محافظ القليوبية يتابع منظومة النظافة والإشغالات بشبرا الخيمة والخصوص    بينهم مسؤول إيراني وسويدي متهم بالتجسس لصالح إسرائيل.. طهران وستوكهولم تعقدان صفقة لتبادل الأسرى    مخاوف أمريكية من جرها لحرب مع حزب الله على يد إسرائيل    "أبو عبيدة" يطلب من الحجاج الدعاء لفلسطين    كم تكبدت الولايات المتحدة جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟    عاجل.. قائمة الأرجنتين النهائية في كوبا أمريكا 2024    محمد شريف يعلن تفاصيل فشل انتقاله ل الزمالك    621 مليون مستفيد ومستمع لترجمة خطبة عرفة عالميًا    قصور الثقافة بالدقهلية تنظم لقاءات توعوية احتفالا بيوم مكافحة عمل الأطفال    الليلة.. عمرو دياب يبدأ سلسلة حفلات عيد الأضحى ببيروت    نقل حفل كاظم الساهر من هرم سقارة ل القاهرة الجديدة.. لهذا السبب    خطبة وقفة عرفات الكبرى: الشيخ ماهر المعيقلي يخاطب أكثر من مليوني حاج    تويتر HD بث مباشر مناسك الحج من جبل عرفات الآن Live دون تقطيع جودة عالية {لبيك اللهم لبيك}    مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يحذر الحجاج من الوقوف في منطقة تقع على حدود جبل عرفات في السعودية ويشير إلى أنها "يفسد الحج".    «دعاء ذبح الأضحية».. «إِنَّ صلاتي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ»    عاجل- ما هو حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. الإفتاء تجيب    محافظ المنوفية: رفع درجة الاستعداد بجميع المستشفيات خلال عيد الأضحى    وفاة حاج عراقي علي جبل عرفات بأزمة قلبية    بعثة من المجموعة الإنمائية «SADC» تطلع على التجربة المصرية في التعليم الرقمي    عروض الأضحى 2024.. «يوم عاصم جدا» يعود من جديد على مسرح السلام    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثالث من يونيو 2024    كل ما تريد معرفته عن خاصية الرد الآلي على استفسارات الخدمات الإلكترونية لوزارة الداخلية    «رياضة القليوبية» تفتح 120 مركز شباب لصلاة العيد أمام المواطنين    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري يوم السبت 15 يونيو 2024    تداول 12 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    ميسي يتصدر قائمة الأرجنتين النهائية لبطولة كوبا أمريكا 2024    مستشفيات جامعة عين شمس تستعد لافتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية    الكشف على 900 حالة خلال قافلة نفذتها الصحة بمركز الفشن ببنى سويف    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الترجمة التخصصية باللغة اليابانية بآداب القاهرة    موندو ديبورتيفو: نيوكاسل يخطط لضم ثنائي برشلونة    تعرف على المقصود برمي الجمرات.. والحكمة منها    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة مياه الصرف الزراعي تدخل «جينيس» ب4 أرقام قياسية جديدة    جورج كلونى وجوليا روبرتس يشاركان فى فعالية لجمع التبرعات لحملة بايدن    عن عمر يناهز 26 عاما.. ناد إنجليزي يعلن وفاة حارس مرماه    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بحلول عيد الأضحى    تخصيص 206 ساحات و8 آلاف مسجد لأداء صلاة عيد الأضحى بسوهاج    الصحة السعودية: لم نرصد أي حالات وبائية أو أمراض معدية بين الحجاج    تفاصيل مقتل 8 جنود حرقا أثناء نومهم داخل مدرعة في غزة    نزلا للاستحمام فغرقا سويًا.. مأساة طالبين في "نيل الصف"    تدعم إسرائيل والمثلية الجنسية.. تفاصيل حفل بلونديش بعد المطالبة بإلغائه    شروط تمويل المطاعم والكافيهات وعربات الطعام من البنك الأهلي.. اعرفها    ما أفضل وقت لاستجابة الدعاء في يوم عرفة؟.. «الإفتاء» تحددها    قبل انطلاق كوبا أمريكا.. رونالدينيو يهاجم لاعبي "السامبا"    رئيس «النيابة الإدارية» يهنئ السيسي وشعب مصر بعيد الأضحى    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    البحيرة.. غلق مخابز ارتكبت مخالفات في كفر الدوار    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    محمد رمضان يكشف عن أغنيته الجديدة "مفيش كده".. ويعلق: "يوم الوقفة"    هالة السعيد: 8.6 مليار جنيه لتنفيذ 439 مشروعا تنمويا في البحيرة بخطة عام 2023-2024    يسع نصف مليون مصلٍ.. مسجد نمرة يكتسى باللون الأبيض فى المشهد الأعظم يوم عرفة    «التموين»: صرف الخبز في المدن الساحلية دون التقيد بمحل الإقامة المدون بالبطاقة    ننشر أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى في السويس    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة في وقفة عرفة    5 أطباق بروتين للنباتيين في عيد الأضحى.. «وصفات سهلة ومغذية»    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    بعد تدخل المحامي السويسري، فيفا ينصف الإسماعيلي في قضية المدافع الفلسطيني    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفتى إبراهيم.. دروس نظرية وعملية
نشر في الفجر يوم 07 - 07 - 2014

