فيما نهض مثقفون وكتاب وأدباء مصريون بدور كبير في ثورة 25 يناير والتمهيد لها ومناهضة النظام الاستبدادي السابق فإن إشكالية المثقف والسلطة تبدو جلية وتثار من حين لأخر كما حدث في حالة الكاتب والرئيس التشيكي السابق فاكلاف هافل الذي تعرض لهذه الإشكالية في مذكراته بينما يتردد السؤال الآن عن إمكانية ترشيح أحد الكتاب أو المثقفين المصريين البارزين في انتخابات الرئاسة المقبلة. وفى ربيع الحرية المصري .. انخرط بالفعل عدد من الكتاب والأدباء البارزين في أنشطة سياسية وتصريحات لوسائل الإعلام ومقابلات صحفية وندوات وملتقيات حول المستقبل السياسي للبلاد ، غير أن أيا منهم لم يعلن حتى الآن عزمه ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليواجه إشكالية المثقف والسلطة التي عانى منها فاكلاف هافل وعبر عنها في مذكرات تناولت سنوات وجوده في السلطة. وتولى الكاتب المسرحي فاكلاف هافل الذي يوصف بأنه "قائد الثورة المخملية" منصب الرئاسة مرتين الأولى لجمهورية تشيكوسلوفاكيا منذ أواخر عام 1989 حتى استقالته من هذا المنصب في شهر يوليو عام 1992 بعد تقسيم البلاد والثانية عندما أصبح رئيسا لجمهورية التشيك الجديدة في عام 1993 حيث استمر في منصبه الرئاسي هذه المرة لعقد كامل. واختار هافل عنوانا طريفا لمذكرته وهو "باختصار من فضلك" والتي تعرض فيها لقضايا شائكة ومثيرة للجدل من بينها نزاعه مع فاكلاف كلاوس الذي عمل رئيسا لحكومة التشيك في فترة رئاسته للجمهورية ثم خلفه في المنصب الرئاسي.وكان الخلاف بين الرئيس التشيكى السابق الأديب فاكلاف هافل ورئيس الحكومة فاكلاف كلاوس قد تحول إلى قضية خطيرة شغلت الرأي العام التشيكي في أول عقد للجمهورية الجديدة بعد سقوط النظام الشيوعي. وكخبير له رؤى اقتصادية ومالية ذات ملامح موغلة في الرأسمالية وكمسئول عمل كوزير لمالية تشيكوسلوفاكيا قبل أن يتولى منصب رئاسة حكومة جمهورية التشيك – عمد فاكلاف كلاوس لفرض هذه الرؤى وتشجيع الخصخصة بشدة في الجمهورية الجديدة فيما كانت المشكلة الحقيقية في التطبيق حيث انتشر الفساد بصورة غير مسبوقة. وازداد الخلاف حدة بين الرئيس الأديب ورئيس الحكومة الخبير وامتد للمجال السياسي عندما اتجه فاكلاف كلاوس للانشقاق على "تجمع المنتدى المدني" كحركة ديمقراطية جامعة تمكنت بقيادة فاكلاف هافل من القيام بدور فاعل أثناء الثورة المخملية في نهاية عام 1989 وإقصاء الحزب الشيوعي الشمولي عن السلطة وتشكيل الحزب الديمقراطي المدني الذي نال غالبية في الانتخابات البرلمانية. وكان فاكلاف هافل أكثر ليبرالية على الصعيد السياسي ويتبنى كرئيس ثقافة سياسية جديدة ترتكز على التنوع وحق الاختلاف مع الانحياز اقتصاديا للفئات المحدودة الدخل والمتضررين من الخصخصة ، وكانت شخصيته مختلفة تماما عن شخصية رئيس حكومته فهو متواضع وخجول بينما فاكلاف كلاوس معتد بذاته ومستعد دوما للصدام مع الأخرين ومن ثم كان لابد من الصدام والفراق بين الرجلين.