■ إخراج الشياطين من الجسد رغم أن هناك ما يسنده من الدين فإنه تحوّل إلى تجارة باسم الله والمسيح. لا يصدق مكارى يونان – كاهن العفاريت الشهير فى الكنيسة المصرية – إلا من يحتاجه، كما لا يصدق من يقدمون أنفسهم على أنهم معالجون بالقرآن الكريم من المشايخ – وهم كثيرون – إلا من يحتاجهم.. أو يتخيل أنه يحتاجهم. إيماننا بكتب الله السماوية يجعلنا نصدق أن هناك عالماً آخر، غامضاً ومراوغاً.. لا نعلم عنه شيئاً إلا ما ورد فى هذه الكتب، وهو بالمناسبة قليل جدا. نعرف فى الإسلام مثلا أن لدينا إبليس الذى هو رأس المعصية الذى أمره الله أن يسجد لآدم فأبى.. ولدينا الشيطان وهو العاصى من الجن.. أما الجن فهم جنس موجود ومنهم المسلم وغير المسلم.. بل إن الله أرسل لهم رسلا لهدايتهم.. كما جاء فى القرآن الكريم فى سورة سميت باسمهم «الجن». ويعتمد من يعملون على إخراج الجن من الجسد أن القرآن الكريم أشار إلى أن هناك ما يسمى بالمس، الآية الكريمة تقول: «كالذى يتخبطه الشيطان من المس».. وهو ما يعنى أن الشيطان يمكن أن يسكن جسم الإنسان، وهناك تأسيس آخر من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فعندما أشار إلى أن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم فى العروق، لم يكن يقصد المعنى المجازى، ولكن قصد المعنى المادى.. فالشياطين والجن تستطيع أن تسكن جسد الإنسان وأن تأخذ منه مقرا وموطنا. فى المسيحية يتم التعامل مع الشياطين على أنها الأرواح النجسة، وما يقوم به مكارى يونان ومن يسيرون على خطاه هو إخراج الأرواح النجسة من جسد الإنسان الذى هو هيكل الله – هكذا يوصف الجسد فى الكتاب المقدس -، وفى العقيدة المسيحية أن المسيح – الذى هو أقنوم الابن- عندما تجسد جاء فى الأصل ليمحو الخطية الأبدية لآدم، ففى العهد القديم آخرة الخطية موت، ولذلك جاء المسيح ليرفع هذه الخطية عن بنى البشر وكل المؤمنين باسمه. ولأن المسيح ليس موجودا، فقد منح هذه الموهبة لبعض الناس – مكارى يونان يعتبر نفسه من الموهوبين هؤلاء – من أجل خلاص من تسكنه الأرواح النجسة. هناك آية فى الإنجيل تقول «ونسل المرأة يسحق رأس الحية».. وتفسيرها أن نسل العذراء الذى هو أقنوم الابن المتجسد يسوع المسيح يسحق رأس الحية التى هى الشيطان الذى أغوى آدم فسقط فى الخطية. لا فارق إذن بين إسلام ومسيحية فى التعامل مع عالم الجن.. وهناك كتب كثيرة تصف طريقة العلاج وإخراج الجن من الجسد، والآيات التى تنجح فى ذلك، ومواصفات المعالجين بالقرآن الكريم، ومتى تنجح عملية الإخراج ومتى تفشل، وهناك معالجون مشهورون جدا.. بل وكونوا ثروات هائلة من هذا العلاج. وهو ما يتكرر فى المسيحية وإن كان بشكل أكثر غموضا لنا على الأقل.. فمكارى يونان واحد ممن اشتهروا بإخراج الجن، وزبائنه ليسوا من المسيحيين فقط، ولكن من المسلمين أيضا، وهنا تأتى خطورته والهجوم عليه من أصحاب التيارات الإسلامية.. إنهم لا يعيبون عليه إخراج الشياطين التى هى أساس من أسس العقيدة المسيحية، فهى كذلك أساس من أسس العقيدة الإسلامية، ولكنهم يخافون من قدرة مكارى يونان على العلاج، ومن ثم يصبح صاحب سطوة على من يعالجهم من المسلمين، فيدخلهم فى المسيحية. قطع الطريق على مكارى يونان يأتى تحسبا لأن يلعب الرجل دورا فى