حاكموا سامى عنان بتهمة التستر على جرائم الإخوان المسلمين الجنائية عندما كانت السلطة بين يديه ( يناير 2011 – يونيو 2012) كان أكثر بريقا وجاذبية وقدرة على الإدهاش، كان يمثل حلما راود الكثيرين، فهو الرجل القوى الذى يحكم مصر فعليا دون أن يحتل الصورة كاملة، بل يترك مساحة مناسبة ليظهر الرجل الأول من خلالها. هكذا ظل سامى عنان طويلا. يعتقد من لا يعرفونه أنه الرجل المناسب لقيادة مصر... تأثر كل من كتبوا عنه بهذه الصورة، فأخرجوا صورته على مقاس الأسطورة التى ينتظرها المصريون لإنقاذهم، وقد ظلت هذه الصورة فاعلة ومتفاعلة حتى أخرج محمد مرسى المشير طنطاوى والفريق عنان من منصبيهما في ساعات قليلة دون مقاومة ودون عناء. يومها قلت أن مرسى لو كان يتعامل مع قائد جيش إسماعيل ياسين لما استطاع أن يفعل ذلك، وعندما توالت الأحداث اكتشفت أن مرسى لم يفعل بطنطاوى وعنان ما فعل لأنه كان رئيسا قويا، ولكن لأنهما كانا الأكثر ضعفا منه...فالجيش كان قويا...لكن الرجل الأول وذراعه اليمنى لم يكونا كذلك. أعترف أننى ساهمت في رسم جزء من الصورة الأسطورية لسامى عنان، فبعد شهور قليلة من صعوده إلى جوار المشير طنطاوى على عجلة قيادة الوطن، بحثت عنه، كان بالنسبة لى ثعلبا كامنا، وجهزت صورة قلمية كاملة قررت أن أضع لها هذا التوصيف عنوانا " سامى عنان...الثعلب الكامن"... لكن لمحظورات كنا نعرفها جيدا دون أن يطلع عليها الآخرون...خرجت الصورة القلمية بعنوان" سامى عنان... الفريق الكامن". كان هناك إحساس أنه ليس سامى عنان هو الذى يعد نفسه لقيادة مرحلة جديدة من عمر الوطن، بل سيطر الشعور بأن الأقدار هى التى تعد لذلك وبرعاية وعناية كبيرة... ورغم أن الأحداث التى أتت على الرجل منذ صعود الإخوان بالانتخابات البرلمانية...كانت تقول عكس ذلك، إلا أن قطاعا كبيرا من المصريين ظل ينتظر منه ربما ما لم يتوفر في الرجل من الأساس...لكن ظلت الفكرة تراود الكثيرين. هل كان هناك بعض من الخداع حول حقيقة الدور الذى لعبه سامى عنان في الثورة المصرية؟ أستطيع أن أقول أن هذا ما حدث بالفعل...لكن كان هناك رجل واحد هو الذى تحدث بجرأة وصراحة عما قام به عنان، هذا الرجل كان الفريق أحمد شفيق، الذى صرح في حوار مطول نشرته جريدة الحياة اللندنية على حلقات، أن الدور الذى لعبه سامى عنان في الثورة كان محدودا للغاية. سأله غسان شربل ( الذى أجرى الحوار): هل كان دور رئيس الأركان سامى عنان كبيرا؟ فرد شفيق: الناس كانت تتخيل أنه لعب دورا رئيسيا، ولكنى كنت واثقا بأن دوره لم يكن كذلك، لأنه لم يكن قريبا من المشير طنطاوى. قد يكون في كلام أحمد شفيق عن سامى عنان بعض من الهوى الشخصى، خاصة أن شفيق لا زال يعتقد أن هناك من بين جنرالات المجلس العسكرى من وقفوا في طريقه ومنعوه من الوصول المستحق إلى رئاسة الجمهورية،...لكن ليس معنى ذلك أن نتجاهل ما قاله شفيق تماما. لقد انتظرت كثيرا أن يكتب أى من قادة المجلس العسكرى خلال ثورة يناير مذكراتهم، على الأقل حتى نعرف الدور الحقيقى الذى قاموا به...وكان سامى عنان كريما معنا، إذا دفع ببعض من مذكراته للنشر، وهى المذكرات التى قيل أنه انتهى من كتابتها، وأنه سوف يقوم بنشرها بعد أربعة شهور... لكن المفاجأة أن مذكرات الرجل جاءت باهتة لتؤكد ما قاله شفيق...وتنفى كل ما تصورناه عن الرجل وعن دوره في الثورة. قد يكون سابق لأوانه أن نبحث خلف الطريقة التى سجل بها عنان مذكراته، وهل سجلها بنفسه أم تولى صياغتها أحد الصحفيين المقربين منه. وهل كتب كل شئ أم احتفظ ببعض مما يعتبره أسرارا خاصة بالأمن القومى؟ وهل حصل على موافقة من المخابرات الحربية ووزير الدفاع لنشر مذكراته، أم بادر بالنشر دون أن يهتم بالآخرين؟ أما الذى هو أوانه الآن فأعتقد هو البحث عما أخفاه سامى عنان ولم يقترب منه...خاصة أنه ليس الوحيد الذى تحدث....وليس الوحيد الذى عرف...وليس الوحيد الذى قرر؟ ما نشره سامى عنان من مذكراته عبر عدة صحف ( روزاليوسف – الوطن – الأهرام المسائى)...