ننشر أسعار الذهب في مستهل تعاملات اليوم الأحد 2 يونيو    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 2 يونيو 2024    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 2يونيو 2024    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: رئيس شعبة المخابز يتحدث عن تطبيق قرار الخبز    أسعار الخضار في الموجة الحارة.. جولة بسوق العبور اليوم 2 يونيو    الصحة العالمية تُحذر من أزمة صحية جديدة: الجائحة التالية مسألة وقت    سيناتور أمريكي: نتنياهو مجرم حرب ولا ينبغي دعوته أمام الكونجرس    وسام أبو علي: كهربا يوجهني دائمًا    خلال ساعات.. نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الفيوم    مصرع سيدة وإصابة آخر في حادث مروري بقنا    339 طالبًا بالثانوية الأزهرية بشمال سيناء يؤدون امتحاني الفقه والإنشاء    الفنان أحمد جلال عبدالقوي يقدم استئناف على حكم حبسه بقضية المخدرات    عاجل.. هذه الدولة العربية هي الوحيدة التي تحتفل بعيد الأضحى يوم الإثنين.. تعرف عليها    عبير صبري: وثائقي «أم الدنيا» ممتع ومليء بالتفاصيل الساحرة    ل برج الجدي والعذراء والثور.. ماذا يخبئ شهر يونيو لمواليد الأبراج الترابية 2024    ورشة حكي «رحلة العائلة المقدسة» ومحطات الأنبياء في مصر بالمتحف القومي للحضارة.. الثلاثاء    توقيف يوتيوبر عالمي شهير نشر مقاطع مع العصابات حول العالم (فيديو)    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارةً جويةً جنوب لبنان    مواعيد القطارات اليوم الأحد على خطوط السكك الحديد    عمرو السولية: معلول ينتظر تقدير الأهلي وغير قلق بشأن التجديد    الزمالك يدافع عن شيكابالا بسبب الأزمات المستمرة    الأونروا تعلق عملها في رفح وتنتقل إلى خان يونس    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    براتب 50 ألف جنيه شهريا.. الإعلان عن فرص عمل للمصريين في الإمارات    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    رئيس اتحاد الكرة السابق: لجوء الشيبي للقضاء ضد الشحات لا يجوز    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحب الأشياء إلى الله تعالى وأبغضها
نشر في الفجر يوم 23 - 04 - 2012

قال الشيخ عبد القادر الكيلاني ( رضي الله عنه ) : ما أكثر ما تقول كل من أحبه لا تدوم محبتي إياه فيحال بيننا إما بالغيبة أو بالموت أو بالعداوة.، وأنواع المال بالتلف والفوات من اليد .
فيقال لك : أما تعلم يا محبوب الحق المعنى المنظور إليه المغار عليه ؟،
ألم تعلم أن الله عزَّ وجلَّ غيور خلقك وتروم أن تكون لغيره؟ .
قال الإمام الغزالي ( رحمه الله تعالى ) : كل ما يزيد على قدر القوت فهو مستقر الشيطان فإن من معه قوته فهو فارغ القلب ، فلو وجد مائة دينار مثلاً على الطريق انبعث من قلبه عشر شهوات تحتاج كل واحدة إلى مائة دينار ، فلا يكفيه ما وجده بل يحتاج إلى تسعمائة أخرى ، فقد كان قبل وجودالمائة مستغنياً فالآن وجد مائة وظن أنه صار بها غنياً وقد صار محتاجاً إلى تسعمائة أخرى ، يشتري داراً يعمرها وجارية وأثاثاً وثياباً فاخرة وكل من ذلك يستدعي أشياء أخر تليق به ، وكل ذلك لا آخر له فيقع في هاوية آخرها عمق جهنم .
وقال الإمام الشعراني ( رحمه الله تعالى ) : اعتقادنا أن الأولياء لو كان أهل الدنيا كلهم أولاد أحدهم أو مال أهل الدنيا كله ماله ثم أخذه الله دفعة واحدة ما تغيرت منهم شعرة بل يفرحون أشد الفرح ،قال : وقد ذقنا ذلك ، فأحب ما إلي يوم يموت ولدي إظهارَ الرضا بالقضاء محبة للثواب .
