كان ملف التوريث البغيض ونفور الغالبية العظمى من المصريين من مجرد فكرة تولى جمال مبارك الرئاسة خلفاً لوالده من أهم محركات الثورة المصرية فى 25 يناير , واذا كان تحرك السياسيون والمثقفون فى الايام الاولى للثورة كان نابعاً من رفض الفساد والتوريث ,فأن البسطاء كانوا يحلمون بحياة كريمة وعدالة أجتماعية فيما بعد مبارك وولده , ولذا أستجابوا بتلقائية للدعوة للتظاهر التى تحولت الى ثورة عارمة أخذت فى طريقها الوريث وعائلته وحاشيته , واستنشق الجميع الصعداء ظناً منهم ان المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية سوف تسودان فى مصر , وهو تفكير طبيعى فى نشوة النصر على نظام قبع على صدور الجميع لسنوات طوال , ولكن الحقيقة المؤلمة ان ثقافة الظلم والفساد قد تأصلت فى المجتمع المصرى واصبح التوريث فى عدد من الهيئات عرف سائد ومقبول من الجميع , ومن أول الهيئات التى ساد فيها فيروس التوريث هومعظم كليات الطب بالجامعات المصرية حيث يستطيع اى رئيس قسم تظبيط القسم الذى يعمل به منذ لحظة دخول ابنه أو بنته الحضانة وحتى التحاقه بكلية الطب وتعيينه معيداً فى قسم والده , واصبح من الطبيعى ان تسمع ان القسم الفولانى مقفول التعيين فيه انتظاراً لأبن الدكتور فولان او العميد علان , وللأسف سرعان ما أنتقل هذا الفيروس الى باقى الكليات العملية حيث درجات العملى والشفوى تصل كاملة لأبناء أعضاء هيئة التدريس وتضل طريقها لأقرب منافسيهم فى التعيين , وبعد ان أستفحل الفيروس فى الكليات العملية استوحش وانتقل الى الكليات النظرية , فى مشهد مصرى خالص لن تجده الا فى مصر وفى بلاد الواق واق فقط لا غير . ومن الجامعة تخرج فيروس التوريث ليجد مكانه فى بعض الهيئات القضائية ونظرة واحدة لصفحة الوفيات فى جريدة الاهرام ستجد نعى اى عضو هيئة قضائية انتقل الى العدل الالهى فى الآخرة ملئ بالاباء والابناء والاخوة والاخوات من أعضاء الهيئات القضائية اقارب الراحل عن دنيا لا مساواة فيها الى آخرة لا يجرؤ فيها أحد على اخذ ما لا يستحق سواء بالقوة أو بغيرها فالملك يومئذ للواحد القهار , ونفس الشئ ستجده فى الخارجية والشرطة والجيش وان كان بدرجة اقل فى الجيش نظراً لطبيعة الاختبارات الطبية واللياقة المطلوبة لظابط القوات المسلحة وبخاصة الطيران . ولذا يجب علينا ن نبحث عن حل لهذا المرض اللعين , الذى يدمر تكافؤ الفرص بين المصريين , ويقضى على طموح المجدين منهم والشرفاء من ابناء عامة الشعب , وأقترح ان يتم العلاج على مراحل بأن يتم سن قانون يفرض على كل الهيئات فى مصر دون أستثناء تعيين ما لايقل عن 50 % من غير ابناء العاملين او أخواتهم , طالما كان هناك أختبارات فى الاختيار عند التعيين , لأن التحكيم فى الاختيار هو المسئول الاول عن أى تجاوز يحدث , وذلك كى نضمن على الاقل نصف العدل , وذلك القانون يكون كمرحلة انتقالية حتى يستيقظ الضمير الذى مات فى قلوب بعض المصريين وعقولهم , ولا يقل لى أحد اننا فى طريقنا الى حكم أسلامى فأمامى قصة مؤلمة بطلتها انسانة مصرية بسيطة حصلت على الماجستير والدكتوراه وقرأت أعلان عن حاجة احدى كليات جامعة الازهر فرع أسيوط لطلب مدرسين مساعدين من الحاصلين على درجة الماجستير ويبدو ان الاعلان كان مفصلاً لأحدى بنات اعضاء هيئة التدريس الحاصلة على درجة الماجستير فقط , ولأن لجنة الاختيار وجدت نفسها امام واحدة أخرى حاصلة على درجة الدكتوراه فلم تستطع رفضها نظرياً , ولكنها رفضتها عملياً بالامتناع عن تسليمها العمل , وطوال شهور مضت يرفض عميد الكلية ورئيس القسم تسليمها اى عمل رغم صدور قرار بقبولها , والله انه شئ مخجل ان يحدث هذا فى جامعة تدرس القرآن الكريم وسوف ياتى القرآن يوم القيامة شاهداً عليهم , وصديق آخر لى لم تستطع أبنته ان تتسلم عملها فى جامعة اسيوط الا بعد ان صدر حكم نهائى من المحكمة لها بتسلمها العمل , لأن مكانها يبدو ايضأ ان كان محجوزاً لأحد ابناء الاساتذه , وللأسف فى فوضى ما بعد الثورة لم يحاسب أحد من اللذين أغلقوا الاقسام الجامعية لسنوات طويلة حتى يتخرج حبيب ابوه وروح امه من الحضانة ويصل للجامعة ويتم فتح التعيين فى قسم والده أو والدته . ان ما يحدث يصب ضد مصلحة الجميع فقد تجد ابن استاذ الجامعة أو القاضى أو ظابط الشرطة أو السفير لا يهوى مجال عمل أبيه , ولكن والده يريد ان يورثه منصبه , لتخسر مصر طبيباً أو مهندساً بارعاً أو عالماً فذاً من أجل التوريث , ومع نقص فرص العمل تحور فيروس التوريث واصبحنا نجد الطالب يختار الالتحاق بكلية والده أو والدته كى يضمن التعيين بغض النظر عن حبه أو كرهه لها ,فاذا كانت الثورة قد قامت من أجل العدالة الاجتماعية التى لم نعشها نحن فأمامنا فرصة كى يعيشها ابناءنا أو أحفادنا على الاقل فى عالم يتساوى فيه الناس كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الناس سواسية كاسنان المشط ) صدقت يا سيدى يا رسول الله , ويا ليت بعض المسلمون المتشدوق بكلامك يطبقون ما قلت .