توصلت دراسة حديثة بجامعة المنيا إلى أن الأحزاب السياسية في مصر لازالت تعاني من فجوة بين القول والفعل وخللاً في الأداء، فعلى الرغم من المبادئ السامية التي تتشابه وتقوم عليها كثير من الأحزاب، إلا أن مستوى الأداء الفعلي لتلك الأحزاب في الواقع السياسي والمجتمعي يتسم بالقصور ولا يمثل شيئاً مما هو مفترض عليها أن تقوم به، كما أثبتت الدراسة التي أجريت خلال الفترة من مايو وحتى أغسطس 2011 أنه كانت هناك صوراً ذهنية سلبية متبادلة بين كل من أنصار التيار المدني وتيار الإسلام السياسي، فكل فريق يرى الآخر في صورة نمطية سلبية في أغلب الأحوال. جاءت الدراسة التي هي عبارة عن رسالة للدكتوراه حصل بها الباحث عادل رفعت عبد الحكيم على درجة الدكتوراه في الآداب من قسم الإعلام بجامعة المنيا بمرتبة الشرف الأولى في إطار كون الأحزاب السياسية أحد أهم الكيانات والمؤسسات في الدولة ومسئولة بشكل مباشر عن المشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر منذ رحيل الحزب الوطني السابق عن الحكم الأمر الذي أصاب الكثير من مؤسسات الدولة بالخلل نتيجة لأعمال الفوضى التي صاحبت وأعقبت ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011 ضد النظام الحاكم.
وتكونت لجنة المناقشة من كل من الأستاذ سمير مرقس مساعد رئيس الجمهورية لملف التحول الديمقراطي والأستاذ الدكتور حسن علي محمد رئيس قسم الإعلام بجامعة المنيا والأستاذ الدكتور محمد شومان عميد المعهد الدولي العالي للإعلام بأكاديمية الشروق.
أجريت الدراسة على عينة مكونة من 432 مفردة بمحافظات المنيا والقاهرة والغربية و15 حزباً سياسياً وتوصلت الدراسة أيضاً إلى أن الاتصال كان له دور بارز في تشكيل الصورة الذهنية للأحزاب السياسية، حتى أن مدى إيجابية صورة الأحزاب السياسية لدى أفراد العينة ارتبطت بمعدل الاعتماد على أشكال الاتصال الشخصي التي تقدم معارف ومعلومات عن تلك الأحزاب.
ورغم أن كلاًّ من درجة المشاركة الحزبية والاتجاه نحو الأحزاب تأثر بمدى قناعة المبحوثين بوجود أحزاب تقدّم نموذجاً إيجابياً للممارسة الحزبية؛ حيث أسهم وجود مثل هذه النماذج في خلق اتجاه جماهيري إيجابي نحوها، ومن ثمّ المشاركة فيها، إلا أن عملية التصويت في الانتخابات لم تتأثر بأي من المتغيرات المتعلقة بالهوية السياسية أو متغيرات الاعتماد على وسائل الاتصال المختلفة كمصدر للمعلومات حول الأحزاب السياسية.
وقد أسفر رصد التفاعلات الحادثة بين الاتصال بأشكاله المختلفة "النظام الإعلامي" وبين الأحزاب السياسية "كجزء من النظام الاجتماعي" والجمهور "الرأي العام" عن وجود علاقات تأثير وتأثر بين هذه الأنظمة، وأن هذه العلاقة لا يمكن تصور غيابها في ظل كون الأحزاب السياسية –كجزء من النظام السياسي الذي هو بدوره أحد مكونات النظام الاجتماعي- تسعى إلى الوصول للسلطة من خلال تكوين قاعدة جماهيرية تدعم أهداف تلك الأحزاب، إضافة إلى أن النظام الإعلامي القائم تحكمه قوانين وسياسات عامة يعمل في إطارها وتجعل الوسائل الإعلامية المختلفة الموجودة في المجتمع تختلف من حيث الأهداف والسياسات ومن ثم مواقفها من الأحزاب القائمة، والجمهور يؤدي دور المراقب أو المتابع لأداء كل من الأحزاب ووسائل الإعلام ويتأثر بما يتفق مع احتياجاته ورغباته وميوله الشخصية، ومن ثمّ يتأكد استمرار أهمية دراسة تلك التفاعلات بين هذه النظم المختلفة في المجتمع.
وخلصت الدراسة إلى أن درجة الاستقرار الاجتماعى تؤثر على زيادة أو قلة الاعتماد على وسائل الإعلام كمصدر للمعلومات، فكلما زادت درجة عدم الاستقرار فى المجتمع زاد الاعتماد الجماهيرى على وسائل الإعلام، ونظراً لكون المرحلة الانتقالية في النظام السياسي المصري، والتي بدأت في 11 فبراير 2011 اتسمت بالتقلب وعدم الثبات المتمثل في الكثير من الأزمات والأحداث الطائفية وقضايا الفساد والمظاهرات الفئوية، فإن ذلك أدى إلى زيادة اعتماد الأفراد على وسائل الاتصال المختلفة من أجل الحصول على المعلومات، حتى أنه خلال تلك الفترة ظهرت العديد من وسائل الاتصال التي لم تكن موجودة من قبل وتأسست الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية والقنوات الفضائية لتشبع رغبة الجمهور في المعرفة والاطلاع على مستجدات الأمور.
