■ ثورة المصريين عصفت بخطة أوباما وميركل لتصدير الإرهابيين! لو كان الجيش الألمانى تحرك ضد هتلر عام 1933، عندما انقلب على الديمقراطية والقضاء على القوى السياسية الأخرى، لكان قد أنقذ أمريكا وأوروبا والعالم من ويلات الحرب العالمية الثانية التى راح ضحيتها عشرات الملايين. للأسف لم يحدث ذلك، ولكن لو حدث، هل كانت الحكومة الأمريكية ستتدخل فى شئون ألمانيا، وتصر على إعادة هتلر للحكم باعتباره سلطة منتخبة بواسطة الأغلبية؟
السؤال ليس لى ولكن للباحث الأمريكى المرموق روبرت رايلي، الزميل بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، والكاتب بعدد من أهم الصحف، مثل «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال»، ومؤلف العديد من الكتب كان آخرها بعنوان «إغلاق العقل المسلم: كيف أدى الانتحار العقلى إلى الأزمة الإسلامية المعاصرة».
والسؤال طرحه رايلى فى مقال نارى ضد الرئيس الأمريكى أوباما وإدارته نشر على موقع مركز أبحاث «انتركوليجيت» وحمل العنوان التالى «الجيش المصرى: فعل ما كان ينبغى على ألمانيا أن تفعله عام 1933».
يكشف رايلى فى مقاله المهم استراتيجية إدارة أوباما فى دعم الحركات الاسلامية المتطرفة منذ مجيئه للحكم، وكيف قامت السفارة الأمريكيةبالقاهرة بدعوة أعضاء من الإخوان المسلمين لحضور خطاب أوباما فى جامعة القاهرة وحجز الصفوف الأولى لهم، مما أدى إلى غضب حكومة مبارك ومقاطعتها تقريبا للخطاب، الذى أعلن أوباما خلاله أن إدارته «تحترم وتقبل أشكال الاسلام المحافظ، حتى لو تمادى الإسلاميون فى عنفهم فلن نفعل شيئا ضدهم»!
يتتبع رايلى دعم هذه الإدارة للإخوان عقب ثورة يناير بالرغم من الشواهد الكثيرة التى تؤكد أنهم سينقلبون على الديمقراطية، بحكم مرجعياتهم الفكرية والعقائدية وسياساتهم على أرض الواقع منذ مجيئهم للسلطة، وكيف تسترت الإدارة الأمريكية على انقلاب مرسى على الشرعية والديمقراطية وإعطائه لنفسه صلاحيات يحسده عليها أعتى ملوك الفراعنة!
مقال روبرت رايلى هو مجرد نموذج لإعلام غربى مختلف، يواجه مخططات السياسيين الغربيين، من أمثال أوباما - أمريكا وميركل - ألمانيا، الذين تصوروا أنهم «دواهى» وعباقرة فى التآمر، وتبين كالعادة أنهم فشلة فى التحليل السياسى وفى فهم طبيعة الشعوب والمجتمعات العربية، وهو يكشف أيضا عن ضعف الآلة الإعلامية المصرية فى الداخل والخارج، التى يغلب عليها الخطاب العاطفى الإنشائى، عوضا عن الخطاب التحليلى السياسى.
دعونا نتأمل المخطط الأمريكى الأوروبى الذى يستهدف تبنى واحتضان الإسلام السياسى فى المنطقة العربية وتسليمه مقاليد الحكم لتحقيق عدة أهداف تصب فى النهاية للمصالح الغربية الاستعمارية. هل تعرف أسبابه وخفاياه؟
نحن نعرف بالتأكيد أن الأمريكان هم الذين صنعوا وحش فرانكنشتين «الجهادى» فى أفغانستان خلال السبعينيات، وأن الوحش انقلب عليهم منذ التسعينيات وصولا إلى تفجيرات11 سبتمبر، ولذلك تفتقت عقلية المخابرات الأمريكية الهوليوودية- نسبة إلى أفلام هوليوود الخيالية- إلى فكرة عبقرية وهى إعادة احتضان الإسلاميين مرة أخرى وإعادة تصديرهم لبلادهم ليوجهوا عنفهم الأبدى ضد أبناء وطنهم بدلا من توجيهه للغرب!