وروي أن الفضيل بن عياض مكث ثمانين سنة لا يضحك إلا يوم مات ولده فإنه ضحك ، فقيل له فيه ؟ فقال :إن الله أحب أمراًفأحببته .وهذا لا يعارضه خبر البخاري أنه دعا لأنس بتكثير ماله وولده ، لأن فضل التقلل من الدنيا والولد يختلف باختلاف الأشخاص ، كما يشير إليه الخبرالقدسي : إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى . . . الخ . فمن الناس من يخاف عليه الفتنة بها وعليه ورد هذا الخبر ، ومنهم من لا يخاف عليه كحديث أنس وحديث( نعما المال الصالح للرجل الصالح). فإن رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) يخاطب كل إنسان بما يصلحه ويليق به .
قال الإمام الغزالي ( رحمه الله تعالى ) :من لم يسلك طريق الآخرة أنس بالدنيا وأحبها ، فكان له ألف محبوب ، فإذا مات نزلت به ألف مصيبة دفعة واحدة ، لأنه يحب الكل وقد سلب عنه ، بل هو في حياته على خطر المصيبة بالفقر والهلاك وذلك لأنه إذا كان له مال وولد أحبهما فتنقص وتجزي فتصير مشتركة بين الله عزَّ وجلَّ وبين غيره والله تعالى لا يقبل الشريك وهو غيور قاهر فوق كل
شيء غالب لكل شيء ، فيهلك شريكه ويعدمه ليخلص قلب عبده له من غير شريك فيتحقق حينئذ قوله عزَّ وجلَّ : يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ .
، كما نرى من بعض الناس قد كرّس كل حياته ودنياه لأولاده وأهله بحيث قد ترك حظ نفسه هو ، لكن الله تبارك وتعالى عندما أخلصه لنفسه جعل لأولاده وأهله من حظ ذلك العبد جزءاً لا كلاً ، وجعله لهم معيناً من باب الرحمة والعطف المأمور به لهم ، فلم يشتغل بهم بالكلية ولم ينشغل عنهم بالكلية ، فهو كله منشغل بالله تعالى منقاد لأمره مستسلم لاختياره .حتى إذا تنظف القلب من الشركاء والأنداد من الأهل والمال والولد واللذات والشهوات وطلب الولايات والرئاسات والكرامات والحالات والمنازل والمقامات والجنات والدرجات والقربات والزلفات، فلا يبقى في القلب إرادة ولا أمنية،يصير كالإناء المنثلم الذي لا يثبت فيه مائع لأنه أنكسر لفعل الله عزَّوجلَّ ، كلما تجمعت فيه إرادة كسرها فعل الله وغيرته فضربت حوله سرادقات العظمة والجبروت والهيبة، وأحضرت من دونها خنادق الكبرياء والسطوة فلم يخلص إلى القلب إرادة شيء من الأشياء، والكرامات والحكم والعلم والعبادات
، فإن جميع ذلك يكون خارج القلب فلا يغار الله عزَّ وجلَّ بل يكون جميع ذلك كرامة من الله لعبده ولطفاً به ونعمة ورزقاً ومنفعة للواردين عليه،فيكرمون به ويرحمون، ويحفظون لكرامته على الله عزَّ وجلَّ فيكون خفيراً لهم وكنفاً وحرزاً وشفيعاً دنيا وأخرى .
وأكثر من كان مجاب الدعوة من السلف كان يصبر على البلاء ويختار ثوابه ، ولا يدعو لنفسه بالفرج منه ، وقد روى أن سعد بن أبي وقاص ( رضي الله تعالى عنه ) كان يدعو للناس لمعرفتهم له بإجابة الدعوة ، فقيل له : لودعوت الله لبصرك ؟ وكان قد أضر فقال : قضاء الله أحب إليّ من بصري .
وابتلي بعضهم بالجذام فقيل له : بلغنا أنك تعرف اسم الله الأعظم فلوسألته أن يكشف ما بك ؟ فقال : يا ابن أخي إنه هو الذي ابتلاني وأنا أكره أن أرده . وقيل لإبراهيم التيمي وهو في سجن الحجاج : لو دعوت الله تعالى؟ فقال : أكره أن أدعوه أن يفرج عني مالي فيه أجر . وذكر لرابعة رجل له منزلة عند الله وهو يقتات بما يلتقطه من المنبوذات على المزابل فقال رجل: ما ضر هذا أن يدعو الله أن يغنيه عن هذا ، فقالت رابعة ( رحمها الله تعالى ) : إن أولياء الله إذا قضي الله لهم قضاء لم يستسخطوه . وكان حيوة بن شريح ضيق العيش جداً فقيل له : لو دعوت الله أن يوسع عليك ؟ فأخذ حصاة من الأرض فقال : اللهم اجعلها ذهباً فصارت تبرة في كفه وقال : ما خير في الدنيا إلا الآخرة ، ثم قال : هو أعلم بما يصلح عباده . وربما دعا المؤمن المجاب الدعوة بما يعلم الله الخيرة له في غيره ، قال : فلا يجيبه إلى سؤاله ويعوضه مما هو خير له إما في الدنيا أو في الآخرة .