واتضح أن كلاًّ من وسائل وأشكال الاتصال الشخصي والحديثة كان لها تأثير على مدى إيجابية اتجاهات المبحوثين نحو الأحزاب السياسية والمشاركة الحزبية، أي مدى الإقبال على الاشتراك في عضوية أحدها، بمعنى أنه كلما زادت فرص اعتماد الأفراد على أشكال الاتصال الشخصي ووسائل الاتصال الحديثة مثل القنوات الفضائية والإنترنت، زاد اقتناعهم أكثر بأن الأحزاب السياسية لها أدوار إيجابية في المجتمع ولا يمكن الاستغناء عنها في النظم الديمقراطية، بالإضافة إلى أدوارها في مراقبة السلطة التنفيذية ونقدها وتحقيق التداول السلمي للسلطة، ومن ثمّ زيادة الرغبة في المشاركة في العمل الحزبي .
توصلت الدراسة إلى أن الهوية السياسية للجمهور تتشكل من خلال نفس المكونات الاجتماعية لهم والتي طرحتها النظرية، وهي المكون المعرفي والمكون التقييمي والمكون الوجداني، لكن الهوية السياسية للمبحوثين تتسم بمستوى أقل من الثبات والرسوخ مقارنة بالهوية الاجتماعية لدى الأغلبية منهم، بما يشير إلى أن الهوية السياسية قد تكون من أقل أنواع الهويات ثباتاً مقارنة بالهويات القومية أو الوطنية والدينية التي غالباً ما تكون غير قابلة للتعديل أو التغيير .
ويرجع ذلك إلى أن المعتقدات السياسية للأفراد تتأثر بعوامل عدة؛ منها كيفية الانضمام لجماعة سياسية معينة ومصادر معلومات الجمهور عنها وعمق علاقته بتلك الجماعة والخصائص والسمات الشخصية، وفيما يلي توضيح تلك العوامل وكيفية تأثيرها في الهوية السياسية للأفراد :
وقد ظهر من خلال اللقاء مع مبحوثين كانوا ينتمون إلى الحزب الوطني سابقاً– أن هؤلاء المبحوثين اتجهوا إلى الانخراط في أحزاب سياسية جديدة وعملوا على طمس هويتهم السياسية القديمة، وتأكيد مشاركتهم في الثورة من أجل الحصول على تقدير المجتمع لهم، كما ثبت أن بعضهم لجأ إلى ذلك الاختيار نتيجة شعورهم بالهوية المهددة نظراً لانتمائهم لأقلية مقارنة بالفريق المؤيد للثورة ضد النظام القديم ونتيجة للهجوم المتواصل من جانب العديد من وسائل الإعلام على ما أسمته تلك الوسائل بفلول الحزب الوطني الديمقراطي .
كما أثبتت الدراسة أن عامل الأغلبية مقابل الأقلية لم يؤثر على تقدير المبحوثين للجماعة التي ينتمون إليها، فرغم أن أغلبية المبحوثين من غير المنتمين لأحزاب سياسية، إلا أن تقدير الذات كان متقارباً بين المجموعتين المنتمين لأحزاب سياسية وغير المنتمين لأحزاب سياسية، مما يشير إلى وجود نوع من التوازن في قناعة كل فريق بالجماعة التي ينتمي إليها .
وأوصت الدراسة بضرورة أن تعمل الأحزاب السياسية على إعادة الصحف الحزبية إلى ممارسة دورها القديم الذي أنشئت من أجله وهو الدفاع عن قضايا الوطن والمواطن، بدلاً من تحويلها إلى نشرة دعائية، وإمكان تخصيص صفحة أو عدة صفحات داخلية يتم فيها عرض أنشطة الحزب بالتفصيل حتى تتمكن تلك الصحف من الاهتمام أكثر بتأدية دورها في مراقبة الحكومة أو السلطة التنفيذية وأعمال السلطات الأخرى بالشكل المهني الذي يضمن لها جماهيرية واسعة، ومن ثمّ القدرة على اكتساب مثقفين وقادة رأي يقدمون الأفكار العملية لنهضة الوطن من خلالها، ويصبح الحزب نفسه السلة التي تتجمع فيها تلك الأفكار والتي يحاول قدر إمكانه وضعها موضع التنفيذ فتزداد فرصه في الوصول إلى الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها وفق أيديولوجيته الخاصة .