ولعل البعض قد اندهش من لجوء المعزول محمد مرسى إلى مواجهة المعارضة المتزايدة لنظامه بعقد مؤتمر لنصرة سوريا فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة قبل أسبوعين من ثورة 30 يونيو.
ولكن هذه الدهشة تتبدد حين نعرف أن نظام الإخوان كان يستند بالأساس على الدعم الغربى له، خاصة من قبل أمريكا وألمانيا، وأن هذا المؤتمر كان موجها ل «أسياده» فى الغرب والتأكيد لهم بأنه يسير فى الطريق الصحيح وفقا لمخططاتهم. الصفقة الأمريكية الإخوانية كانت تنص على استجلاب المجاهدين الإسلاميين المعروفين باسم «العرب الأفغان» من منطقة وسط آسيا إلى الشرق الأوسط، وقد تعهدت الجماعة بإحضار نحو 85 ألفًا من هؤلاء ليشاركوا فى حرب «تحرير» سوريا من نظام بشار الأسد، على أن يستقر بعضهم فى سيناء أيضا، لخدمة النظام الإسلامى فى مصر.
علاقة الجهاديين بالمخابرات الأمريكية كتب فيها الكثير ولا تحتاج لتأكيدات إضافية، ولكن ما يغيب عن الكثيرين ربما كان النفوذ الإخوانى فى أوروبا، وفى ألمانيا على وجه التحديد، وهو ما يفسر الموقف الألمانى العصبى والمنفلت ضد ثورة المصريين على الإخوان.
لقد أجرى الإخوان اتفاقا مماثلا مع الحكومة الألمانية تم مناقشته خلال زيارة مرسى لألمانيا ولقائه مع المستشارة الألمانية ميركل، فى الوقت الذى كنا نضحك فيه كالبلهاء على انجليزيته الركيكة وساعة اليد التى ينظر فيها خلال المؤتمر الصحفى.. دون أن ندرى شيئا عن الصفقة الشيطانية التى يدبرها الاثنان.
الاتفاق مع ألمانيا الذى تم برعاية أمريكا وتركيا كان يهدف إلى تخفيف الحضور الثقيل للإسلام السياسى المتطرف فى ألمانيا، والذى بات يشكل عبئا كبيرًا على المجتمع الألمانى، من خلال استجلاب هؤلاء الإسلاميين إلى المنطقة العربية للمشاركة فى أنظمة الحكم الإسلامية الوليدة، سواء بشكل سياسى مباشر، أو بلعب دور كلاب الحراسة والجناح العسكرى العنيف، والمختفى، لهذه الأنظمة، ضد خصومها ومعارضيها فى الداخل.
ألمانيا، إن لم تكن تعرف، هى معقل للإخوان المسلمين فى أوروبا منذ أيام «الحاج هتلر»، حسبما وصفته صحيفة الإخوان وقتها، وهى أول بلد أوروبى يقام فيه مقر للجماعة تم عبره تفريخ مئات المتطرفين على مدار السنوات، ومن بين هؤلاء نجم الدين أربكان، أستاذ أردوغان، ومؤسس التيار الإخوانى فى تركيا، الذى كان يتردد على مقر الإخوان أثناء بعثته الدراسية لألمانيا فى الخمسينيات، حيث تشرب بالأفكار الإخوانية وقام بتصديرها إلى تركيا!
وفى دراسة بعنوان «غزو الإخوان المسلمين لأوروبا» كتبها لورينزو فيدينو ونشرتها «فصلية الشرق الأوسط» عام 2005 يكتب صاحبها:
«الوضع فى ألمانيا على وجه الخصوص يفصح عن أن الإخوان المسلمين قد أحرزوا نفوذاً مهمًا وقبولاً سياسياً، أكثر من أى مكان آخر فى أوروبا. والتنظيمات الإسلاموية فى البلدان الأوروبية الأخرى تقتدى الآن بشكل واع بنموذج نظيراتها الألمانية».
ويكشف صاحب الدراسة أن آلاف الطلبة من أصحاب التوجه الإسلامى سافروا إلى ألمانياالغربية خلال الخمسينيات والستينيات هربا من نظام عبدالناصر، فى الوقت الذى احتضنت فيه ألمانيا هؤلاء نكاية فى النظام الناصرى الذى اعترف بألمانيا الشرقية!