وخلافا لشخصيته الخجولة تعرض الرئيس التشيكى السابق الأديب فاكلاف هافل – بقلم جرىء - في مذكراته التي صدرت بعنوان "داخل قصر الرئاسة وخارجه" لهذا الخلاف الحاد مع رئيس حكومته .. معتبرا أن فاكلاف كلاوس وفريقه أشبه "بالمجوهرات المزيفة ". والواضح من هذه المذكرات أن السياسة شدت فاكلاف هافل بعيدا عن الكتابة والفن كما أن نفسه مفعمة بالمرارة من فاكلاف كلاوس الذي تولى فيما بعد منصب الرئاسة وهو وإن كان يدرك مقتضيات السياسة وألاعيبها ومكائدها فإنه ككاتب ليس بمقدوره التخلي عن الضمير أو التنازل من أجل البقاء في السلطة. ومن هنا فإن هذه المذكرات تجسد على نحو ما إشكالية المثقف والسلطة وهى إشكالية مطروحة في العالم كله فيما باتت تفرض نفسها على الساحة المصرية مع انخراط مثقفين في العمل السياسي ودورهم في ثورة 25 يناير. وإذا كان الكاتب الروائي المصري الدكتور علاء الأسواني يبدو في صدارة المثقفين الذين انخرطوا في الأنشطة السياسية فإنه يرى أن ثورة 25 يناير غيرت مفهوم السلطة في منطقة الشرق الأوسط كلها ، مؤكدا باستمرار على أن "الديمقراطية هى الحل". ومن حين لآخر .. يحمل الفضاء الافتراضي على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وخاصة "الفيس بوك" دعوات لعلاء الأسواني بترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة غير أنه أحجم عن التعليق على هذه الدعوات وعندما سألته صحيفة (نيويورك تايمز) فيما إذا كان يطمح لمنصب وزير الثقافة اكتفى الأسواني بابتسامة ودعا الكاتب الروائي المصري الدكتور علاء الأسواني شعب مصر الى أن يفخر بثورته العظيمة والفريدة في جوانب كثيرة ، وأكد - في ندوة عقدت أمس الأول "بساقية العظيمة والفريدة في جوانب كثيرة ، وأكد - في ندوة عقدت أمس الأول "بساقية الصاوي" على أهمية مواجهة الثورة المضادة وكسب الكتلة الساكنة أو الصامتة. ويؤيد علاء الأسواني "الدولة المدنية الديمقراطية التي تكون فيها السيادة للشعب والسلطة للأمة .. دولة القانون والمؤسسات التي يستوي فيها المواطنون جميعا أمام القانون" ، منوها بأن نضال الشعب المصري منذ مطلع القرن العشرين كان دائما من أجل إقامة الدولة المدنية الديمقراطية. وفي مقابلة مع صحيفة (الجارديان) البريطانية وصف علاء الأسواني الثورة الشعبية المصرية بأنها "إنجاز عظيم للانسانية بأكملها وسيدون في تاريخ البشرية كلها" فيما اعتبرته الصحيفة "الكاتب الأكثر شهرة في مصر". ويشدد الروائي المصري الكبير بهاء طاهر على أهمية دور المثقفين والمبدعين في السياسة "لأنهم ضمير الأمة" ، وينفي غياب المثقفين عن المشهد السياسي .. مؤكدا على أنهم شاركوا بقوة في ثورة 25 يناير فيما كان النظام السابق يعمد لتغييب المثقفين ، وأعرب عن أمله في أن تغير الثورة وضع الثقافة والمثقفين. وفي الاتجاه ذاته ، قال الكاتب والأديب الدكتور محمد المخزنجي "إن المثقفين لعبوا دورا مهما في مناهضة النظام الاستبدادي السابق" ، معتبرا أن "مشكلة الثورة أنها كانت ثورة مبدعة ومن يأتي ليحكم بعد ذلك ينبغي أن يكون في نفس مستوى الإبداع" فيما يدعو علاء الأسواني "لترسيخ قيم ثورة يناير".