ومحبة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وتيسير ألطافه وهدايته وإفاضة رحمته عليه هذه مبادئها .
وأما غايتها، فكشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته ، فيكون كما قال في الحديث :( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره . . .)
وعن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) : إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال : إني أحب فلاناً فأحبه . قال : فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، قال : ثم يوضع له القبول في الأرض . وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلاناً فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه ، قال :فيبغضونه ، ثم توضع له البغضاء في الأرض .
إن المحبة والبغضة اللتين تقعان في القلوب لا اكتساب لهم فيها ولا اختيار، وإنهما تحصلان في القلوب بما لا يستطيعون دفعه عنها كحديث النفس ، فلا يحمدون ولا يذمون .
فإن قلت : هذا قد حمد ولا يكون ذلك إلا باكتسابه إياه فهذان متضادان ؟ قلت : لا تضاد لأن في الأول أن محبة الله عبده إنما تكون بعد أن كان منه ما أحبه عليه قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ آل عمران ، 31 ، فإذا أتبعوه صاروا أولياء ،فألقى في قلوب عباده محبتهم فيحبونهم باختيارهم فيثيبهم ، كمثل إلقائه في قلوبهم الإيمان وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَوَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ الحجرات / 7 ، وكذلك من أبغضه بترك الأتباع وفعل الابتداع صار عدو الله ، فيوقع في قلوب من يشاء من عباده بغضه فيبغضونه باكتسابهم فيؤجرون على بغضهم إياه .
وعن أبي ثعلبة الخشني ( رضي الله عنه ) أن رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) قال : إن أحبكم إلى الله وأقربكم مني أحسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إلى الله وأبعدكم مني الثرثارون المتفيهقون المتشدقون .وعن سيّدنا عليّ ( كرم الله تعالى وجهه ) قال : سمعت رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) يقول : يخرج قوم أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ،يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فإن أدركتهم فاقتلهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة .
وعن قتادة بن النعمان ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله (( صلى الله عليه وسلم : إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا ، كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء .وذلك لأن الإمعان في الدنيا يضر في العقبي كما أن الإمعان في طلب الآخرة يضر في فضول الدنيا .
وعن معاذ بن جبل ( رضي الله تعالى عنه ) قال : سألت رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله
وعن الحارث بن زياد ( رضي الله تعالى عنه ) صاحب رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) قال رسول الله ((صلى الله عليه وسلم )) : من أحب الأنصارأحبه الله يوم يلقاه ، ومن ابغض الأنصارابغضه الله يوم يلقاه .
إن العبد تحجبه ذنوبه عن الله في الدنيا قلباً وفي الموقف غداً بدناً ،
وإن حسن الخلق منيحة من الله لعبده ، لأن الأخلاق في الخزائن ، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً منها ليدر عليه ذلك الخلق كرائم الأفعال ومحاسن الأمور فيظهر ذلك على جوارحه فيزداد العبد بذلك محبة توصله إليه في الدنيا قلباً وفي الآخرة بدناً .وحب الله عبده يمحق الذنوب محقاً ويتركه من آثامه عطلاً ، وإذا أحب الله عبداً أهدى إليه خلقاً من أخلاقه ، وإذا رحم الله عبداً أذن له في عمل من أعمال البر فهذه ثمرة الرحمة وتلك ثمرة المحبة .
وعن عبد الله بن مسعود ( رضي الله عنه ) عن النبيّ (( صلى الله عليه وسلم)) قال: إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب ، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الإيمان .
وقال بعض أصحاب النبيّ (( صلى الله عليه وسلم )) : والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله ، إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ، ويحببون عباد الله إلى الله ويسعون في الأرض بالنصيحة والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحبة إزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه ، كما قال بعض السلف : وددت أن هذا الخلق أطاعوا الله وأن لحمي قرض بالمقاريض .