يحتاج إلى إعادة نظر وتأمل...فقد أدان الرجل نفسه – على الأقل سياسيا – وهنا لابد أن نتوقف أمام الإشارات والتلميحات التى ألقى بها في بعض السطور. الإشارة الأولى ... يقول عنان: الشباب الذى خرج يوم 25 يناير لم يكن هو الشباب الذى تصدر المشهد بعد ذلك، وقد أدركت بحكم موقعى أن هناك من يسعى لاستثمار الموقف لتحقيق أهداف ومصالح خاصة وأنهم استخدموا الشباب المخلص والشعارات الثورية كمبرر لاسقاط الدولة، ولا شك أن الشعب يعرف الآن من هم هؤلاء. ويستكمل سامى: اللى مايشوفش من الغربال يبقى أعمى، ولن نفهم الماضى القريب إلا على ضوء واقع ما بعد سقوط محمد مرسى، صانعو الفوضى هم هم، والوسائل والأدوات لم تتغير، ولمن ينسى أو يتناسى أقول أن الهاربين من سجن وادى النطرون سيحاسبهم التاريخ ولابد أيضا أن يحاسبهم الشعب. المعنى واضح...فسامى عنان لا يتهم الإخوان وعلى رأسهم محمد مرسى بأن رجال حماس وحزب الله أخرجوهم من السجون فقط، ولكنه أيضا يتهمهم بأنهم كانوا وراء كل أحداث الفوضى والعنف والقتل والتخريب والتدمير التى أعقبت ثورة يناير في إشارة إلى أنهم كانوا الطرف الثالث الذى احترنا جميعا في تحديده. ولا أدرى لماذا اكتفى سامى عنان – الذى من المفروض أن لديه معلومات واضحة وموثقة وحقيقية بحكم منصبه - بالتلميح والإشارة الخفية دون أن يعدد الجرائم التى ارتبكها الإخوان معلقا الجرس في رقابهم دون غيرهم. الإشارة الثانية... يقول عنان: موقعة الجمل كما تسمى إعلاميا نقطة تحول حاسمة في الصراع الذى امتد بين يومى 25 يناير و11 فبراير، وسيكشف التاريخ يوما عن الحقيقة كاملة، وكل ما استطيع قوله الآن إن المدبر والمنفذ لابد أن يكون صاحب مصلحة في جملة النتائج التى ترتبت على الواقعة. وحتى يكون عنان أكثر وضوحا – رغم غموضه الشديد – يقول: كان الفريق أحمد شفيق يملك الإصرار على النجاح وعبور الأزمة، والرئيس مبارك بعد خطابه استطاع أن يكسب أرضا جديدة ويحظى بقدر كبير من التعاطف، فلا مصلحة لأحدهما في تغيير المسار الإيجابى؟ فمن الذى يملك المصلحة؟ ومن الذى استفاد فعليا؟ الإجابة عن هذين السؤالين معروفة والفاعل بالتبعية معروف. يمكن أن يقول سامى عنان أنه قال كل شئ، فالإتهام واضح لجماعة الإخوان المسلمين بأنهم من افتعلوا موقعة الجمل...لأنهم كانوا يعرفون أن مبارك لو استطاع أن يستعيد ثقة الشعب لجعلهم يدفعون فاتورة الثورة كاملة بعد ذلك؟ ثم أنهم أدركوا أن هذه فرصتهم الكبيرة والأخيرة لإزاحة نظام مبارك تحت غطاء شعبى، فأشعلوا النار حتى يؤكدوا للجميع أن مبارك لا يريد سلاما مع المصريين. ما قاله عنان ليس إلا تحليل...المعلومات موجودة لديه، كان يعرفها اللواء حسن الروينى قائد المنطقة المركزية أيام الثورة، وكانت تعرفها أجهزة أمنية استطاعت أن تسجل كل ما دار في ميدان التحرير بالصوت والصورة... لكن لماذا اكتفى عنان بالتلميح والإشارة دون أن ينشر على الناس أدلة تورط الإخوان المسلمين في موقعة الجمل؟ بل السؤال الأهم: لماذا امتنع سامى عنان عن الذهاب إلى المحكمة التى نظرت قضية موقعة الجمل ليدلى بشهادته...لماذا سكت وهو يرى أبرياء يحاكمون بجريمة ارتكبها غيرهم؟ هل صمت خوفا..أم صمت تعاونا؟ لم يجب سامى عنان عن هذه الأسئلة وأعتقد أنها لن يجيب عنها في مذكراته الكاملة، لأنها إجابات تدينه...بل تجعلنا نتهمه وبشكل واضح بأنه تستر على جرائم جنائية ارتكبها الإخوان المسلمون، كان يعرف هذه الجرائم وهو صاحب سلطة ويمكن أن يقودهم إلى السجن لكنه إمتنع عن ذلك لحاجة في نفسه...وللأسف الشديد لم يستطع قضائها. كنت أتمنى أن نحتفى بمذكرات يكتبها سامى عنان...لكن الرجل يجبرنا أن نطالب بمحاكمته...ليس على التقصير السياسى فقط... ولكن على تستره على مجرمين كان يعرفهم جيدا، ولم يعترض طريقهم – مجرد إعتراض – وهم في سبيلهم إلى السطو على مصر كلها. انتظروا الحلقة الثانية: عنان وطنطاوى...مسرحية المخ والعضلات