استهلت صحيفة «لوموند» الباريسية سلسلتها الصيفية «ما تصورنا أننا نراه» لصورة من ضاحية بيروت الجنوبية سبق أن اختيرت أفضل صورة صحافية لعام 2007. ويبدو في الصورة شاب ذو شعر طويل يقود سيارة حمراء مكشوفة وسط المباني التي تعرضت للقصف الإسرائيلي في الضاحية، ومعه أربع شابات بثياب صيفية، تسد إحداهما أنفها بمنديل كمن يتفادى رائحة كريهة، بينما تقوم الثانية بتصوير الخراب بهاتفها الجوال. محررو السلسلة يعودون إلى صور صحافية حازت شهرة عالمية دون أن تقدم القراءة الحقيقية للحدث، بل عكست صورة مغايرة عنه. ومن نماذج تلك «اللقطات الخادعة» الصورة التي التقطها المصور سبنسر بلات من وكالة «غيتي» نهار الخامس عشر من أغسطس (آب) 2006 بعد انتهاء الغارات المدمرة على بيروت. وأثارت تلك الصورة الكثير من الاهتمام لأنها، حسب ما يظهر فيها، تعكس التناقض الشائن بين الوضع المؤلم في الضاحية المدمرة المباني وبين ركاب السيارة الذين يبدو عليهم أنهم مجموعة من أبناء الذوات الذين يتفرجون على مأساة مواطنيهم ببرود وكأنهم سياح أجانب.
حال فوزها بجائزة «وورلد برس فوتو»، أثارت الصورة الجدل لأنها تدشن مفهوما غير معهود في صور تغطية الحروب والنزاعات. إنها تخلو من الأمهات المنتحبات والجثث المقطعة الأوصال والجرحى المكتظين في سيارات الإسعاف. كما أنها، بخلاف صور المناطق المنكوبة، لا تثير التعاطف بل الاستهجان؛ لأنها تظهر فتيات لاهيات، يبدون بلا إحساس، يتفرجن ويلتقطن الصور لمشهد حزين يستدعي الحشمة والمواساة. بل إن مصورين لبنانيين وجدوا في الصورة «شتيمة» للمهنة وللعاملين فيها ممن خاطروا بحياتهم وهم يغطون تلك الحرب. ولعل مما دفع بالجدل حول الصورة إلى مناطق أبعد وأثار تفسيرات طائفية هو الثياب الصيفية المتحررة للفتيات راكبات السيارة المكشوفة، في حين تظهر سيدة محجبة على الرصيف، في خلفية المشهد.
بعد سبع سنوات على زمن التقاطها، تستعيد كلير غيو، محررة «لوموند»، ردود فعل الأشخاص الظاهرين في الصورة وروايتهم الخاصة عن ملابساتها. ويكتشف القارئ أنهم من سكان الضاحية وليسوا غرباء عنها، هربوا من القصف ثم عادوا ليشاهدوا المباني المهدمة التي كانت بيوتا لهم. أي أنهم ضحايا لا متفرجون عابثون يتسلون بمصائب غيرهم.
وتروي بيسان مارون، الشابة التي تبدو في الصورة حاملة الهاتف الجوال، أن الدنيا قامت عليها بعد نشر الصورة وما رافقها من تعليقات، وهي قد صرحت لمجلة «شبيغل» الألمانية قائلة: «الكل تصور أننا شباب لبنانيون ميسورون ذهبوا لزيارة الأحياء الفقيرة كمن يذهب إلى متنزه سياحي. لكننا من الضاحية الجنوبية».
في ذلك النهار الصيفي الحار، خرجت بيسان مع شقيقها جاد (سائق السيارة) وشقيقتها تمارا (الشقراء الظاهرة في مقدمة الصورة) منتهزين ساعات وقف إطلاق النار ليعرفوا الأضرار التي حلت بالحي الذي يقيمون فيه. لقد أمضوا القسم الأكبر من أيام القصف لاجئين في فندق يقع وسط بيروت، على حساب رب عملهم. إن الأخ لا يملك سيارة، بل استعارها من صديقة له. وبسبب حرارة الجو رفع سقفها حيث كان دخان الحرائق يحرق العيون والحناجر. «انظروا إلى وجوهنا... إن الصدمة واضحة علينا. ويمكن وصف مشاعرنا بكل الأوصاف إلا الفرح واللامبالاة». لقد وجدوا شقتهم سليمة لكن كل المباني حولها قد تهدمت.
الخلاصة من حكاية القراءة الخاطئة لهذه الصورة هي أن الغربيين يجهلون المجتمع اللبناني. ولهذا تأتي تفسيراتهم مغلوطة لأطنان الصور التي تلتقط للنزاعات في تلك المنطقة. ويقول المصور اللبناني الأصل باتريك باز، مسؤول صور الشرق الأوسط في وكالة الصحافة الفرنسية، إن اللبنانيين لا تدهشهم صورة من هذا النوع؛ لأن لبنان بلد الأطراف القصوى، أو المتناقضات. كما أن هناك العديد من الأفكار المسبقة والجاهزة، فمنظر شابة ترتدي قميصا من دون أكمام لا يعني بالضرورة أنها مسيحية. كما أن هناك نساء من الشيعة غير محجبات. ويتساءل باز عن سبب شعور المشاهد بالصدمة! فحتى لو كان الشخوص البادون في الصورة غرباء عن الحي فإن من الطبيعي أن يذهب أهل المدينة لكي يروا الحدث بأعينهم.. إنها مدينتهم، وهو نفسه قد أخذ ابنته لترى ما فعله القصف ببيروت.
أما المصور الذي التقط الصورة المثيرة فقد سبق أن قال لمحطة «بي بي سي» إن صورته تطرح السؤال حول تعريف الناس للضحايا. ولهذا فلم يتصور المشاهد أن الشباب الظاهرين في الصورة يمكن أن يكونوا من ضحايا الحرب؛ لأنهم معافون ومليئون بالحياة.