طنطاوى وعنان... مسرحية المخ والعضلات في شهادة الكاتب الكبير محمد الخولى – كان متحدثا رسميا باسم المجلس الإستشارى أيام حكم المجلس العسكرى – على الفترة الإنتقالية التى أعقبت ثورة يناير إشارة واضحة إلى المساحة التى احتلها الفريق سامى عنان على المسرح السياسى، يقول: بسبب الإنضباط المعروف عن العسكرية كان أعضاء المجلس العسكرى يظهرون أمامنا إيد واحدة، ولم نشهد خلال الإجتماعات أى عضو من أعضاء العسكرى يتحدث إذا تكلم المشير، والوحيد الذى كان يعلق على كلام المشير أو يثنى عليه هو الفريق سامى عنان. المعنى واضح إذن...فعنان لم يكن مجرد تابع للمشير طنطاوى...كان مؤثرا وقادرا على توجيه الأمور إلى الوجهة التى يريدها...شهادة الخولى تشير إلى أن طنطاوى كان الرجل الأول والأقوى والذى لا يقاطعه أحد...وحتى عندما يقاطعه سامى فإنه يثنى على ما قاله فقط. لكن وكعادة من يكتبون مذكراتهم، حاول سامى عنان التأكيد طوال الوقت على أنه كان محور الأحداث جميعها، فهو الذى يفكر وحده، وهو الذى يقرر وحده، وهو الذى يحسب النتائج وحده، أما المشير في الصورة فهو ليس إلا صدى صوت لسامى، رد فعل على ما يفكر فيه. وحتى تتأكد من ذلك فليس عليك إلا أن تتأمل قليلا الصورة التى يمكن أن نخرج بها من المذكرات التى سربها سامى عنان عن فترة الثورة... والتى حجز لنفسه فيها مساحة المخ الذى يفكر...وترك للمشير طنطاوى العضلات التى تنفذ فقط، رغم أنه في مواطن كثيرة كان يسلبه هذ الصفة أيضا. فبعد أن عاد سامى من أمريكا ظهر السبت 29 يناير 2011 خرج مع المشير – كما يقول هو – إلى حديقة مركز القيادة، ويكمل: طرحت عليه أفكارى وقلت إن الإنقلاب الناعم هو الحل الوحيد، شرحت له الإجراء العملى في إيجاز: مجلس رئاسى برئاسة المشير الذى يتولى أيضا حقيبة وزارة الدفاع وإعلان مواقيت محددة لإنهاء الأزمة والخروج بالبلاد إلى بر الأمان. أصغى المشير لما قاله عنان، ثم سأله: حد يعرف الكلام ده غيرك؟ فلما أخبره سامى: لا، قال له طنطاوى: طيب بلاش الكلام ده. من حق الفريق سامى عنان أن يصور نفسه هنا أنه كان ثوريا ربما بأكثر من ثوار ميدان التحرير، لكنه وهو في طريقه إلى صياغة ذلك أظهر المشير طنطاوى مترددا خائفا...لا يريد أن يحسم الأمر – ورغم أن كثيرا من هذا صحيح، فطنطاوى لم يحسم الأمر بل تصاعد الأحداث هو التى أنهى الصراع بين مبارك والمجلس العسكرى – إلا أن طنطاوى لم يكن سلبيا إلى هذه الدرجة. لقد جرد سامى عنان المشير طنطاوى من مجرد قدرته على الكلام والرد على مبارك، فبعد أن أذاع المجلس العسكرى بيانه الأول الذى انحاز فيه إلى مطالب الشعب، والذى أكد عنان أنه كان وراءه من الألف إلى الياء، اجتمع مبارك مع رجاله... طنطاوى وعمر سليمان وأحمد شفيق، وكان عنان حاضرا. يقول عنان: بمجرد دخول الرئيس مبارك خاطب المشير قائلا: انتو كده أعلنتوا موقفكم يا حسين؟ ولم يرد المشير، ووجدت نفسى أتدخل لرفع الحرج فقلت للرئيس مبارك: يا ريس إحنا أعلنا موقفنا عشان عارفين سيادتك ما بتحبش الدم، فرد مبارك على الفور: دم إيه يا سامى... أنا مش باحب الدم ولا عايز دم ...وهنا عاجل عنان مبارك بقوله: عشان كده أصدرنا البيان اللى بيأكد كلامك يا ريس. هنا ضربة مزدوجة من سامى عنان...