لم يكن اجتماع المشير طنطاوى مع القوى السياسية الأخير مجرد اجتماع عادى، فقدعزز هذا الاجتماع الشكوك فى تأجيل الانتخابات الرئاسية فالمشير يعود مرة أخرى للخلاف الأزلى حول أسبقية الدستور والرئيس، فى وقت تصور الجميع أن الجدل قد حسم لصالح فض الاشتباك بين الدستور والرئاسة، فكل منهما يسير فى مسار مختلف ولكنه متواز، الآن يتحدث المشير عن ضرورة أن يسبق إعداد الدستور اختيار الرئيس، قلة فهمت كلام المشير كنوع من التحفيز للإخوان على إنهاء مشاكل الجمعية التأسيسية، والبدء فى إعداد الدستور، وأغلبية فهمت كلام المشير على أنه تراجع عن خارطة الطريق للانتخابات الرئاسية وتسليم السلطة. الشك فى تأجيل انتخابات الرئاسة أو تسليم السلطة بدأ قبل عودة حكاية الدستور أولا، وقد علت شكوك التأجيل مع ترشح خيرت الشاطر مرة وعمر سليمان مرة أخرى، وعادت بشكل أقوى مع استبعاد الثلاثة الكبار من الترشح، وحتى قبل إعلان استبعاد عشرة مرشحين.. فإن ثمة شكوكاً أو بالاحرى مخاوف من تأجيل الانتخابات الرئاسية تطفو على المشهد السياسى، ثمة احساس بأن المجلس العسكرى لم يرحل فى الموعد المعلن، وأن سلسلة من أحداث العنف والفوضى قد تجعل السير فى عملية الانتخابات مستحيلة، المثير أن بعض مرشحى الرئاسة قد عبروا عن مخاوفهم فى شكل تصريحات متكررة، عمرو موسى كان على رأس هؤلاء المرشحين بتصريحين عن خطورة تأجيل الانتخابات، العوا وأبوالفتوح ألمحا لنفس الفكرة، المثير أن الإخوان قد أكدوا مخاوفهم من تأجيل الانتخابات الرئاسية عبر محادثاتهم مع بعثة صندوق النقد فى القاهرة منذ ثلاثة أسابيع وقبل الإعلان عن ترشيحهم للشاطر، فقد طلب الإخوان تأجيل التوقيع على القرض لحين تشكيل الحكومة والرئيس الجديد، وأوضح ممثلى الصندوق أن صرف القرض سيتغرق شهرين، لأن هناك إجراءات خاصة بالصندوق بعد توقيع اتفاقية القرض، ولذلك أكد ممثلو الصندوق للإخوان أن التوقيع على القرض فى شهر أبريل سيؤدى علميا إلى استلام القرض بعد الانتخابات الرئاسية، فكان رد الإخوان وماذا إذا تأجلت الانتخابات الرئاسية لأى سبب، فالإخوان ليس لديهم ثقة كاملة فى انتهاء الفترة الانتقالية فى أول يوليو بحسب تعهد المجلس العسكرى، فى لعبة الحرب الباردة بين الإخوان والعسكرى فإن الإخوان لم يطمئنوا إلا بعد تسليم السلطة بالفعل، أو بالأحرى تسليم السلطة لهم وليس لأى قوى أو رئيس آخر، الإحساس أو التنبؤ بتأجيل الانتخابات كان سائداً من قبل قبيل انتخابات مجلس الشعب، وسيناريوهات الفوضى والعنف كانت موجودة بقوة فى خلفية مشهد الانتخابات البرلمانية، مرة أخرى هناك شكوك فى رحيل المجلس العسكرى عن السلطة أو بالأحرى شكوك فى النوايا، ولكن الأسابيع الماضية حملت بعضاً من الاسباب الموضوعية لتأجيل الانتخابات الرئاسية، وفرضت سيناريوهات قد تؤدى بالفعل إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية، أبرز سيناريو لتأجيل الانتخابات بسبب أحداث عنف متفرقة جاء من بوابة المرشح المستبعد حازم أبوإسماعيل، فهناك شكوك قوية فى أن يندفع بعض مريدى أو أنصار أبوإسماعيل إلى أعمال شغب تؤدى إلى فوضى انتقاماً من استبعاد مرشحهم من سباق الانتخابات الرئاسية، وفى الأسبوع الماضى وتحسبا لأى أعمال شغب توقف قطار الانتخابات قامت اللجنة العليا للانتخابات بإخلاء مقر اللجنة من الأوراق والمستندات المهمة، وذلك فى إشارة إلى