ليس جديداً عليكم لو قلت إن معظم العظماء في التاريخ وصلوا إلى حالة من الانهيار وعاشوا في الحضيض لفترة من عمرهم، وليس جديداً أن أقول إن معظم البشر يؤمنون بحقيقة أن الضربة التي لا تقتلك تقويك وليس جديداً أن نقول إنه ليس هناك فشل ما دمت تحاول. يقول الفيلسوف ريني ديكارت : "واصل الضغط والمحاولة فقد حاولت كثيرا واخطأت كثيراً لكنني ما زلت أحاول" ، وهي جملة واضحة المعنى وتعني أن الإنسان يجب أن لا يستسلم حتى أخر لحظة في حياته فيما يتعلق بتحقيق هدفه وجعل أحلامه حقائق.
ويبقى الأمل قائماً ما دام الإنسان لم يقع في مستنقع الفشل التام، والسؤال الذي نريد التوقف معه في هذا المقال "ما هو الفشل التام؟ .".. والجواب سأقدمه بصورتين هما الأكثر انتشاراً للفشل التام:
- أن تبدأ بلوم الناس على ما أنت فيه ، مثل أن يحمل طالب جامعة فشله في الامتحانات لصديق غرر به حسب زعمه وجعله لا يدرس، ومن ذلك أن يرى موظفاً فشله وعدم تقديمه الأداء الجيد ناتج عن مديره السلبي، فالوقوع في هذه الخطيئة يجعلك تتوقف عن السعي وتنتظر ذهاب هؤلاء الأشخاص بعيداً وهو أمر لا يوافق منطق الحياة حيث أن الإنسان يكون له دور دوماً بما هو فيه وإن كان هناك من يحاول التسبب بفشلك.
- أن يعتاد الشخص الفشل ، فلو لاحظت كل أحلامك التي فشلت بتحقيقها فإن بداية القتل لها كان باعتيادك على عدم تحقيقها واستمتاعك بتخيلها من دون سعي، فقد أثبت عديد البشر أن لا وجود لما يسمى أمر واقع لكن اعتياد الفشل هو ما نسميه "بالأمر الواقع"... ومن صور اعتياد الفشل أن يتوقف أحد المدخنين عن المحاولة من أجل تركه، أو أن يتوقف شخص يحاول الكتابة لأن لا أحد يعجب بأسلوبه وينسى ما تلقاه شكسيبر من نقد لاذع بعد مسرحيته الأولى، أو أن يتوقف الزوجان عن المحاولة من أجل التفاهم ويستمران في العيش داخل جحيم من دون محاولة ولا حتى محاولة الطلاق.
أحب أن أختم هذا الموضوع بقول أحدهم : " تكون حياتك فشلاً وراء فشل إذا لم تدرك كم كنت قريباً من النجاح عندما قررت الانسحاب". في سيرته الذاتية التي نشرها أخيراً بعنوان My Brief History (تاريخي الوجيز)، يقدّم هوكن- الذي يعاني مرضاً عصبياً حركياً أصابه بشلل شبه كامل ويتواصل مع الآخرين من خلال آلة ناطقة- خمسة دروس من الحياة تساعدك على أن تكون عبقريّاً. 1 لا تبذل مجهوداً كبيراً في المدرسة. يذكر هوكن أن الموقف السائد بين طلاب جامعة أكسفورد، عندما كان يتابع علومه هناك كان مناهضاً للعمل. برأيه ليست المبالغة في العمل مفتاح النجاح ويبرهن قائلاً: {حسبت ذات مرة أنني عملت نحو 1000 ساعة طوال السنوات الثلاث التي أمضيتها في الجامعة، أيّ ساعة يوميّاً». وماذا عن المحاضرات؟ قد تتفاجأ برأيه: إنها مخصّصة للفاشلين! 2 لا تفوّت أي فرصة لتبدو مميزاً. يؤكد هوكن: {معظمنا يبالغ في شعوره بالملل وبأنّ لا شيء يستحق العناء. لكنّ مرضي دفعني إلى تحدي كل ذلك. عندما تواجه احتمال الموت باكراً، تدرك أن الحياة ثمينة، وأنك ترغب في القيام بالكثير}. لذلك اغتنم كل الفرص، كما يقول خريجو أوكسفورد. 3 حافظ على البساطة. خلال كتابته ل A Brief History of Time، تخلى عن المفردات والصيغ الرياضية كي يبسط العلوم بحيث تكون في متناول الجميع. يشير: {لي ملء الثقة أن الجميع مهتمون بكيفية عمل الكون، لكن معظم الناس يعجز عن فهم المعادلات الرياضية لأنها معقدة}. يواجه هوكن نفسه مشكلة معها. يضيف: {يعود ذلك في جزء منه إلى الصعوبة التي أواجهها في كتابتها، لكن السبب الرئيس يبقى أنني لا أملك ميلاً طبيعيّاً إلى المعادلات. عوضاً عن ذلك، أفضل المفردات الصورية. وهدفي في هذا الكتاب وصف هذه الصور الفكرية بكلمات بمساعدة بعض التشابيه المألوفة وعدد من الرسوم البيانية}. والعبرة: لا داعي لأن تكون عبقريّاً لتدرك أن المفردات العلمية الجافة تقتل خلايا الدماغ. 4 استمتع. هوكن طويل الباع في إطلاق خدعٍ مضحكة وتاريخه حافل في هذا المجال. وقد راهن مراراً مع زملائه العلماء على طبيعة الثقوب السوداء. حصل ذات يوم مثلاً أن قام برهانٍ مع عالم معهد {كالتيك}، جون بريسكيل، بشأن {معضلة المعلومات}. آمن هوكن أنّ المعلومات التي يبتلعها ثقب أسود تختفي عن وجه الكون ولا يُعاد إطلاقها مجدداً حتى لو تبخر الثقب الأسود. لكن هوكن أقر لاحقاً أن بعض المعلومات يعود الى الظهور عندما يختفي الثقب الأسود، وإن كان ذلك بشكلٍ لا يمكن معه إعادة استعمالها. كان عليه أن يسدّد الرهان الذي خسره لبريسكيل، فقدّم له موسوعة عن كرة المضرب، ليكتب متهكماًلاحقاً: {كان من الاجدر ربما أن أهديه رماد الموسوعة!}. ومن قال إن العباقرة لا يحبذون النكات السيئة؟ 5 ابحث دوماً عن النور في نهاية نفق مظلم (حتى لو كنت مصاباً بداء لو غيريغ). شُخصت إصابة هوكن بحالة عصبية تنكسية تُعرف بالتصلب العضلي الجانبي أو داء {لو غيريغ} في مطلع عشرينياته. سلبه المرض هذا تدريجاً قدرته على السير، وتحريك ذراعيه، وحتى النطق. لكن هوكن يعلّق على الأمر قائلاً بابتسامة كبيرة: {لم تشكّل إعاقتي عقبةً كبيرة في طريق عملي العلمي، بل كان لها بعض الأوجه الإيجابية كألا أُضطر مثلاً إلى إلقاء المحاضرات أو تعليم طلاب الجامعات. كذلك لم أشارك في لجانٍ مضنية تتطلب الكثير من الوقت. وهكذا تمكنت من تخصيص كامل وقتي للعلم}. بكلمات أخرى، حوّل هوكن جحيمه إلى جنة.