فهو يظهر المشير طنطاوى وكأنه رجل عاجز لا يستطيع أن يواجه مبارك أو على الأقل يقول له ما قاله سامى... وفى الوقت نفسه يصدر شهادة براءة لمبارك، فالرجل لا يحب الدم ولا يريده، وبذلك فهو لم يصدر أوامر بقتل المتظاهرين...ولم يصمت على قتلهم وهو يعرف ذلك. قد يكون كلام سامى عنان عن مبارك في هذا الجزء من مذكراته مريبا بعض الشئ، فعندما تحدث مبارك عبر التسجيلات التى تم تسريبها عبر طبيبه، تحدث بشكل سلبى جدا عن سامى عنان، قال فيه كلمة فصل، فهو من وجهة نظره لا يصلح لرئاسة مصر... وهى كلمة لها وزن، فمبارك هو من ساند عنان ودعمه ورفعه إلى منصبه كرئيس لأركان حرب الجيش المصرى. كان يمكن لسامى عنان أن يقول رأيا مزعجا لمبارك... خاصة أنه قاله قبل ذلك معلقا على رغبة مبارك في الإستمرار في الحكم بأنه يكفى جدا ثلاثين عاما من الفساد والاستبداد، لكنه هنا يفخر بمبارك، يقول عنه: أشهد أن الرئيس مبارك رجل عسكرى محترم وقائد من أبطال حرب أكتوبر، ولا يمكن لمثله أن يفكر بطريقة فيها خسة أو نذالة، فهو لا يحمل أفكارا تآمرية ولا يضمر الغدر. ليس هذا فقط ما قاله عن مبارك، بل برر له كل ما حدث في عهده، يقول عنان: الرئيس مبارك مسئول بحكم منصبه ومسئوليته التاريخية، لكن المسئولية الأكبر يتحملها من يعيقون بتقصيرهم وضوح الرؤية عنده، فتولد قراراته مريضة بسمتين مدمرتين: التأخير في التوقيت والعجز عن فهم حركة الشباب وحدودها. لماذا تحدث سامى عنان بكل هذا الود عن مبارك؟ لماذا ظهر وكأنه يطلب منه العفو والسماح؟ أغلب الظن أن سامى عنان يريد أن يتودد إلى مناصرى مبارك الذين يتزايدون الآن وليس إلى مبارك شخصيا، فهو مقدم على منافسة إنتخابية رئاسية – حتى لو أنكر ذلك – وسيكون من مصلحته أن يتصالح مع أبناء مبارك. لكن المشكلة التى واجهها أنه وفى غمرة إعجابه بنفسه وبدوره في الثورة تحدث بما يجعل أبناء مبارك يلعنونه بل لا يطيقون وجوده من الأساس. قال عنان أنه كان صاحب فكرة الإنقلاب الناعم أيام الثورة، وهو انقلاب يعبر بمصر من الأزمة التى تواجهها وفى نفس الوقت يحفظ للرئاسة مقامها، وهو ما لم يستجب له المشير طنطاوى، الذى صوره عنان وكأنه يتلقى الوحى منه دائما دون أن يكون له رأى أو قدرة على اتخاذ قرار. حقيقة الأمر وفى سياق رسم صورة أسطورية سابقة لسامى عنان، لم يتحدث أحد عن الإنقلاب الناعم، ولكن الحديث كان واضحا ومباشرا عن انقلاب كامل يقوده طنطاوى وعنان على مبارك، عنان كان واضحا وصريحا في رغبته في الإنقلاب...لكنه هنا يحاول أن يجمل صورته ويضيف إلى الإنقلاب كلمة ناعم...ٍبما يجعل أبناء مبارك يسامحونه ويصدرون عفوا شاملا عنه يتضمن وقوفهم إلى جواره في معركته الإنتخابية القادمة. أغلب الظن أن سامى عنان كان يريد أن يغسل سمعته السياسية، أن يؤكد كونه كان قائدا عسكريا وفيا لمبارك...وأنه لم يخنه، حتى الإنقلاب الذى فكر فيه كان ناعما من أجل الحفاظ على مقام الرئاسة...لكن الكلمات خانت الرجل...همش دور المشير طنطاوى...ولم يحسن إلى نفسه، فقط اكتشفنا رجلا ضعيف الحجة ، متهافت المنطق...وكل ما يريد أن يقوله أنه صاحب دور...رغم أنه ومن واقع كلماته هو لم يكن كذلك على الإطلاق. الحلقة الثالثة عنان الأمريكانى