دخل لبنان في أزمة سياسية - دبلوماسية جديدة، على خلفية توقيع وزير الخارجية جبران باسيل على البيان الذي صدر عن الاجتماع، الذي عقد في جدة، أول من أمس (الخميس)، والتزمت خلاله 10 دول عربية بمواجهة الإرهاب الدولي. وبدا واضحا انزعاج عدد كبير من قوى 8 آذار، وعلى رأسها «حزب الله» من سير باسيل بالمقررات دون تسجيل أي تحفظات، وهي تتطلع إلى موقف حكومي «توضيحي»، الأسبوع المقبل، بانتظار تبلور الدور المطلوب من لبنان لمساهمة بمواجهة الإرهاب.
وقالت مصادر مقربة من «حزب الله» ل«الشرق الأوسط» إن «الموقف اللبناني الرسمي موحَّد وواضح لجهة التزامه محاربة الإرهاب منذ عام 2000. إلا أن ذلك يجب أن يجري بإطار خطة واضحة تحدد الدور المطلوب من لبنان دوليا، في هذا المجال»، لافتة إلى أن لدى «حزب الله» مجموعة أسئلة وملاحظات على الموقف الذي اتخذه الوزير باسيل، و«نتعاطى معه على أنه توقيع بالأحرف الأولى، على أن يصدر الموقف اللبناني النهائي والرسمي من اجتماع جدة وبيانه من الحكومة مجتمعة».
ورأت المصادر في تصريح ل«الشرق الأوسط» أن باسيل «دفن» في جدة سياسة النأي بالنفس، التي انتهجتها الحكومة اللبنانية في السنوات الماضية، والتي «لم تكن أصلا واقعية»، لافتة إلى سلسلة مشاورات ستسبق الجلسة التي ستعقدها الحكومة الأسبوع المقبل: «على أن يكون موضوع اجتماع جدة وما صدر عنه بندا أساسيا، فتتعهد الحكومة بالاستفسار عن الأهداف الحقيقية للحلف الإقليمي الدولي لمواجهة (داعش) والدور المطلوب من لبنان».
وكانت وسائل إعلام محلية محسوبة على قوى 8 آذار شنّت حملة على باسيل متهمة إياه بتوريط لبنان ب«استراتيجية لاحتواء (داعش)، وليس القضاء عليه»، وإدخاله بحقل ألغام.
وتترقب القوى السياسية ب«قلق» ما قد ينتج عن انطلاق عملية عسكرية مركَّزة لضرب «داعش» في سورياوالعراق خاصة لجهة الانعكاسات الداخلية، في ظل المعلومات التي تتحدث عن خلايا نائمة ل«داعش» منتشرة في عدد من المناطق اللبنانية.
وأكد وزير الإعلام رمزي جريج أن موقف الحكومة اللبنانية بمكوناتها كافة موحد لجهة سيرها بالإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها لمواجهة «داعش»، لافتا إلى أن التضامن اللبناني تجلى بمشاركة وزير الخارجية جبران باسيل بمؤتمر جدة، وأضاف: «المطلوب أن تترافق وحدة الصف اللبناني مع دعم عربي ودولي لإنجاح التدابير اللبنانية المتخذة، التي لا شك ستتطور مع تبلور العمل الإقليمي والدولي في مجال محاربة (داعش)».
وشدّد جريج في تصريح ل«الشرق الأوسط»، على «جهوزية وقدرة الجيش اللبناني على التعاطي مع التحدي المذكور، طالما أنه لا بيئة حاضنة للإرهاب على الأرض اللبنانية والرأي العام يقف صفا واحدا وراء المؤسسة العسكرية».
وكان الجيش اللبناني دخل في مواجهة مسلحة مع «داعش» و«جبهة النصرة» مطلع شهر أغسطس (آب) الماضي، خلال محاولة مسلحي التنظيمين المذكورين احتلال بلدة عرسال، وقد انتهت المواجهات لسقوط عدد من القتلى لدى الطرفين واختطاف عدد آخر من الجنود المحتجزين حاليا في منطقة جرود عرسال الحدودية.