وحسب ما تكشفه الدراسة الخطيرة فإن معظم هؤلاء المصريين والسوريين الإسلاميين المنشقين كانوا على معرفة مسبقة بألمانيا لأن «العديد منهم كان قد تعاون مع النازيين قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، حتى إن البعض منهم، على ما يُشاع، حارب فى الفرقة البوسنية التى شكلها هتلر»!!
وتشير الدراسة إلى أن سعيد رمضان أحد رواد الإخوان المسلمين فى ألمانيا، كان السكرتير الشخصى لحسن البنا، وهو الذى قاد متطوعى الإخوان المسلمين فى فلسطين عام 1948، قبل أن يرحل إلى ألمانيا فى نهاية الخمسينيات، حيث أسس «الجمعية الإسلامية فى ألمانيا»، المعروف أنها أحد فروع التنظيم الدولى للاخوان، وواحدة من المنظمات التى ثبت علاقتها وتمويلها للقاعدة والجهاد وحماس.
وحاليا فإن هانى رمضان، ابن سعيد رمضان، هو مدير المركز الإسلامى بألمانيا. ومن بين أعضاء مجلس إدارته الآخرين ابن سعيد الآخر، طارق رمضان، المنظر الإخوانى المعروف.
المشكلة الأكبر التى تواجه الحكومة الألمانية هى النفوذ الذى يمارسه الإخوان وحلفاؤهم على الجالية التركية، التى تعد الأكبر، والأخطر، فى ألمانيا، وكذلك على الجاليات المسلمة الأخرى، خاصة القادمة من بلاد فقيرة مثل باكستان وبنجلاديش. وقد كشفت تحقيقات أجريت منذ عدة سنوات عن العلاقات المالية الوثيقة والمريبة بين الإخوان العرب والأقلية التركية فى ألمانيا، خاصة من خلال منظمة «رؤيا الملة» المعروفة بنشاطاتها المتطرفة، والمتخفية تحت ستار «البيزنس» على طريقة «الإخوان المسلمين».
الإخوان، إذن، هم قنبلة موقوتة فى ألمانيا، وهو ما يفسر رهان حكومة ميركل بالكثير من المال والجهد والسمعة السياسية من أجل دعم الإسلاميين فى مصر وسوريا، من أجل تحقيق مخطط إعادة تصديرهم إلى أوطانهم، ليدمروها بدلا من أوروبا!
وحتى لا يطول الشرح، فإن ما يحدث فى ألمانيا يوجد فى بلاد أوروبية أخرى بدرجات مختلفة، على رأسها فرنسا ثم إيطاليا، وإنجلترا والدنمارك.
الشعار الرئيسى فى عالم السياسة، إذن، كما يقول التعبير الشعبى الدارج، المصالح تتصالح، وحين نضعه بجوار قاعدة سياسية أخرى هى: «إذا لم تستطع هزيمته، تحالف معه»، يمكننا أن نفهم الموقف الأوروبى والأمريكى مما يحدث فى مصر، وبناء عليه يمكننا بناء خطاب سياسى يواجه هذه المخططات ويفضح هذه الحكومات التى تزعم الدفاع عن الديمقراطية أمام شعوبها. وهى أمور تستدعى وجود وزارة خارجية بحق وحقيق وإصلاح حال الهيئة العامة للاستعلامات، التى أصبحت هيئة للأموات، وإنشاء محطات فضائية والاستعانة بكفاءات إعلامية قادرة على مقاومة المخطط الغربى فى عقر داره، بدلا من الاكتفاء باجترار الشتائم الذى نقوم به هنا، خاصة مع وجود أتباع وأذناب وعملاء للإخوان، مصريين وأجانب، يحتلون قدرا لا بأس به من مساحات الإعلام الغربى.
المصريون حين ثاروا فى 30 يونيو ربما لم يكن يخطر ببالهم حجم ما يفعلوه، ولا خطورة ضرب عش الثعابين المحلى والدولى.. ولكن المؤكد أن مصر تستعيد مكانتها كقوة عظمى ورائدة للحضارة وصانعة للتاريخ!