لم يعد آسر ياسين مجرد ممثل موهوب أو نجم سينمائى، فآسر تخطى هذه المراحل ليشكل حالة خاصة بالسينما المصرية، حالة يصعب تكرارها خلال هذه الأيام، التى يبحث فيها النجوم عن شركات إنتاج تمنحهم الملايين ليقدموا أفلاماً بغض النظر عن محتواها أو صلاحيتها، فالوضع مختلف مع آسر الذى قد تستغرب أنه دفع من جيبه الخاص وساهم فى إنتاج فيلم «فرش وغطا» بالاشتراك مع مخرج الفيلم «الموهوب» أحمد عبدالله والمنتج محمد حفظى، ليخرج الفيلم للنور.. هذه الحالة كما قلت يصعب تكرارها أو ظهورها خلال السنوات الأخيرة.. فالكل أصبح يبحث عن المكسب. آسر ياسين فى «فرش وغطا»، يصدمك، ليس لمرة واحدة ولكن لأكثر من مرة، فأنا واحد من الجمهور الذى صدمت فى المرة الأولى لمشاهدتى الفيلم، وتساءلت لماذا يقبل آسر ببطولة فيلم لا ينطق فيه لسانه بجملة واحدة مفهومة وهو بطل الفيلم؟ ولكننى قررت مشاهدة الفيلم مرة أخرى فى عرض ثان له خلال فعاليات مهرجان أبوظبى السينمائى، وخرجت من الفيلم وأنا مؤمن بأنه يستحق الفوز بجائزة أفضل ممثل بالدورة السابعة من المهرجان، آسر كما قال لى.. «إنه آمن بالفيلم منذ أن كان مجرد سيناريو قابل للتنفيذ أو التوقف»، والاحتمال الثانى كان الأقرب، لأنه من الصعب أن تجد فى مصر شركة إنتاج تتحمس لإنتاج فيلم بمواصفات فرش وغطا، فيلم تدور قصته عن شاب هرب من السجن ليلة اقتحام السجون الشهيرة فى التاسع والعشرين من يناير لعام 2011، هرب وهو يحمل معه تسجيلاً مصوراً لاقتحام السجون وكيف تمت العملية، وهى المشاهد الذى رسمها بحرفية عالية مخرج العمل أحمد عبدالله، مستخدما نفس حركة وإضاءة وتفاصيل كاميرا الموبايل وكانت مقدمة مهمة للفيلم.. لتتواصل أحداث الفيلم برحلة بطله آسر ياسين عن الفرش والغطا، فى أكثر من مكان وبين أشخاص غرباء عنه، فى اختفاء شبه تام للحوار إلا من خلال حوارات ترصد معاناة الشخصيات التى يمر بها البطل، ليبدو أن أحمد عبد الله مخرج العمل فضل التخلى عن الحوار بالفيلم، ليشعرك بأن أصوات هذه الطبقات تم إسقاطها فأصبحت غير مسموعة للجميع، فنحن لم نعد نهتم سوى بالتعديلات الدستورية ومرشحى الرئاسة وإرهاب الإخوان، وفيما مضى لم نهتم سوى باللجنة التأسيسية وفشل المجلس العسكرى، ووسط كل هذا نسينا الجزء الأهم من الثورة المصرية، وهم المهمشون من هذا الوطن الذين يسكنون القبور، ومقالب القمامة، وهم الأبطال الحقيقيون الذين اختارهم أحمد عبدالله لفيلمه، وراهن لإيصال صوتهم المحبوس والمشوش للجميع، من خلال مشاهد صادمة وإضاءة خافتة وأجواء تبعث على الاكتئاب فى بعض الأوقات، وهو ما لم يعجب البعض، فانتقدوا الفيلم وحاولوا تشويهه دون أن يخبرونا كيف يحاول أحمد عبدالله تجميل واقع هو فى الحقيقة هو أقبح ألف مرة مما أظهره عبدالله بكاميرته السينمائية، وهو ما لم يستوعبه عقل البعض، وفضلوا أن يذبحوا الفيلم بعبارات فارغة من نوعية أن الصورة لا تغنى عن الحوار ولا تحل محله، وأن التجريب فى السينما لا يكون بهذه الطريقة، متناسين أن المخرج من حقه اختيار الطريقة التى ينفذ بها مشروعه، لإيصال ما يريد للمتلقى، وأن مخرج فيلم فرش وغطا هو نفس مخرج فيلمى «هليوبوليس» و«ميكروفون»، الذى سبق وهللوا له واعتبروه من منقذى السينما المصرية، وللأسف يبدو أن وجهة النظر هذه، سيطرت على لجنة التحكيم بمهرجان أبوظبى السينمائى، ولم يتم منح آسر ياسين أو الفيلم أى جائزة، والحقيقة أن مسألة فوز آسر ياسين بجائزة أفضل ممثل بمهرجان أبوظبى لهذا العام، كان سيضيف للجائزة أكثر من إضافتها لآسر نفسه، ففى الوقت الذى خرج فيه الفيلم بدون جوائز بمهرجان ابوظبى، تم اختيار الفيلم ليفوز بجائزة أنتيجون الذهبية كأفضل فيلم بمهرجان مونبلييه لأفلام دول البحر المتوسط، فى نفس الوقت الذى فاز فيه فيلم آيتن أمين فيلا 69 بجائزة لجنة التحكيم الخاصة بمهرجان ابو ظبى وايضاً فوز الفيلم التسجيلى «القيادة فى القاهرة» للمخرج شريف القشطة، بجائزة أفضل فيلم وثائقى فى العالم العربى بمهرجان أبو ظبى السينمائى، لتنتصر سينما أحمد عبدالله ورفاقه ويصبح الأمل الوحيد للسينما المصرية هى السينما المستقلة التى أصبحت تمثل الإبداع السينمائى المصرى، وتحصد الجوائز بالمهرجانات العربية والأوروبية، ورغم كل هذا سيبقى أصوات المهمشين فى مصر غير مسموع لنا كما قدمهم أحمد عبدالله وراهن عليهم آسر ياسين فى فيلم «فرش وغطا» ليفضح بهم غباءنا!!