ورأى النائب في كتلة «حزب الله» وليد سكرية، أن الجهود اللبنانية لمواجهة «داعش»، بإطار التحالف الإقليمي - الدولي، يجب أن تتركز على «حماية الساحة الداخلية من عمليات تمدد جديدة للتنظيم، خاصة مع وجود خلايا نائمة له قد تعمد لاستهداف سفارات عربية وأجنبية ومصالح دول متعددة داخل لبنان، مع انطلاق عمليات مركَّزة لضرب التنظيم في العراقوسوريا».
وأشار سكرية في تصريح ل«الشرق الأوسط» إلى وجود قوة عسكرية ل«داعش» في جبال لبنانالشرقية قد تدعم القوى الموجودة في الداخل، مما يستدعي تقديم الدول المشاركة بمؤتمر جدة وتلك الأعضاء بالائتلاف الدولي لمواجهة «داعش»، دعم سياسي وعسكري لتمكين لبنان من الصمود وحماية حدوده.
وقال: «المطلوب اقتلاع المجموعات الإرهابية من الداخل اللبناني، وإجبار المتعاطفين معها على الدخول إلى مخيمات إقامة جبرية تُضبط أمنيا».
وعدّ سكرية أن «أولوية الولاياتالمتحدة حاليا كما دائما تحقيق مصالحها الخاصة ومصلحة إسرائيل، وبالتالي تتعاطى مع موضوع مواجهة (داعش) من هذا المنطلق»، متوقعا أن لا تكون الضربات التي ستوجهها أميركا وحلفاؤها تهدف للقضاء كليا على «داعش»، بل أن تكون بإطار «عمل متدرج ومرحلي لاستخدام التنظيم المذكور بمواجهة قوى قد تهدد المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة بوقت لاحق».
وحذّر النائب عن «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت من الدخول ب«صراع مسلح داخلي تحت شعار محاربة إرهاب (داعش)»، مشددا على وجوب «الاكتفاء بتحصين حدودنا بالاتجاهين مع سوريا، وعدم الدخول بلعبة الصراعات الإقليمية التي لا قدرة للبنان على تحمّل وطأتها».
وقال الحوت ل«الشرق الأوسط»: «لبنان قادر على تحصين نفسه من تأثيرات (داعش) من خلال جهد مركز من مختلف القوى السياسية، فتكون المواجهة مشتركة بإطار أجهزة الدولة».
وحث الحوت الدول المعنية بموضوع مواجهة «داعش» على «عدم التغاضي عن الإرهاب الآخر العاصف بالمنطقة منذ أكثر من 3 سنوات، وهو إرهاب النظام السوري الذي ما زال يمعن بقتل شعبه»، داعيا للتعاطي مع الأمور على أن «هذا النظام كان السبب ببروز وتنامي (داعش)».
وأشار عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري إلى أن «استمرار المجتمع الدولي بالتعاطي مع النتائج، وليس الأسباب، قد يعيق تحقيق أي إنجاز يُذكر بمجال مواجهة الإرهاب»، لافتا إلى أن «التغاضي عن إرهاب النظام السوري طوال الأعوام الماضية ولّد قهرا أدى بشكل أو بآخر لنشأة (داعش)».
وشدد حوري في تصريح ل«الشرق الأوسط» على وجوب تحصين لبنان لمؤسساته ووحدته الوطنية والتصدي للفتنة لينجح بعدها بمواجهة «داعش»، موضحا أن مهام ومسؤولية لبنان قد تكون أكبر من تلك الملقاة على عاتق باقي الدول نظرا لكونه على خط تماس معها.
وقال: «المواجهة ستكون طويلة وشاقة، والمهم المثابرة وسحب الفتيل والذرائع».