الوفد يطالب بضرورة الترويج لمسار العائلة المقدسة عالميًا    استعدادات مكثفة من «بيطري الشرقية» لاستقبال عيد الأضحى.. تفتيش وإلغاء إجازات    رئيس الوزراء يؤكد حرص مصر على تعزيز علاقات التعاون مع الدول الأفريقية    البيت الأبيض: الدول تدعو حماس إلى إبرام اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن    مباراة مصر ضد بوركينا فاسو.. تعرف علي القنوات المفتوحة الناقلة للمباراة    نجم الإسماعيلي: الأهلي هياخد الدوري وشجعته في نهائي أفريقيا    عاجل.. كولر: احتفلنا بإفريقيا حتى الرابعة صباحًا واليوم التالي طالبني أحد الجماهير بالدوري    100 سؤال في الكيمياء لطلاب الثانوية لغات.. لن يخرج عنها الامتحان    ضبط 135 طن أسمدة ومخصبات زراعية مجهولة المصدر في الجيزة    رفضت الرجوع لعصمته فألقى عليها مادة كاوية.. القبض على متهم تسبب في حرق طليقته بمنشأة القناطر    «الرعاية الصحية»: بروتوكول تعاون لزيادة الوعي حول قضايا الصحة النفسية    فريق طبي ب «سوهاج الجامعي» يعيد البصر لشاب بعد استئصال ورم بالمخ (تفاصيل)    الإحصاء: 21.7% انخفاض في صادرات مصر من الملابس الجاهزة إلى واشنطن خلال 2023    "تخيلت نفسي على دكة الزمالك".. البدري يكشف لأول مرة ما فعله مع أمير مرتضى ورد صادم    فتح تقديم المدارس الرياضية في القاهرة.. ننشر الشروط والمواعيد    إسبانيا تعتزم الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بالعدل الدولية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك جنوبي غزة    سهلة بالعين اليوم.. الجمعية الفلكية بجدة تعلن تفاصيل رؤية هلال ذي الحجة    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    قبل عيد الأضحى.. ضبط أطنان من الدواجن واللحوم والأسماك مجهولة المصدر بالقاهرة    رئيسة الأوبرا تكرم سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    ننشر أسماء الفائزين بمسابقة "وقف الفنجري" جامعة القاهرة 2024    أمين الفتوى: لابد من أداء هذه الصلاة مرة واحدة كل شهر    بالصور.. نائب رئيس جامعة أسيوط يتفقد لجان امتحانات كلية الآداب    بيان رسمي من الكهرباء بشأن انقطاع التيار عن أكتوبر والشيخ زايد    محمد عبد الجليل: محمد صلاح يجب أن يكون له معاملة خاصة    أبو مسلم: مصطفى شوبير الأفضل لحراسة مرمى المنتخب أمام بوركينا فاسو    مخرج أم الدنيا: الحلقة 2 تشهد حكم الرومان ووصول العائلة المقدسة الي مصر    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    حكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    تكبيرات عيد الاضحي المبارك 2024 كاملة ( فيديو)    فضيحة إسرائيلية جديدة تكشفها نيويورك تايمز.. حكومة نتنياهو رصدت مليوني دولار وجندت شركات تكنولوجية للضغط على مشرعين أمريكيين والجمهور    هيئة الأرصاد: درجات الحرارة تتخطى 40 درجة فى الظل بالقاهرة الكبرى    الكشف على 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجانى بالمنيا (صور)    تنفيذ المستوي الثاني من برنامج المعد النفسي الرياضي بسيناء    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    فوز الجامعة البريطانية في مصر بجائزة أفضل مشروع بحثي مشترك (تفاصيل)    بوسترات فردية لأبطال فيلم عصابة الماكس قبل عرضه بموسم عيد الأضحى.. صور    ياسمين رئيس تتعاقد على بطولة مسلسل خارج السباق الرمضاني    رحلة «أهل الكهف» من التأجيل 4 سنوات للعرض في السينمات    تخصيص 14 مجزرا لذبح الأضاحي بالمجان طوال أبام العيد بالفيوم (بالأسماء)    محافظ الفيوم يتابع إجراءات تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    لو هتضحى.. اعرف آخر يوم تحلق فيه إمتى والحكم الشرعى    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    مستقبل أوروبا يعتمد على ثلاث نساء.. رئيسة المفوضية أبرزهن    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    قبل التغيير الوزاري، سويلم يقدم كشف حساب لوزارة الري على هامش المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة والفترة الماضية شهدت انخفاضا فى الأسعار    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    سعر اليورو اليوم الخميس 6-6-2024 فى البنوك المصرية    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أهل النار
نشر في الفجر يوم 04 - 08 - 2013


يحيى بن موسى الزهراني


بسم الله الرحمن الرحيم

من أهل النار (1)


الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
حديث نسمعه ونقرأه ، ولكن في الغالب الأعم أننا لا نفسر إلا أحد شقيه ، وإحدى جملتيه ، وهي جملة النساء الكاسيات العاريات . . . ونترك ما هو مهم فيه ولا يقل أهمية عن شقه الآخر :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " [ رواه مسلم ] .