وعن أنس ( رضي الله عنه ) أن النبيّ (( صلى الله عليه وسلم )) قال : إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله ، قال فقيل : كيف يستعمله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت .
وعن جرير بن عبد الله ( رضي الله عنه ) أن النبيّ (( صلى الله عليه وسلم)) قال : إن الله عزّ وجل ليعطي على الرفق مالا يعطي على الخرق ، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق ، ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا .
والرسل إلى الخلق عطايا من ربنا سبحانه وتعالى ، رحمهم فبعثهم إليهم ليهديهم ويذهب عنهم بؤس فقر الكفر ويجبر كسيرهم ، وربنا عز وجل قد رحمنا فبعث إلينا سيّدنا محمّداً(( صلى الله عليه وسلم )) عطية وهدية ، فجعل الإيمان والإسلام في العطية وحكمة الإيمان والإسلام في الهدية ، وذلك قوله تعالى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الجمعة/ 2 ، فحكمة الإيمان والإسلام هدية لهذه الأمة بمبعث سيّدنا محمّد (( صلى الله عليه وسلم )) خاصة فضلاً على الأمم .والهدية كنوز المعرفة من خزائن السموات احتظى بها من هذه الأمة حتى صارواموصوفين في التوراة صفوة الرحمن ، وفي الإنجيل حكماء علماء أبرارا أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء ، وقال تعالى قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُوَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ آل عمران / 73 .
ثم منَّ الله على مختاريه من ولد آدم من كل ألف واحد ، فوضع فيه الخيرحتى صار مختاراً ، ثم منَّ عليه بنور التوحيد ، وفي جوف ذلك النور نورالمحبة ، فلما وجدت النفس حلاوة نورالمحبة رفضت حلاوة عبادة الأوثان وقبح عنده الشرك وقويت بصيرته ، فهتكت كل حجاب بينه وبين ربه ، وصدرت أعماله من صدره إلى الأركان على مشاهدة النفس ومعاينة القلب محل المقاديروالقضاء من ملك الجبروت وذلك قوله تعالى قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوإِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يوسف / 108 .
فلم يجعل الدعاء على بصيرة إلا لتابعي سيّدنا محمّد (( صلى الله عليه وسلم )) وتابعوه من هاجر عما نهى الله عنه ونصر الحق في كل موطن وكان له السبق ، فهذا عبد قد رضي الله عنه وأعطاه حبه فأحبه فاحتدت بصيرته حتى انتهت إلى المقام بين يدي الله ، فباطن الأشياء له معاينة كظاهر الأشياءلأهل الغفلة .
قال سيّدنا محمّد رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنورالله .
فإذا أدى الفرائض وهو إقامة الأمر والنهي فقد هاجر ، وإذا تنفل بعد إقامة الأمر والنهي فقد نصر الحق ، وإذا قطع العلائق نال السبق ، لأنه قد انفلت من المتعلقين فعاد إلى ربه فهذا التابع بإحسان ، قال الله تعالى :وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِوَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُالْعَظِيمُ التوبة / 100 .
فالسبق والأولية في كل أمر وعمل لهذه الطبقة التي هاجرت عن الآثام ونصرت الحق ، فهم أهل الرضاء ومحبو الله ، لأنهم اتبعوا رأس المحبين سيّدنا محمّداً (( صلى الله عليه وسلم )) فنالوا من تلك المحبة التي أعطي سيّدنا محمّد (( صلى الله عليه وسلم )) ، قال الله تعالى في تنزيله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ آل عمران / 31 .فجعل إتباع سيّدنا محمّد (( صلى الله عليه وسلم )) عَلَماً لمحبة الله ،فمن اتبعه صدقاً نال حبه صدقاً .لأن الحب في القلب والحرص في النفس ، فلولا التثبيت لأفتتن فأعلمه المنة عليه بالعصمة .
وإن خطر الحب عظيم، وأنه يسبي القلب، فإذا لم يكن له ثبات ذهبت قوة القلب وطارت به، لغلبة الفرح الذي في الحب التي طارت فصدمت بها جبلاً فتكسرت قطعة قطعة، وتبددت كنوزه في بحر الغيب غرقاً .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.