كعادته، اتفق اليسار المصرى على ألا يتفق، دخل الانتخابات البرلمانية الأخيرة مشرذما، فخرج منها مثقلا بهزائم جديدة فى مواجهة التيارات الإسلامية، رغم الدور الذى لعبه اليسار فى قيادة ثورة 25 يناير، وحتى عندما وصلت البلاد إلى مشارف الانتخابات الرئاسية، أصر اليسار على أن يكمل مسيرة «التشرذم» التى بدأها فى الانتخابات البرلمانية. فعندما بدأ التساؤل فى صفوف اليسار عن الموقف من الانتخابات الرئاسية، وإذا ما كانت هناك شخصية يمكن التوافق عليها بين القوى اليسارية والثورية، وجاءت إجابات متعددة، من بينها ترشيح حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، الذى طرح أبو العز الحريرى، فيما طرحت فصائل أخرى دعم حمدين صباحى والنائب محمد أبو حامد. ومع استمرار الجدل داخل القوى اليسارية حول تقديمها مرشحا للرئاسة، أعلن الناشط الحقوقى خالد على عن ترشيح نفسه، مسلحا بتاريخ حافل بالانتصارات القضائية التى حققها لصالح العمال، على مدار تاريخه المهنى كمحام وناشط حقوقى، ففى عام 2009، أسس خالد على المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفى ديسمبر 2009، حصل على حكم تاريخى بإنهاء الحراسة القضائية على نقابة المهندسين، وبعد أشهر قليلة، حصل على حكم آخر من محكمة القضاء الإدارى، بضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور، وكان خالد على محامى النائب الحالى حمدى الفخرانى، فى القضية التى أقامها ضد وزارة الإسكان فى عهد مبارك، لاسترداد أرض مشروعى مدينتى وبالم هيلز. ورغم انتمائه سياسيا إلى تيار اليسار، إلا أن خالد على سارع فور إعلانه رسميا ترشيح نفسه، ليؤكد أنه ليس مرشح اليسار، وفى حوار ل«الفجر»، شدد على أنه ليس عضوا فى أى حزب سياسى حتى الآن، وأن اسمه لم يتم طرحه من جانب أى قوى سياسية، رغم أنه مازال مثارا ضمن الجدل الدائر بين القوى اليسارية للتوافق على مرشح فيما بينها. وأوضح «على» أنه سينتهى من وضع برنامجه الانتخابى قبل فتح باب تقديم أوراق الترشح، فى 10 مارس، أو 15 مارس على أقصى تقدير، موضحا أنه لن يبدأ فى صياغة البرنامج من أول السطر، ولكنه سيستعين فى ذلك بالمبادرات التى وضعتها بعض الحركات الاجتماعية والسياسية فى السابق، مثل مبادرة إعادة هيكلة الشرطة، التى شارك فيها نشطاء وسياسيون ورجال شرطة. ويؤكد «على» أن المحور الرئيسى فى البرنامج الانتخابى سيكون محورا اقتصاديا تنمويا، بحيث يتوقف الاعتماد على القطاع الخاص وحده فى عملية التنمية، وبناء الاقتصاد، مشددا على ضرورة إعادة إحياء القطاعين العام والتعاونى، وضبط القطاع الخاص على أساس تنافسى، بما يضمن تكافؤ الفرص، مضيفا أن القطاعين العام والتعاونى، يمثلان ركيزة أساسية فى حماية الأمن القومى، ففى حرب 6 أكتوبر 1973، لم يكن لدى القوات المسلحة أى مؤسسات اقتصادية، وقام القطاع العام وقتها بتوفير احتياجات الجيش والدولة، وهو ما يتطلب أيضا إعادة «التعاونيات» إلى الحياة، باعتبارها إحدى أدوات إعادة توزيع الثورة على المجتمع، وهى الفكرة التى تم اغتيالها فى عهد مبارك. ويشدد خالد على فى حديثه على رفضه أن تمتلك القوات المسلحة كيانا اقتصاديا مستقلا عن الدولة، فهى مؤسسة مهنية دورها حماية الحدود، وانشغالها بأن تلعب دورا اقتصاديا، سيؤدى إلى خلل فى الجيش، ونفس الأمر بالنسبة لوزارة الداخلية، مضيفا: «ولا يحق للمؤسسة العسكرية أن تلعب دورا اقتصاديا أو سياسيا أو حزبيا، فلابد للدولة أن تمتلك كل المؤسسات الاقتصادية العسكرية، وهو أحد ملامح البرنامج الانتخابى، الذى سيعتمد على إعادة كل المؤسسات الاقتصادية العسكرية إلى القطاع العام». ومن الخطط التى يعتبرها خالد على على رأس أولوياته، ضرورة الإعلان عن كل الأنشطة الاقتصادية للجيش، والكشف عن ميزانياتها وأرباحها منذ تأسيسها، ومصادر إنفاقها، وتحديد الهيئات العامة التى