قال خبراء ومصرفيون في مصر أن استمرار حالة الغياب الأمني وعدم الاستقرار يهددان بمزيد من تراجع الاحتياطي النقدي، مشيرين إلى أن تأثير استمرار هذه الحالة لن ينال فقط من الاحتياطي النقدي المصري ولكن من القطاع الاقتصادي بشكل عام، مؤكدين استحالة وصول هذه الاحتياطي إلى صفر، خاصة وأن حكومة الدكتور كمال الجنزوري هي حكومة اقتصادية وليست حكومة سياسية وتعمل منذ اليوم الأول لقدومها على تحسين الأوضاع الاقتصادية. وكان البنك المركزي المصري قد أعلن أمس تراجع أرصدة الاحتياطيات الأجنبية لمصر بنحو 1.7 مليار دولار، بنهاية شهر يناير الماضي، لتسجل حالياً نحو 16.4 مليار دولار، من رصيد بلغ 18.1 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2011. وتراجعت الاحتياطيات الأجنبية المصرية بشكل حاد وبقيمة إجمالية بلغت نحو 19.6 مليار دولار خلال العام الماضي، عندما كانت 36 مليار دولار فى نهاية شهر ديسمبر 2010.
وقال عضو مجلس الإدارة المنتدب والرئيس التنفيذي لبنك المؤسسة العربية المصرفية، أكرم تيناوي، إن استمرار هذه الحالة التي تعيشها البلاد يهدد بمزيد من التراجع في كافة القطاعات الاقتصادية، مشيراً إلى أن تعطل الانتاج واستمرار الاعتصامات الفئوية يأتي سلباً على كافة معطيات العملية الاقتصادية، وفي النهاية ومع استمرار هذا الوضع سوف نجد أنفسنا أمام ثورة الجياع التي ربما قاربت على القيام.
وأوضح تيناوي في تصريحات ل "العربية.نت" أنه رغم تراجع الاحتياطي النقدي في مصر بهذه النسب خلال عام واحد، لكن نحمد الله أن هذه الأزمة أو أن الثورة المصرية لم تقم في أعوام 2003 أو في 2004 لأن الاحتياطي النقدي خلال هذه الأعوام لم يكن يتجاوز 18 مليار ولار، ونحن خلال العام الماضي وهو عام الثورة فقدنا أكثر من 20 مليار دولار من الاحتياطي النقدي، وإذا حدثت الثورة والاحتياطي النقدي بالبنك المركزي لا يتجاوز ال 20 مليار دولار لكانت مصر تعرضت فعلا لأزمة اقتصادية خانقة.
وطالب تيناوي كافة القوى والحركات السياسية بالتكاتف من أجل دعم الاقتصاد الوطني الذي ربما يتعرض خلال الفترات القادمة إلى أزمات أكبر طالما استمر هذا الوضع، مستبعداً وصول الاحتياطي النقدي إلى صفر، لافتا إلى التصريحات السلبية التي أدت إلى هروب السياح الأجانب من مصر، متسائلا: لمصلحة من نجد شخوصاً يطلقون تصريحات تضر بهذا القطاع السياحي الذي يعيش منه ملايين المصريين كما أنه يعد أحد العوامل المهمة والرئيسية لضخ العملة الصعبة في البلاد.
من جهته يرى وزير الاقتصاد الأسبق الدكتور سلطان أبو على، أن المشكلة التي تواجه الاقتصاد المصري حالياً تتمثل في أننا نعانى من الركود التضخمي، مما يجعل العلاج صعباًُ، مؤكداً أن السياسة الاقتصادية الصالحة تتكون من ثلاث خطوات وهى اتخاذ الإجراءات الكافية، وفى التوقيت المناسب والملائم، واتساق السياسة المالية مع السياسة الاقتصادية.
وطالب أبو على بأن تعمل الحكومة وبسرعة شديدة على إعادة توزيع الدخل، وخفض نسبة الفقر، وتكافؤ الفرص، وعلاج الركود، وتنشيط الاقتصاد، واتخاذ الإجراءات اللازمة لعلاج السياسة المالية، وأن تسرع الحكومة بوضع حد أعلى للدخول وليس للأجور، وإعطاء الأولوية في النفقات بالموازنة العامة للدولة للتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، ويجب فرض الضريبة التصاعدية دون التأثير على الاستثمار والأسعار، وتطبيق الضريبة العقارية.
وأكد أنه بدون العمل على كل هذه الإجراءات فسوف نجد أننا أمام أزمات اقتصادية متتالية ولن يتوقف الموضوع عند تراجع حجم الاحتياطي النقدي الذي سوف يشهد مزيد من التراجع طالما استمرت المطالب والاعتصامات الفئوية والتي تدمر الاحتياطي النقدي وبشكل سريع.
واقترح وزير الاقتصاد الأسبق أن يتم إصدار سندات ثورة، يتم الاكتتاب فيها بدون فائدة لمدة 5 سنوات، ما يخفف الأعباء المالية في المرحلة الانتقالية، كما اقترح فرض ضريبة على الثروة لمرة واحدة لمن تزيد ثروته عن 10 مليون جنيه بنسبة 10%، ولزيادة السيولة يجب العمل على إلغاء نسبة الاحتياطي الإلزامي الذى يفرضه البنك المركزي على البنوك، ما يتيح للجهاز المصرفي خفض الفائدة وزيادة السيولة، وثانيهما زيادة البنك المركزي لكمية النقود المتداولة دون زيادة التضخم.
وأشار الخبير الاقتصادي والاستراتيجي الدكتور علاء رزق، أن مصر تعانى حالياً من أوضاع اقتصادية سيئة، حيث شهدت الفترة الماضية إغلاق ما يقرب من 1700 مصنع، وهناك ألاف المصانع لا تعمل بكامل طاقاتها، و70% من احتياجات الغذاء يتم استيراده من الخارج، وكل هذه العوامل أدت إلى انخفاض الاحتياطي النقدي بطريقة مخيفة، وارتفاع معدلات البطالة.
وأكد رزق أن مصر بعد ثورة 25 يناير ورغم الأزمات التي تمر بها، لكنها مؤهلة أن تكون دولة قوية ومركزية رائدة باستخدام أدوات العصر.
واقترح استراتيجية للتحديث تقوم على مجموعة من المحاور تتحرك في خط أفقي منها تحديث العنصر البشرى، وتحديث قطاع المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغر بتقديم التمويل والدعم، وإنشاء بنك للفقراء، وتعميق المواطنة والانتماء، والإصلاح السياسي، والاستفادة من استقدام الاستثمار الأجنبي في مصر.