ولنقف مع جملة الحديث الأولى وهي : " قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ " .
والمراد بهم : من يتولى ضرب الناس بغير حق من ظَلَمَة الشُّرَط أو من غيرهم ، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة . قال النووي : " فأما أصحاب السياط فهم غلمان الوالي .
وقال السخاوي : " وهم الآن أعوان الظلمة ويطلق غالباً على أقبح جماعة الوالي ، وربما توسع في إطلاقه على ظلمة الحكام ". وعندما نرى السجناء والمتظاهرين والمطالبين بحقوقهم ومن يدل الحكومات على الخير ويحذرهم من الشر نراهم يجلدون ويعذبون ويهانون ، وكذلك ممن يخالفهم في دينهم كالشيعة الرافضة والنصارى الأمريكان واليهود والملحدون من الروس والصين وغيرهم ونرى كيف يعاملون المساجين من المسلمين ، بأشد وأعنف وأقسى أنواع التعذيب ، وكذلك من يعذبون المسلمين من المسلمين ، انظر كيف يستخدمون الهراوات والقنابل والأسلحة المحرمة ضد المتظاهرين والمطالبين بالسلام والحرية والحقوق الإنسانية ، في ظل غياب لها عبر عشرات السنين ، فأولئك حق عليهم هذا الحديث ، فهم من أهل جهنم وبئس المصير ، وهذا الأمر من علامات الساعة ، ودليل ذلك :
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " يَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ _ أَوْ قَالَ يَخْرُجُ رِجَالٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ _ مَعَهُمْ أَسْيَاطٌ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ الْبَقَرِ ، يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللَّهِ ، وَيَرُوحُونَ فِي غَضَبِهِ " [ رواه أحمد ] .
لم يكن هذان الصنفان موجودين في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفائه ، عهد الرحمة والعدل والمساواة بين الناس ، لا فرق بين أحد منهم ، فكل مواطن له حق مثل الآخرين ، وليس هناك أمير أو وزير ، أو عضو في مجلس يكتب له راتب يقدر بالملايين وغير ذلك من البدلات والمكرمات ، والشعوب تموت من الهلاك والغلاء وسرقة الأموال العامة والخاصة ، ولا حسيب ولا رقيب ، لم تظهر هذه الشرط وأعوانهم في عصر النبوة عصر الرحمة والعدل ، وإنما ظهرت عندما ابتعد الناس عن الدين وتفشى ظلم الحكام المستبدين، فاتخذوا الشرط والجنود والأعوان ليقهروا بهم الرعية ويكبتوهم ويخيفوهم عن المطالبة بأبسط حقوقهم على ولاة أمرهم ، ولكن لينتظروا من الله هذا الحديث : قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " [ رواه مسلم ] .
فيا أيها الحاكم والسلطان والرئيس . . إذا رأيت الناس تشتكي وتتذمر وتُسجن فاعلم أن في الأمر سراً ، لا يكتشفه إلا أنت بعد لجوئك إلى الله تعالى لكشف الحقيقة ، واحذر بطانة السوء ووزراء الشر ، فقد جاء الشرع المطهر بالحذر منهم إذا أردت النجاة يوم القيامة من ظلم الناس ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلاَّ لَهُ بِطَانَتَانِ : بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ " [ واه البخاري ] ، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالأَمِيرِ خَيْراً جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ ، إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ ، وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ ، جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ ، إِنْ نَسِىَ لَمْ يُذَكِّرْهُ ، وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ " [ رواه أبو داود وصححه الألباني ] .
والشرط وأعوان الظلمة مذمومون في كل مكان وزمان ، وقد كثرت في كثير من هذه الأمة فيبطشون بالناس بالسياط والعصي في غير حق شرعي ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك يكون فقال صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس . . . الحديث [ تفسير القرطبي لسورة الشعراء ] .
فرجال الشرطة وأعوان الظلمة الذين يعذبون الناس بالسياط وغيرها ، ويل لهم من رب الناس يوم القيامة ، وقال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } [ إبراهيم42 ] .
يقول الله تعالى : { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الشورى42 ] .
ويقول عز وجل : { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } [ هود113 ] .
ولا تركنوا : أي لا تميلوا إلى الذين ظلموا بمودة أو مداهنة أو رضاً بأعمالهم المجرمة ، فتصيبكم النار وما لكم من دون الله من أولياء أو ناصرين يحفظونكم وينصرونكم منه يوم القيامة وربما في هذه الحياة الدنيا ، فيقع عليهم العذاب والنكال جزاء أعمالكم الظالمة ، ولن يمنعكم أحد من عذابه وانتقامه يوم تعرضون عليه .