المستندات الخاصة بأوراق اعتماد المرشحين الرئاسيين مثل التوكيلات الشعبية والتأييدات البرلمانية، وقد جاء قرار الإخلاء قبل 48 ساعة من إعلان اللجنة العليا استبعاد مبدئى لعشرة من المرشحين من بينهم حازم أبوإسماعيل على خلفية الجنسية الامريكية لوالدته، وعمر سليمان وخيرت الشاطر المرشح الأساسى للإخوان. وعلى الرغم من قوة الشاطر إلا أن الإخوان ستكتفى بالتهديد فى البداية ولم تسع بأى صورة من الصور إلى عمل انتقامى خشية تأجيل الانتخابات الرئاسية واستمرار الفترة الانتقالية من ناحية، وإلى ضياع مكاسب الإخوان السياسية من ناحية أخرى، فاستمرار الفترة الانتقالية سيطيح بفرصة الإخوان فى تشكيل حكومة، لايرغب الإخوان فى حرب انتقام مع المجلس العسكرى، تناسبهم الحرب الباردة أكثر، فثمة مخاوف داخل الجماعة من أن يؤدى التعنت والعنف مع العسكرى إلى ضياع المكاسب الاساسية التى حصلوا عليها حتى الآن، وعلى رأس هذه المكاسب شبه أغلبية فى البرلمان وحزب سياسى علنى، ولذلك الإخوان سيكونون أكثر القوى السياسية حرصا على عدم تصعيد الأمور بشكل يؤدى إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية وإطالة الفترة الانتقالية. وعلى الرغم من ذلك الحرص فإن خسارة الإخوان لمكاسبهم الحالية قد تدفع بعض قوى جماعة الإخوان، وليس الحزب إلى العنف، فصدور حكم بحل مجلس الشعب قد يطير عقل البعض، ويخرس صوت العمل السياسى، لأن الإخوان واثقون من أنهم لن يحققوا هذه النتائج فى أى انتخابات جديدة، وقد ينظر بعضهم لحل المجلس بحكم المحكمة الدستورية كمقدمة إلى إجراءات انتقامية أخرى اكثر عنفا وقوة من الجماعة، إجراءات من نوع حل الحزب لأنه يقوم على مرجعية دينية، والإجراء الأخطر هو مطاردة أموال جماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى، خسارة الإخوان للمكاسب السياسية التى حصدوها تعيد إلى اذهان بعضهم أيام العنف والاضطهاد والتعذيب، كوابيس حكم مبارك وآلة تعذيب العادلى قد تضعف صوت العقل داخل الجماعة، فالصقور فى جماعة الإخوان لم يشعروا بالأمان إلا إذا ضمنوا كل السلطات فى أيديهم، هؤلاء الصقور لم يرضوا بالتوافق مع القوى الأخرى سواء كانت قوى سياسية أو قوة المؤسسة العسكرية، وربما يفشل الإخوان إذا استمروا فى غرورهم فى التوافق مع الجناح الإسلامى الآخر فى البرلمان وهو القوى السلفية. معظم القوى السلفية لا ترغب بالفعل فى تصعيد الأمور أو اشاعة الفوضى، ولكن مشكلة السلفيين أن هناك مجموعات سلفية غير منظمة سياسيا داخل حزب أو حتى جماعة، وبعض هذه المجموعات تتصرف بشكل غيور على الإسلام وتسعى لفرض مرشح إسلامى ودستور إسلامى، وفى حالة ضياع أى من هذين الهدفين، أو كليهما فقد ينطلق عنف هذه القوى. من الممكن أن تسعى بعض هذه المجموعات إلى حرق بعض المراكز والمواقع المهمة محاكم أو مقارات إدارية، أو تنطلق حملة انتقام من شخصيات إعلامية أو سياسية، فبعض هؤلاء الشباب يحملون استبعاد ابواسماعيل إلى قوى علمانية فى السياسية والإعلام. بعض من هذه القوى لا يرى فى الإخوان البديل الإسلامى للنظام القائم، ولذلك قد توجه بعض من العنف تجاه الحرية والعدالة والإخوان وذلك فى حالة موافقة الإخوان على دستور غير إسلامى. قانون الحرمان من الترشح للرئاسة كان مدخلا آخر لتأجيل الانتخابات الرئاسية، فمنذ أن قدم النائب عصام سلطان تعديله لحرمان سليمان وشفيق من