التبشير، وفتن المسلمين فى دينهم، وهو ما يحاول مكارى يونان أن يخفيه، فهو لا يبشر أحدا، ولكنه يعالج باسم المسيح، فمن بين ثوابته أن مملكة الشيطان لا سلطان عليها إلا اسم يسوع المسيح. من ناحية عقلية بحتة يمكن أن نرى ما يفعله مكارى يونان ومن يسير على نهجه من المسلمين أو المسيحيين مجرد خرافات لا أساس ولا أصل لها، لكن للأسف الشديد فإن المعركة بينه وبين من يعارضونه من المسلمين ليست معركة.. بل يمكن أن نقول إنها معركة باطل كامل. إن هناك من بين علماء المسلمين من يرى أن الجن لا يمكن أن يسكن جسد الإنسان، فالطبيعة مختلفة بينهما، إذ كيف لمن كانت طبيعته نارية أن يسكن من كانت طبيعته طينية، لكن لا أحد يستمع إلى هذه الأصوات. ولا تتعجب أن تجد علماء للمسلمين فى القرون الأولى يقرون بأن الجن يمكن أن يعاشر الإنسان، بل يمكن أن تتزوج إنسية برجل من الجن، أو يتزوج رجل من الإنس بامرأة من الجن.. لكن علماء المسلمين فضلوا ألا ينتشر ذلك عنهم حتى لا يصير الأمر فتنة، فمعنى ذلك أن تخرج امرأة على قومها وهى حامل.. وعندما يسألونها عن والد طفلها تقول إنها تزوجت من الجن.. وهو أمر يساعد على الفاحشة. إننى لا أعيب على من يلجأ إلى مكارى يونان أو غيره من مشايخ المسلمين من أجل طلب العلاج.. فهؤلاء أصحاب حاجات يبحثون عن شفاء لا يجدونه عند أطباء.. لكن اللوم كل اللوم على من يستثمرون آلام البشر فيتاجرون فيها. إن الطب النفسى له رأى واضح فى استجابة حالات مكارى يونان التى تصرخ عندما يرمى فى وجوههم المياه التى يكون قد قرأ عليها، وهى أنها حالات تكون تحت ضغط نفسى من آلام لا يعرفون سببا لها، وأنهم يكونون مستعدين للاستجابة لمن يوهمهم أنه قادر على شفائهم، لا أكثر ولا أقل من ذلك. ولأن الإنسان يمرض بالإيحاء ويشفى بالإيحاء أيضا.. .فإن الإيحاء وحده هو من يساعد مكارى يونان فى شفاء حالاته التى تعتقد فيه وتظن أنه رجل يأتى بالمعجزات. إننا أمام ظواهر غير طبيعية بالفعل لا نملك تفسيرا لها.. يقف أمامها العلم عاجزا.. ويقف أمامها المعالجون بالأديان عاجزين أيضا.. والغريب أن البعض تعجب من ذهاب المسلمين بآلامهم إلى كنيسة مكارى يونان يطلبون لديه الشفاء، ولا يعرف هؤلاء أن المسلمين الذين فعلوا ذلك فعلوه يأسا من أن يجدوا علاجا لدى من يقولون إنهم يعالجون بالقرآن. وقبل أن تتعجل بالحكم فإن هناك حالات مماثلة من المسيحيين يلجأون إلى رجال دين مسلمين طلبا للعلاج بالقرآن لأنهم ذهبوا إلى مكارى يونان ومن يسيرون على نهجه ولم يستطع أن يعالجهم باسم يسوع المسيح. البحث عن الخلاص إذن هو ما يحرك المرضى والموجوعين.. مكارى يونان تظهر قيمته بقدر ما يستطيع أن يشفى المرضى.. وشيوخ الإسلام الذين يعالجون بالقرآن يستمدون قيمتهم من الحالات التى يقومون بعلاجها. أما الواقع فعلا فيقول إننا أمام حالة من التجارة بالدين على الطرفين.. لا مكارى يونان صاحب معجزات.. ولا من يعالجون بالقرآن أصحاب كرامات.. الجميع يعتقدون أنهم متحدثون باسم الله.. والله برىء منهم جميعا.. أما أنت وإذا شعرت بأن ضيقا يحاصرك فتجرد من جميع من حولك وتوجه لمن تعتقد أنه حق واطلب منه أن ينجيك.. فهو وحده القادر على أن ينجيك.. وكل ما عداه وهم وسراب. السنة الخامسة - العدد 346- الاثنين -19/3/2012