ويل للظلمة من ناصر المظلومين يوم القيامة ، مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الأَنْبَاطِ بِالشَّامِ قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُهُمْ ؟ قَالُوا حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ ، فَقَالَ هِشَامٌ : أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا " [ رواه مسلم ] .
وقد أصبح هذا الظلم معروفاً ومنتشراً في كثير من بلاد المسلمين ، فها هي السجون تعج بالمظلومين ممن يعذبون أشد العذاب ، ويعاقبون أشنع العقاب ، تعذيب لم يشهد له التاريخ مثيلاً ، بل ويصل الأمر إلى قتل المسلمين ظلماً وعدواناً ، فويل لمن ظلمهم وضربهم وقتلهم ، قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران21 ] ، لقد أصبح دم المسلم رخيصاً اليوم ، بسبب تخلي الناس عن دينهم وانسلاخهم عن إنسانيتهم ، يقول الله تعالى : { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } [ الشعراء227 ] ، المسلم عظيم عند الله عز وجل ، رفيع مقامه ، عزيز مكانه ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ " [ رواه الترمذي ] .
فالرجال الذين في أيديهم سياط كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من شرط أو من غيرهم ، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة . فالدولة إنما تطاع في المعروف ، قال صلى الله عليه وسلم : إنما الطاعة في المعروف وقال عليه الصلاة والسلام : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق [ مجموع فتاوى و مقالات ابن باز 6 / 379 ] .
وهذا الحديث من معجزات الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما قال أهل العلم .




من أهل النار (2)


الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
حديث نسمعه ونقرأه ، ولكن في الغالب الأعم أننا نمر عليه مرور الكرام ، لا نعيه ولا نعرف معانيه ومبانبه وإنما نمره كما هو ، مع أن الواجب الوقوف عنده طويلاً لاسيما النساء ، فإنهن أكثر أهل النار كما جاء في الحديث .
والآن لعلنا نتحدث عن صنف آخر من أهل النار :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " [ رواه مسلم ] .
ولنقف مع جملة الحديث الثانية وهي :
" وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا "
وعند الإمام أحمد في مسنده عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمْ بَعْدُ : نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ، مَائِلاَتٌ مُمِيلاَتٌ ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ أَمْثَالُ أَسْنِمَةِ الإِبِلِ ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَرِجَالٌ مَعَهُمْ أَسْيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ " .
هَذَا الْحَدِيث مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة ، فَقَدْ وَقَعَ هَذَانِ الصِّنْفَانِ ، وَهُمَا مَوْجُودَانِ . وَفِيهِ ذَمّ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ قِيلَ : مَعْنَاهُ كَاسِيَات مِنْ نِعْمَة اللَّه عَارِيَات مِنْ شُكْرهَا ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ تَسْتُر بَعْض بَدَنهَا ، وَتَكْشِف بَعْضه إِظْهَارًا بِحَالِهَا وَنَحْوه ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ تَلْبَس ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِف لَوْن بَدَنهَا .
وَأَمَّا مَائِلَات : فَقِيلَ : مَعْنَاهُ عَنْ طَاعَة اللَّه ، وَمَا يَلْزَمهُنَّ حِفْظه .
مُمِيلَات : أَيْ يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ فِعْلهنَّ الْمَذْمُوم ، وَقِيلَ : مَائِلَات يَمْشِينَ مُتَبَخْتِرَات ، مُمِيلَات لِأَكْتَافِهِنَّ . وَقِيلَ : مَائِلَات يَمْشُطْنَ الْمِشْطَة الْمَائِلَة ، وَهِيَ مِشْطَة الْبَغَايَا . مُمِيلَات : يَمْشُطْنَ غَيْرهنَّ تِلْكَ الْمِشْطَة .
وَمَعْنَى رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت : أَنْ يُكَبِّرْنَهَا وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَة أَوْ عِصَابَة أَوْ نَحْوهمَا [ شرح النووي على مسلم - (7 / 244) ] .
أَمَّا ( الْكَاسِيَات ) فَفِيهِ أَوْجُه أَحَدهَا : مَعْنَاهُ : كَاسِيَات مِنْ نِعْمَة اللَّه ، عَارِيَات مِنْ شُكْرهَا ، وَالثَّانِي : كَاسِيَات مِنْ الثِّيَاب ، عَارِيَات مِنْ فِعْل الْخَيْر وَالِاهْتِمَام لِآخِرَتِهِنَّ ، وَالِاعْتِنَاء بِالطَّاعَاتِ . وَالثَّالِث : تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا ، فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات . وَالرَّابِع : يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف مَا تَحْتهَا ، كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى .
وَأَمَّا ( مَائِلَات مُمِيلَات ) : فَقِيلَ : زَائِغَات عَنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى ، وَمَا يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا ، وَمُمِيلَات يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ ، وَقِيلَ : مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ ، مُمِيلَات أَكْتَافهنَّ ، وَقِيلَ : مَائِلَات يَتَمَشَّطْنَ الْمِشْطَة الْمَيْلَاء ، وَهِيَ مِشْطَة الْبَغَايَا مَعْرُوفَة لَهُنَّ ، مُمِيلَات يُمَشِّطْنَ غَيْرهنَّ تِلْك الْمِشْطَة ، وَقِيلَ : مَائِلَات إِلَى الرِّجَال مُمِيلَات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا .
وَأَمَّا ( رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت ) فَمَعْنَاهُ : يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس ، حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الْإِبِل الْبُخْت ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره ، قَالَ الْمَازِرِيّ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلَا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ ، وَلَا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّ الْمَائِلَات تُمَشِّطْنَ الْمِشْطَة الْمَيْلَاء ، قَالَ : وَهِيَ ضَفْر الْغَدَائِر وَشَدّهَا إِلَى فَوْق ، وَجَمْعهَا فِي وَسَط الرَّأْس فَتَصِير كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت ، قَالَ : وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالتَّشْبِيهِ بِأَسْنِمَةِ الْبُخْت إِنَّمَا هُوَ لِارْتِفَاعِ الْغَدَائِر فَوْق رُءُوسهنَّ ، وَجَمْع عَقَائِصهَا هُنَاكَ ، وَتُكْثِرهَا بِمَا يُضَفِّرْنَهُ حَتَّى تَمِيل إِلَى نَاحِيَة مِنْ جَوَانِب الرَّأْس ، كَمَا يَمِيل السَّنَام ، قَالَ اِبْن دُرَيْد : يُقَال : نَاقَة مَيْلَاء إِذَا كَانَ سَنَامهَا يَمِيل إِلَى أَحَد شِقَّيْهَا . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّة ) يُتَأَوَّل التَّأْوِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي نَظَائِره أَحَدهمَا : أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَنْ اِسْتَحَلَّتْ حَرَامًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ عِلْمهَا بِتَحْرِيمِهِ ، فَتَكُون كَافِرَة مُخَلَّدَة فِي النَّار ، لَا تَدْخُل الْجَنَّة أَبَدًا .
وَالثَّانِي : يُحْمَل عَلَى أَنَّهَا لَا تَدْخُلهَا أَوَّل الْأَمْر مَعَ الْفَائِزِينَ . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم . [ شرح النووي على مسلم - (7 / 244) ] .
قَوْلُهُ : ( كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ ) قِيلَ : كَاسِيَاتٌ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَارِيَّاتٌ مِنْ شُكْرِهَا .
وَقِيلَ : مَعْنَاهُ تَسْتُرُ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتَكْشِفُ بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ ، وَقِيلَ : تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا .
قَوْلُهُ : ( مَائِلَاتٌ ) أَيْ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُهُنَّ حِفْظُهُ ( مُمِيلَاتٌ ) أَيْ يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ فِعْلَهُنَّ الْمَذْمُومَ .
وَقِيلَ : مَائِلَاتٌ بِمَشْيِهِنَّ مُتَبَخْتِرَاتٌ مُمِيلَاتٌ بِأَكْتَافِهِنَّ ، وَقِيلَ : الْمَائِلَاتُ مِشْطَةُ الْبَغَايَا الْمُمِيلَاتُ بِمُشْطِهِنَّ غَيْرَهُنَّ تِلْكَ الْمِشْطَةُ .
قَوْلُهُ : ( عَلَى رُءُوسِهِنَّ أَمْثَالُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ ) أَيْ يُكْرِمْنَ شُعُورَهُنَّ وَيُعْظِمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَةٍ أَوْ عِصَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا .
البخت : بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ : الْإِبِلُ الْخُرَاسَانِيَّةُ .
وَالْحَدِيثُ سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ لُبْسِ الْمَرْأَةِ مَا يَحْكِي بَدَنَهَا ، وَهُوَ أَحَدُ التَّفَاسِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَأَنَّهُ لَا يَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ مَعَ أَنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ صِفَاتِ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ . [نيل الأوطار - (3 / 111-112 ] .
وقد فسر قوله : ( كاسيات عاريات ) بأن تكتسي مالا يسترها فهي كاسية وهى في الحقيقة عارية مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك وإنما كسوة المرأة ما تسترها فلا تبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونه كثيفا واسعا . { جلباب المرأة المسلمة - (1 / 151) ] .
وهذا الحديث من معجزات الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم كما قال أهل العلم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.