مروة على أعربت اللجنة الوطنية للدفاع عن حرية التعبير عن قلقها البالغ مما يدور داخل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وتعتبر استمرار عملها بالنهج الحالي، فضلا عن تشكيلها المعيب منذ البداية، مؤشرا على إنتاج كارثة، وليس دستورا يعبر عن هوية الشعب المصري وثقافته وتنوعه، ما يثير مخاوف وتوجس قطاعات واسعة من أبناء هذا الشعب وضميره الحي، ومنهم المبدعون والأدباء والمثقفون والفنانون والصحفيون ورجال الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني وأنصار حرية الرأي والتعبير، من سيطرة تيار داخل الجمعية التأسيسية معادٍ للحريات العامة، والمكتسبات والحقوق التي انتزعها المصريون على امتداد تاريخهم الحديث، بدماء الشهداء وتضحيات خيرة أبناء الوطن. وتحذر اللجنة من سعي هذا التيار المهيمن على الجمعية التأسيسية للعودة بنا إلى الوراء، بتكبيل حرية الإبداع والتراجع عن تحرير الإعلام واستقلال الصحافة، وفى اطار هذه المخاوف نود أن نشير إلى مجموعة من الملاحظات اهمها: الخلل الجسيم الذى شاب تشكيل التأسيسية منذ البداية، ما جعلها غير قادرة على إنجاز دستور يحظى بتأييد شعبي، ويعبر بصدق عن أهداف وأحلام ثورة 25 يناير، وقد تجلى ذلك فى مقاطعة شخصيات عامة وسياسية، لأعمالها ما أثر بشكل كبير على مصداقيتها. تنصل الرئيس محمد مرسي من وعده الذي قطعه على نفسه أمام القوى السياسية والوطنية، بإعادة تشكيل اللجنة لتكون تعبيرا حقيقيا عن كل القوى والفئات والأطياف، وتعكس التنوع الذي يميز تكوين الشعب المصري ويشكل هويته وثقافته. إدارة عمل لجان الاستماع التي التقت عددا من الشخصيات والفئات على طريقة العلاقات العامة، وليس المشاركة الفعلية في صناعة دستور يذهب بنا إلى المستقبل، ويعبر عن الثورة العظيمة للشعب المصري، ما جعل عملها يتسم بالشكلية والصورية وانعدام الأثر. ظهر جليا من المسودات التي خرجت عن أعمال اللجنة، إهمالها بدرجة تتسم بالفجاجة وعدم الرشد، لكل الاقتراحات والوثائق التي تقدمت بها بعض الهيئات والمؤسسات والمنظمات الأهلية والحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات والائتلافات المعنية بالحقوق المدنية وحرية الإبداع والتعبير، ومنها على سبيل المثال "وثيقة الأزهر" التي كانت محل تقدير قطاعات واسعة من المصريين بمختلف انتماءاتهم. وأشارت اللجنة إلى أن المسودة الثانية لباب الحقوق والحريات خرجت أسوأ من المسودة التي أعلنت قبلها، التي لم تكن أحسن حالا بكثير، فقد تم التراجع في المسودة الثانية بباب الحقوق والحريات، مقارنة بالمسودة الأولى فيما يتعلق بحرية الإبداع، بإلغاء النص على أن "الإبداع الأدبي والفني والثقافي حق لكل مواطن"، بزعم أنه وارد في مادة أخرى، علما بأن هذه المادة تشير إلى حرية الإبداع دون تفصيل، الأمر الذي يثير القلق على مستقبل الفن والآداب، حيث إن المقصود هو استبعاد النص على الإبداع الفني والأدبي على وجه التحديد. كما تم إلغاء النص على حرية البحث العلمي على إطلاقه، بدعوى وجوده في باب المقومات الأساسية للدولة والمجتمع، علما بأن النص الوارد حتى الآن في هذا الباب يخص الجامعات، بما يعنيه ذلك من تقييد البحث العلمي ووضعه في إطار محدود. والمثال الثاني هو ملف الصحافة والإعلام، حيث طالبت الجهات المعنية بهذا الملف أن يتضمن الدستور مجموعة من المبادئ في مقدمتها: إطلاق حرية إصدار الصحف للأفراد والأحزاب والهيئات الاعتبارية العامة والخاصة بمجرد الإخطار. و يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام أو مصادرتها أو إنذارها أو وقفها أو إلغاؤها، ولا يجوز توجيه الاتهام في جرائم النشر بغير طريق الادعاء المباشر، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في هذه الجرائم. واستقلال الصحف ووسائل الإعلام القومية التي تملكها الدولة عن جميع السلطات والأحزاب السياسية، وتكون ساحة للحوار الوطني بين كل الآراء والاتجاهات وإنهاء مختلف أشكال الوصاية على الصحف القومية والتلفزيون الحكومي. و تشكيل مجلس أعلى أو أكثر يقوم على شؤون الصحافة والإعلام، يكون له شخصيته الاعتبارية واستقلاله التام عن جميع السلطات. ويلاحظ هنا أيضًا أن المسودة الثانية لباب الحقوق والحريات جاءت أسوأ من المسودة الأولى التي أُعلنت قبلها، حيث تم إلغاء النص على عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بواسطة النشر، بدعوى أن إلغاء هذه المواد تمييز بين المواطنين، وبزعم عدم دقة مفهوم جرائم النشر، وهو زعم يكشف قصورا شديدا في الفهم والإدراك القانوني أو محاولة لتبرير موقف معادٍ للحرية باستخدام أساليب الوقيعة بين الإعلام والصحافة وبين الرأي العام. وهذا فضلا عن إصرار تيار واسع داخل الجمعية على ردة خطيرة بالعودة إلى إلغاء ترخيص الصحف، بعد أن نجح نضال الصحفيين في استبعاد وقف الصحف وتعطيلها وإلغائها ومصادرتها بالطريقين الإداري والقانوني بموجب القانون 137 لعام 2006 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات. ولا يزال هذا التيار يناور بشأن المطلب الخاص بضمان استقلال الصحف ووسائل الإعلام القومية عن جميع السلطات والأجهزة التنفيذية والأحزاب السياسية، الأمر الذي يؤكد المخاوف من استمرار هيمنة السلطة عليها بهذه الطريقة أو بوسائل أخرى.
وتطالب الأحزاب السياسية فى البلاد، وكل المرشحين السابقين للرئاسة، وجميع المؤسسات الأهلية والشعبية، بإعلان موقف واضح وجلي مما انتهت اليه اعمال الجمعية التأسيسية للدستور، فإنها تستهدف من ذلك أن تعيد قوى مصر الحية الأمور إلى نصابها، حتى يكون الدستور المقبل هو بالفعل دستور لكل المصريين.