وأشار الروائي المصري الكبير بهاء طاهر إلى أن بناء القيم الإيجابية يستغرق وقتا أطول بكثير من هدمها ، ونوه بأنه يعلق أمالا كبيرة على شباب ثورة 25 يناير غير أنه طالبهم بضرورة توحيد صفوفهم .. بينما رأى الكاتب والأديب الدكتور محمد المخزنجي أن نجاح ثورة يناير بداية الإنقاذ ويجب أن يكون هناك الآن مشروع للانقاذ في مقدمة أولوياته الحفاظ على تماسك الدولة. ولم يستبعد المخزنجي أن تكون ثورة 25 يناير بداية نهضة مصرية عربية .. مشيرا إلى أن النظام الذي أسقطه الشعب المصري كان يدمر البنية المستدامة ويقضي على إمكانات التنمية وفشل في أن يقدم للمواطنين الحرية والخبز ولهذا لم يكن ممكنا أن يستمر. وتحظى مسألة الدستور الجديد باهتمام واضح من المثقفين المصريين في إطار رغبة واضحة في وضع الأطر المؤسسية والدستورية للجمهورية الجديدة بعد ثورة 25 يناير ، بينما أعلن الدكتور علاء الأسواني أنه لايتفق مع هؤلاء الذين يطالبون بوضع الدستور أولا قبل الانتخابات. ويؤكد المخزنجي أن المثقف الحقيقي لايمكن أن يكون ذيلا لأحد لأنه يستشعر كرامته فيما شكل صعود المثقفين على مدى أكثر من قرن عاملا أساسيا في صياغة العالم المعاصر وقيادة البشرية كما يقول بول جونسون في كتابه "المثقفون" ومع ذلك فمن الطريف أنه هاجمهم بشدة مركزا على عيوبهم الشخصية وأطلق صيحة "حذار من المثقفين" .. مشيرا إلى أن أسوأ أنواع الاستبداد هو استبداد الأفكار الذي لايرحم. ويقول بول جونسون "حذار من المثقفين .. لايكفى أن يظلوا بعيدين عن مجال السلطة بل يجب أن يكونوا دائما محل شك كلما حاولوا أن يتصدوا للنقد الاجتماعي" ، مشككا حتى في صدقية بياناتهم ومؤتمراتهم.غير أن كثيرا من المثقفين في الغرب والشرق معا اعتبروا أن بول جونسون يعاني من مشكلة ما لأنه أطلق أحكاما عامة وخطيرة دون أدلة كافية أو دراسات متعمقة ثم أن هؤلاء الذين هاجمهم في كتابه وهم أصحاب أسماء لامعة بشدة مثل جان جاك روسو وتولستوى وهمنجواى لم يعد بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم لأنهم رحلوا منذ سنوات طويلة عن هذا العالم. ووفقا لتصريحات نشرتها وسائل الإعلام .. فإن الأديب والكاتب الروائي المصري صنع الله إبراهيم قد حسم أمره وأعلن أنه لن يعمل بالسياسة أبدا رغم أن هذا المثقف المصري الكبير شارك بهمة في الأنشطة المناهضة للنظام القمعي السابق حتى أنه رفض تسلم جائزة كبرى في ظل هذا النظام. ولن ينسى التاريخ ولا ذاكرة القارة السمراء أن ليوبولد سنجور أول رئيس للسنغال وأحد أهم المفكرين الأفارقة والأديب والشاعر العالمي الشهير قد تنازل عن منصب الرئاسة بمحض إرادته. أما الكاتب والرئيس التشيكي السابق فاكلاف هافل فيثق في حكم الشعوب والتاريخ مهما كانت المغالطات ومكائد الخصوم السياسيين. ولعل الأيام القادمة تحمل الإجابة القاطعة عما إذا كانت ظاهرة هافل يمكن أن تتكرر في مصر ويرشح أحد الكتاب نفسه لمنصب الرئاسة ليواجه إشكالية المثقف والسلطة.