقبتهم، ولكن الاحتمالات الآن أكبر أن يفعلها المجلس العسكرى ويصدر إعلاناً دستورياً مكملاً يضع ضوابط عادلة للتأسيسية ويقلص بعض صلاحيات الرئيس ويمنح الرئيس حق حل مجلس الشعب وذلك فى مقابل إعادة حق سحب الثقة من الحكومة لمجلس الشعب