31 مايو سنة 1934.. يوم لا تخطئه ذاكرة الإذاعيين، ومعهم التليفزيون أيضا، فالتليفزيون هو الشقيق الأصغر للإذاعة الذى لحقه التطور فأصبح ذا عينين ترى، وهناك من يعترض ذلك المنطق، ولا يحب أن يتقاسم أو يشارك التليفزيون هذا العيد، لكننى أرى أن هذا المنطق وذلك الرأى يفتح الباب الملكى للفرقة والتفرقة ونحن فى غنى عنها، والآن. لابد أن أعود لأقول إن 31 مايو سنة 1934 هو التاريخ الذى صارت الإذاعة بعده وحتى يومنا هذا «الإذاعة المصرية الرسمية»، وقبل ذلك كان الأثير ممتلئاً بالصريخ والمهاترات بين إذاعات أهلية لم تجد للمنافسة فيما بينها طريقا إلا الزعيق والشتائم، وبعدما درسنا تاريخ الإذاعة عقب التحاقنا بها وفى «معهد الإذاعة والتليفزيون» عرفنا أن هناك من السياسيين والباشوات من تعاقب على رئاستها وحتى الأطباء لم تخل منهم رئاسة الإذاعة مثل د.على باشا إبراهيم والمستشار القانونى الأستاذ أمين حماد تولى رئاسة الإذاعة أيضا، واستمر توالى الشخصيات العامة رئاسة الإذاعة حتى كبر أبناؤها واستطاعوا أن يتقلدوا مواقع الإدارة بعد هؤلاء الرواد الأول. ومن أبرزهم وكما أذكرهم بالاسم وربما عاصرتهم ولو لفترة قصيرة - فقد التحقت بالإذاعة فى يونيو 1965- كان المستشار أمين حماد أو «حماد بك» كما اشتهر اسمه بين الإذاعيين.. رجل قانون عادل.. وواضح، أعطى لكل ذى حق حقه، وتاريخه ناصع فى إدارة «صوت بلدنا» كما يحلو لنا أن نسميه بعد أغنية كوكب الشرق التى أهدتها للإذاعة عام 1964 بمناسبة مرور 30 سنة على الإذاعة الرسمية، وبعد المستشار «حماد بك» جاء الأستاذ عبدالحميد الحديدى، وكان له من اسمه نصيب كبير، فقد كان حديديا بحق فى أدائه ولكن عدله كان سابقا لصلابته ولذلك أحبه الإذاعيون.. ولاتنسى الإذاعة أبدا من اشتهر ب «بابا شارو» صاحب أشهر برامج الأطفال وصاحب روائع الأعمال الدرامية التى لاينساها التاريخ أو رجل الشارع الذى يردد «الدندرمه»، «عذراء الربيع»، «على بابا»، «ألف ليلة» وغيرها، وبعد «بابا شارو» توالت السنوات والرئاسات «صفية المهندس»، «فهمى عمر»، «أمين بسيوني» و«فاروق شوشة» حتى وصلنا إلى يومنا هذا، والرؤساء ألوان ومدارس مختلفة ولكنها جميعا تدرك أثر الإذاعة وأهميتها فى تكوين أو تغيير الرأى العام فى مصر، وللتاريخ.. لابد أن نذكر هذا الاتهام الذى التصق بالإذاعة فى تحيزها للنظام والسلطة، ولهذا الاتهام ما يؤيده وما يدفع عنه هذه التهمة، فهناك من شق الصف وقال كلمته الشجاعة للتاريخ.. ومن أشهرهم «إيهاب الأزهري» و«فاروق خورشيد» و«اصلاح زكي» و«سميرة الكيلاني» وغيرهم ممن شملهم الإبعاد والنقل القسرى من مواقعهم فى السبعينيات، والآن لابد أن أتذكر وجوها عايشتها ورحلت عن دنيانا وأخرى أدعو لها بالصحة والعافية، وأتذكر «صفية المهندس» يرحمها الله الأم الحانية التى استحقت بجدارة لقب «أم الإذاعيين» كما اطلقناه عليها..
- أتذكر «فهمى عمر» أمد الله فى عمره.. أتذكر نشاطه وتشجيعه للإذاعيين الموهوبين وإعطائهم الفرصة للظهور..
- أتذكر «آمال فهمي» أمد الله فى عمرها.. وأتذكر دأبها وإصرارها على النجاح الباهر الذى جر عليها كثيرا من الحسد.
- أتذكر «على عيسي» الإذاعى الشامل. الذى أعطى الكثير ولم يأخذ إلا أقل القليل.
- أتذكر «عواطف البدرى» أمد الله فى عمرها.. صوتها الرومانسى الحالم وأدبها ودماثتها.
- وختاما أتذكر قيادتين اذاعيتين رحلتا عن عالمنا ولكن كان لكل منهما دور مهم فى إرساء إدارة الإذاعة المرئية «التليفزيون» فيما بعد عام 1960 وهو تاريخ بداية ارسال التليفزيون..
أتذكر «همت مصطفي» برخامة صوتها فى نشرات الأخبار وقدرتها الإدارية الرصينة.
واستبقى اسم «تماضر توفيق».. ساطعا.. كعلامة الجودة والنزاهة والثقافة الإعلامية وأظن أنها دفعت ثمن شجاعتها ورأيها الحر ولذلك رددت كثيرا أمامى «ماذا لو كسبت العالم كله وخسرت نفسى؟!».
ولابد أن نجد فى تاريخها وشجاعتها دفاعا حقيقيا عن الإعلام المتهم بموالاة السلطة والحكومة، وللتأمل فى هذا الموضوع شرح يطول ولايسمح به المقام..