الترشح، والبعض يبدو واثقا من أن هذا القانون سيطيح بإتمام الانتخابات فى موعدها، أصحاب هذا السيناريو يؤكدون أن المجلس العسكرى سيقوم بإرسال القانون إلى المحكمة الدستورية العليا لطلب التفسير، وأن المحكمة ستأخذ وقتها للاجابة عن التفسير، وفى نسخة أخرى من هذا السيناريو فإن أحد المرشحين (الفريق أحمد شفيق وربما سليمان) سوف يتقدم بالطعن على هذا القانون بعدم الدستورية، وستقرر اللجنة العليا للانتخابات إيقاف قطار الانتخابات لحين الفصل فى الطعن. قرار اللجنة العليا باستبعاد عمر سليمان لم يوقف الخيال السياسى لدى البعض، فهناك من يؤكد أن طعن عمر سليمان سيتم قبوله، وأنه سيعود إلى ساحة الانتخابات، وجود عمر سليمان فى الانتخابات فى حد ذاته مبرر للفوضى لدى أصحاب هذا السيناريو، فترشح عمر سليمان كان الهدف منه تأجيل الانتخابات الرئاسية واستمرار المجلس العسكرى فى حكم مصر، فأصحاب هذا السيناريو يراهنون على أن استمرار عمر سليمان سيدفع ببعض شباب القوى الثورية إلى العنف وأن تتحول المعارضة من مليونيات سلمية إلى أعمال عنف دموية، البعض كان قد راهن على أن احتكار الإسلاميين للسلطة قد يدفع الثوار للانقضاض على شرعية البرلمان، وأن يدفع اليأس من التغيير بعض شباب الثورة من إثارة الفوضى، ولكن الثوار يركزون حتى الآن فى معركتهم مع المجلس العسكرى، ولذلك فالسيناريو الاقرب هو أن يستفزهم ترشح سليمان، ويدفعهم إلى أعمال عنف، وأن تتقاطع أعمال العنف الثورية مع أعمال الفوضى السلفية، ويصبح المسرح مهيأ بقوة إلى استمرار المجلس العسكرى بحكمه الانتقالى، وتأجيل الانتخابات الرئاسية لأجل غير مسمى، ويصل أصحاب هذا السيناريو إلى أن انتشار الفوضى سيدفع بالمواطنين العاديين إلى التظاهر فى الشوارع واحتلال الميادين لكى يستمر المجلس العسكرى فى حكم البلاد، وبذلك تزيد شعبية وشرعية المجلس العسكرى. على الرغم من تنوع سيناريوهات تأجيل الانتخابات الرئاسية فإن الرهان على تخويف المصريين من الفوضى والرعب من انطلاق العنف هو السيناريو الأكثر ترددا، أو هو العنصر المشترك فى معظم السيناريوهات. الرهان على أن المصريين لم يتحملوا الضغوط أو مزيدا من أعمال الفوضى، وان الرعب من انتشار العنف سيدفعهم إلى أحضان أى رجل قوى، فالخوف من الفوضى سيدفعهم للحنين إلى أيام مبارك ونظام مبارك، ولكن كل أصحاب هذه السيناريوهات لا يعرفون الشعب المصرى جيدا، كل هؤلاء راهنوا من قبل على أن المصريين كرهوا الثورة ويشعرون بالحنين إلى مبارك، وكل هؤلاء راهنوا من قبل على أن أصوات المصريين فى انتخابات مجلس الشعب ستذهب للحزب الوطنى رغم حله، ولكن أصحاب هذه الأصوات خسروا رهانهم الأول، وبالمثل سيخسرون الرهان التانى، فكل ما يعانيه المصريون الآن لم يدفعهم لأحضان أيام ورجال مبارك، ولكنه سيدفعهم إلى الضغط لانتهاء المرحلة الانتقالية، المظاهرات لم تملأ الميادين لتأجيل الانتخابات،، بل للانتهاء من الانتخابات الرئاسية، ولذلك لا أظن أن سيناريوهات التأجيل التى تملأ المشهد السياسى ستكون بناء على طلب المواطنين، بل بفعل وأيدى بعض السياسيين، وعلى الرغم من الفصل بين مسارى الدستور والرئاسة، فإن سلوك الإخوان فى تأسيسية الدستور قد يكون مؤشراً لمصير انتخابات الرئاسة، فإن عاد الإخوان إلى صيغة التوافق السياسى ووثيقتى الأزهر والتحالف ففى الأغلب سيختفى شبح تأجيل الانتخابات.