تؤول إليها هذه الممتلكات، معتبرا أن ذلك سيؤدى إلى انفراجة كبيرة فى أزمة البطالة، بعد فتح هذه الأنشطة أمام المدنيين للعمل فيها، مضيفا أن ميزانية الجيش ومؤسساته تتمتع بقدر كبير من السرية، فحجم الأرباح والأجور غير معروف، وأيضا مصادر إنفاقها. وحول مصادر تمويل حملته الانتخابية، يؤكد خالد على أنه سيعتمد على التبرعات، رغم علمه بأنه سيواجه قصورا ماليا، فى مواجهة الملايين التى سيتم إنفاقها فى الحملات الانتخابية للمرشحين الآخرين، والتى لا يمكن لشاب فى عمره أن يتحملها، مضيفا أنه يعتمد أيضا على العمال والشباب والمبادرات الفردية، من المجموعات الشبابية والنشطاء، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى تبرعات الأفراد والنشطاء، ويوضح: «سأقوم بالتبرع بمبلغ 10 آلاف جنيه من جيبى الخاص». ومن بين النقاط التى أثارت جدلا بين القوى اليسارية، قبوله ترشيح نفسه للرئاسة تحت حكم المجلس العسكرى، وهو ما يرد عليه خالد على بقوله: «بالتأكيد الانتخابات فى ظل وجود المجلس العسكرى فى السلطة، ليس هو الوضع الأمثل، لكن ليس هناك بديلا عن خوض الانتخابات فى وجوده، وربما تكون هذه الانتخابات نفسها هى ضرورة ملحة لإبعاد العسكر عن الحكم». وعن موقفه من وجود نائب للرئيس فى النظام القادم، أكد خالد على أن «الانتخابات الرئاسية تتم فى أجواء استثنائية، بسبب المرحلة الانتقالية، وكان من الأفضل أن يصدر الدستور فى السنة الماضية، لكن تم تأجيله دون مبرر، وفى الوقت الراهن مازلنا نتنظر صدور دستور لم تتحدد ملامحه حتى الآن، ليحدد لنا طبيعة العلاقة بين الرئيس ونائبه، رغم أنه الأفضل أن يكون هناك نائب منتخب للرئيس، وليس معينا، وأتمنى أن يتم فى التعديلات الدستورية المقبلة، إقرار التصويت على كل من الرئيس ونائبه فى ورقة واحدة»، ويوضح خالد على أنه يرى أن النظام المختلط ما بين الرئاسى والبرلمانى سيكون هو الأفضل فى الدستور المقبل، لأنه يجعل هناك توازنا بين السلطات. ووجه «على» نقدا للمادة 28 من المرسوم العسكرى الخاص بقانون الرئاسة، التى تضفى حصانة على قرارات اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، مؤكدا أن المادة خاطئة، وهو ما دفعه لإعداد ورقة حول الإعلان الدستورى، توضح أنه لا يجوز تحصين أى عمل أو قرار عن رقابة القضاء، حتى لو كانت اللجنة تضم شيوخ القضاء فى مصر، فتوصيفها أنها لجنة إدارية تمارس عملا إداريا، وبالتالى لا يجوز أن تبقى قرارتها بعيدا عن رقابة القضاء. ويؤكد «على» استعداده لمواجهة كل الهجمات المحتملة عليه، والرد على جميع النقاط التى سيحاول خصومه استغلالها ضده، ومن بينها الهجوم الذى تواجهه منظمات المجتمع المدنى، على خلفية اتهامات بتلقى تمويل أجنبى، موضحا أن لديه الاستعداد الكامل لمواجهة هذا الهجوم، والذى بدأ بالفعل عن طريق اللجان الإلكترونية على موقعى فيس بوك وتويتر، ومن خلال رسائل على تليفونه المحمول، والتى تتهمه بالكفر لأنه ينتمى للتيار اليسارى، بالإضافة إلى أنه اخترق صفحته الشخصية على «فيس بوك». ونفى «على» وجود أى علاقة له بأى جهات خارجية، مضيفا أنه سافر إلى الخارج عدة مرات، من بينها مرة إلى الولاياتالمتحدة، بعد تلقيه دعوة من نقابة «الشيالين» هناك، وخلال الزيارة التقى عددا من ممثلى النقابات العمالية، كما زار إسبانيا وكولومبيا، وعددا من الدول العربية، وجميعها زيارات تتعلق بقضايا العمال والنقابات العمالية. وحول عدم توافق القوى اليسارية على دعمه فى معركة الرئاسة، يقول على إن كل الأحزاب السياسية، وليس اليسارية وحدها، تناقش حاليا محورين رئيسيين، الأول أن يكون لها مرشح يمثلها بذاتها، والثانى، هو الاتفاق على رئيس توافقى فيما بينها، بهدف إقامة نظام ديمقراطى، بغض النظر عن اختلاف الأجندات الاقتصادية والاجتماعية. السنة الخامسة - العدد 344 - الاثنين - 03/05 /2012