قصَّ الله تعالى علينا كثيراً من تفاصيل حياة سيِّدنا إبراهيم عليه السلام، وكان من بين أكثر تلك القصص تَكراراً وإعادةً قصَّة تحطيمه للأصنام التي كان أبوه وقومه يعبدونها من دون الله تعالى؛ لِما تنطوي عليه من العبرة العظيمة، لذلك كان من اللازم على كلِّ مسلمٍ معرفة تفاصيل هذه القصَّة.

الدفاع عن الهداية المبكِّرة

بدأت علامات النبوغ الفكريِّ والرشاد بالظهور على سيِّدنا إبراهيمَ عليه السلام منذ نعومة أظفارِه طِفلاً، حتَّى كان ذلك النبوغُ لافتاً للأنظار، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51]، فكان قلبه أطهر قلبٍ على وجه الأرض، وأطوعها لربِّها سبحانه، وقد بَزَغ نجمُ ذلك الرَّشاد ساطعاً على أفق فكره عليه السلام في سِياقِ قصَّة تأمُّله وتفكُّره واستدلاله العقليِّ النقيِّ على توحيد الله تعالى، وهو يقلِّب نظرَه في مَلَكوت الخالق سبحانه بين الكوكب والقمر والشمس، بعدَ أن أنكَرَ على أبيه (آزَر) واستهجَن منه ومن قومه عبادتَهم الساذجةَ للأصنام الجامدة الهامدة العاجزة.

وابتدأ هذا الطفل النابغة بإحراج أبيه ومن ثمَّ أقاربه، وكلِّ معارفه بمطارحاته الفكريَّة المبهرة المتكرِّرة يوماً تلوَ الآخَر، وهو يجادلهم بالحجج العقليَّة والبراهين المنطقيَّة على صحَّة ما يدعوهم إليه من توحيد الله الخالق سبحانه، مرتكزاً على الفِطرة النقيَّة قبل أن ينزل عليه الوحيُ، ويظهر جليّاً لنا من قول الله تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ.

قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ. قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ. قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [الأنبياء: 52-56]، أنَّه عليه السلام كان يجادل قومَه وهو في سِنِّ أبناء اللعب واللَّهو من الأطفال؛ لذلك لم يأبهوا لكلامه أوَّل الأمر ولم يُلقوا له بالاً، لكنَّه كان مصرّاً على إيقاظهم من غفلتهم.

إسقاط الوثنية بالحجة والبرهان

استمرَّ ذلك الفتى الرشيد ثابتاً على موقفه الواعي في توجيه قومِه إلى سبيل الرشاد، وازدادَ ثباتاً بهداية الله تعالى له وإرشاده، وتحمَّل المصاعبَ والمتاعبَ في سبيل إعلاء كلمة الحقِّ، يواجهها وحيداً فريداً بعدَ أن طَرَده أبوه وأمره باجتنابه، حتَّى بلغَ سِنَّ الفتوَّة، وأثبتت له السنوات المتكرِّرة مدى رسوخ الضلالة في نفس أبيه (آزر) وقومه، وشدَّة تعلُّقهم بالأصنام التي كانت نابعةً من ارتباط مصالحهم الشخصيَّة ومنافعهم الدنيويَّة المادِّية بها وجوداً وعدماً، فما كان منه إلَّا أن يُصارحَهم بهذه الحقيقة كونهم يعتمدون على جَهل الناس وترويج الكذب والضلال بينَهم؛ ليأكلوا أموالَ الناس بالباطل.

