والضحك هذا له أشكال كثيرة، بل له فلسفة كتب عنها فلاسفة كبار، حتى الأطباء تدخلوا فى الأمر، وقالوا إنه علاج، ويشفى أحياناً من بعض الأمراض، ومع كل هؤلاء استطاع علماء الطب النفسى أن يجدوا لهم مكاناً، وقالوا إنه مدخل لمعرفة الشخصية والبحث عن أغوارها أو سراديبها المخفية أو قل المخيفة أحياناً، ولكن اسمحوا لى أن أترك كل هؤلاء لأقف فى صف الطيبين وأمثالهم العامية أو أقوالهم المصرية.. الذكية والمحورية والتى تغوص فى النفس البشرية.. وأهلنا الطيبون يقولون لنا: ■ اضحك تضحك لك الدنيا
■ ضحكة صفرا
■ ضحك كالبكا
■ يا بخت من بكانى وبكا على ولا ضحكنى وضحك الناس علىَّ
■ ضحكة هبلة
ومعنى كل ما سبق وتذكرته مما قاله ناسنا وأهالينا، وباختصار أنك إذا قابلت أحزانك وآلامك بضحكة فسوف تضحك لك الدنيا، وفى نفس الوقت لا تكن صاحب ضحكة «صفرا» لئيمة لا يعرف لها صاحبك معنى أو مغزى ولا يحسب ما وراءها، وهل هو خير أم شر مستطير مثلا؟!، ثم حاذر من ضحك كالبكاء أى يشبه البكاء من فرط حزن صاحبه الذى يخفيه بضحكة، فربما انقلب إلى الضد، وعلى أى حال.. حاذر ممن يضحكك حتى لا تضحك الناس عليك، خصوصا إذا قصد من ذلك إبعادك عن حقيقة كان عليك أن تواجهها.. فالأفضل فى هذه الحالة أن تبكى قليلا بدلاً من الضحكة التى تضحك الناس عليك من فرط إغماض عينيك عن الواقع..
وأخيراً هذه الضحكة الهبلة، وعادة يقول عنها الفلاحون فى بلدنا فى المآتم، اعتذاراً منهم لمن يضحك فى سرادقات العزاء غير متحكم فى نفسه، فيقولون سريعاً الضحكة هبلة أى لا عقل لها يزن الواقع وظروف الحال والناس حتى فى الأحزان.
والآن.. وقبل أن تنتهى تأملاتى أرجو أن يبحث إخواننا إياهم عن معنى ضحكاتهم التى لا أراها إلا من النوع الأخير «أى الضحكة الهبلة» التى لا تشعر بظروف الحال ولا تقدر الواقع..، فبالله عليكم ماذا يضحك هؤلاء وقد أصابهم الفشل فى حكمهم حتى خرجت الجماهير ثائرة منددة بفاشيتهم واقتناصهم للفرص دون حق وإلى آخر ما نعرفه.
أليست «ضحكة هبلة» تلك التى نراها على هذه الوجوه التى سئمناها وهى تنطق بالغضب والتحريض مع ابتسامة هبلة أو مستهبلة ويقولون عنها «صدقة».. أو غير ذلك من كلمات أصبحت مكشوفة ومغروضة من الغرض.
ويا أيها الشباب الذى تغرك الكلمات أو الضحكات الهبلة تذكروا أن هناك من يبكيك ويبكى عليك ويكون خيراً ممن يضحكك ويضحك الناس عليك.. أيها السادة.. الضحك فلسفة.. الضحك معنى، الضحك فرحة، ولكن حاذروا «الضحك الأهبل» الذى يؤذى صاحبه قبل أن يؤذى غيره لأنه يبعده عن إدراك الواقع الحقيقى ويضعه فى مصاف «الهبل».