ولَمَّا يئس من استجابة ضمائرهم وعقولهم لبراهينه القاطعة؛ قرَّر أن يسقط أصنامهم بما تمثِّله من مصالحهم الخاصَّة الفاسدة في الاهتداء إلى معرفة ربِّها الحقِّ سبحانه وعبادته، فأبلغَهم نيَّته وعزمه على إزاحة هذه العقبات التي تحول بينَ الناسِ وبينَ إدراك الحقيقة التي اهتدى إليها، وأقسم لهم أنَّه سيكيد أصنامَهم هذه حتَّى يزيلَها من الوجود {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57]، وابتدأ سيِّدنا إبراهيمَ عليه السلام تحضيراته لتنفيذ ما التزم به وأقسم بالله تعالى على إنجازه.

التخطيط لإسقاط الأصنام

ولَمَّا رأى سيِّدنا إبراهيم عليه السلام أنَّ الجدالَ النظريَّ لا يُجدي نفعاً مع أبيه وقومه؛ قرَّر أن يلقِّنهم درساً عمليّاً؛ يثبت لهم فيه بما لا يقبل الشكَّ صحَّة ما كان يخبرهم به من حقارة شأن هذه الأصنام، وكانت خطَّته تتلخَّص في تكسير الأصنام في وقتٍ واحدٍ، وتحطيمها إلى أجزاء صغيرةٍ، وترك الصنم الأكبر من دونها سليماً؛ ليُحرِج الناسَ عند مواجهتهم لهذه الكارثة بالرجوع إليه ليحلَّ لهم هذه القضيَّة المشكلة ويبيِّن لهم المخرجَ منها..

وليدافع عن نفسه من التهمة التي سيوجِّهها إليه سيِّدنا إبراهيم عليه السلام على رؤوس الأشهاد، كونه هو الذي حطَّم رفاقَه في المهنة، ليستولي على القرابين المقدَّمة إليهم، فاختار سيِّدنا إبراهيم عليه السلام يوماً من أيام أعياد المشركين التي يجتمعون فيها عند أصنامهم ليقدِّموا لها القرابين، وكان عليه أن يقوم قبلَ تنفيذ خطَّته يومَها بخطوةٍ تمهيديَّة تجعل قومَه لا ينتبهون إلى تحرُّكاته..

فوجد أنَّ أفضل ما يفعله لصَرف أنظارهم عنه أن يدَّعي إصابته بمرضٍ شديدٍ معضلٍ يجعله في نظرهم طريحَ الفراش وأن يفعل ذلك قبل يوم القرابين بمدَّة زمنيَّة كافيةٍ لتجعل قومه مطمئنِّي الجانب من ناحيته غيرَ متوجِّسين منه.

تنفيذ المخطَّط

انطَلَت حيلةُ المرض الشديد على القوم؛ وانصرفوا إلى يوم عيد آلهتهم مطمئنِّين فرِحين معتقدين أنَّ آلهتَهم قد انتقمت بذلك المرض من هذا الفتى الذي تطاوَل عليها أمامَ الناس وحقَّر شأنها، أمَّا سيِّدنا إبراهيم عليه السلام؛ فقد تركهم يغرقون في نشوتهم العمياء منتظراً الفرصةَ السانحةَ لتنفيذ مخطَّطه.

وجاءت اللحظة المرتقبة بعدَ أن انتهى قومه من مراسم عيدهم بتقديم القرابين لأصنامهم وانصرافهم عن المعبد إلى أوكار ملذَّاتهم، فتسلَّل سيِّدنا إبراهيم خلسةً عن الأنظار ودخل إلى المعبد ليجد أصناف الطعام مكدَّسةً أمام هذه الأصنام الصمَّاء، وراح يستهزئ بهذه الأصنام، ثمَّ انهال عليها تكسيراً وتحطيماً دون أن يُحدث ضجَّةً تلفت الانتباه إلى وجوده في المعبد، {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ.

مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ. فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} [الصافات: 88-93]، فما زال يضرب الأصنام حتَّى جعلها حطاماً، وترك الصنم الأكبر وجَمَّع القرابين عندَه على حسب ما كان خطَّط له من قبل {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 58]، فلمَّا انتهى من مهمَّته عاد أدراجه إلى فراشه دون أن يترك وراءَه أيَّ أثرٍ يدلُّ على تدخُّلٍ بشريٍّ في المكان، منتظراً أصداءَ الحدَث الكبير بين الناس.

أصداء الحدث الكبير

ماجَت المدينة بأهلها مع انتشار الخبر واكتشاف الحادثة وأخذت أصوات الجموع تتعالى مستنكرةً مستهجنةً هذه الجريمة، {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}، وتذكَّر بعضُ الحاضرين أنَّ هناك شخصاً سمعوه مرَّةً يهاجم هذه الآلهة ويتوعَّدها، فقرَّروا إحضارَه للمحاكمة والمحاسبة العلنيَّة وانطلقوا إلى محلِّ إقامته يركضون مسرعين، وأقبل سيِّدنا إبراهيم عليه السلام معهم إلى موقع الحادثة؛ ليكمل ما بدأه من تفاصيل الدرس العمليِّ.

وأمامَ مشهد الأصنام المحطَّمة وبمحضر الجماهير الغفيرة المغرَّر بها، ألقى سيِّدنا إبراهيم عليه السلام برهانه العقليَّ الساطع ليُنيرَ عقولَ الحاضرين الشاهدين، واغتنم منظر الصنم الأكبر السليم من الأذى وقد تَجمَّعت القرابين كلُّها عندَه ليصفعهم بالحقيقة الموقظة، ووصل إلى الغاية التي كان يريد من هذه الحادثة، ووضع الناس في مواجهةٍ مباشرةٍ مع أصنامهم التي يزعمون أنَّها ترعاهم وتنير طريقَهم، فكأنَّه قال لهم:

(لو كنتُ أنا الفاعل لحطَّمتها جميعاً، لكن يبدو أنَّ كبيرَهم قد أصابه الطمعُ؛ فاستولى على كلِّ القرابين وحطَّم رفاقه، وهاتان مشكلتان تستدعيان هذه الأصنامَ أن تتكلَّم؛ لتبيِّن لكم حقيقةَ ما جَرَى في المعبد من جهةٍ، وليدافع الصنم الأكبر عن نفسه من هذه التهمة من جهةٍ أُخرى)، وكانت النتيجة المنتظرة في صحوةٍ مؤقَّتةٍ، لكنَّهم ما لبثوا أن عادوا إلى انتكاستهم الفكرية الأُولى، فما كان من سيِّدنا إبراهيم عليه السلام إلَّا أن وبخهم {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 64-67]

هنا ثارت ثائرةٌ القوم لينتقموا لكرامتهم التي أهينت، مدَّعين انتصارَهم لأصنامهم، وكان القرار ببنيان بيتٍ عالٍ يجمعون فيه ما استطاعوا من الحطب؛ ليوقدوا ناراً عظيمة القَدر، ثمَّ ليرموا في لهيبها هذا الفتى الذي التزم الصمتَ، واكتفى بمناجاة ربِّه سبحانه؛ راضياً بأن يقدِّم نفسَه قرباناً خالصاً لوجهه الأعلى، متوكِّلاً عليه فيما يشاء، جامعاً كلَّ رجائِه بالله تعالى في كلمةٍ واحدةٍ يردِّدها ويا لها من كلمةٍ، يقول عبدالله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما:

(كان آخِرَ قول إبراهيمَ حينَ أُلقي في النار: حَسبي الله ونِعمَ الوكيلُ)، وقد وفَّى الوكيلُ سبحانه وحَمَى عبدَه وقَلَب على المشركين كيدَهم؛ فحوَّل بنيانَهم وجحيمَه إلى واحةٍ باردةٍ، وجعل ما قاموا بالتحضير له بقصد إهانة هذا الفتى معجزةً شاهدةً بصدقه ونبوَّته {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 69-70].

وخرج الفتى المؤيَّد برضا ربِّه منتصراً، وأصبح هو في موضع القوَّة تجاه أبيه وقومه الضعفاء، فأعلن لهم براءتَه منهم ومن ضلالهم، وصار بذلك قدوةً لكلِّ مؤمن صادقٍ عبر الأجيال {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]، ثمَّ ما لبث أن جاءه أمر الله تعالى بالهجرة إلى أرض الشام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.