بشرى سارة للمواطنين.. زيادة الدعم المقدم للمواطن على بطاقة التموين    أستاذ اقتصاد: «فيه بوابين دخلهم 30 ألف جنيه» ويجب تحويل الدعم من عيني لنقدي (فيديو)    عاجل - مجانِّي آخر موعد للمصريين للتقديم لفرص عمل مغرية بالإمارات    إنجاز صيني في الفضاء، هبوط مسبار على الجانب البعيد للقمر بعد شهر على إطلاقه (فيديو)    لحظة منع مراسلة القاهرة الإخبارية من التصوير في تل أبيب، شاهد رد فعلها    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    جريحان جراء غارات إسرائيلية عنيفة على عدة بلدات لبنانية    الاحتلال الإسرائيلى يشن غارة جوية على مدينة بنت جبل جنوب لبنان    وسام أبو علي يتحدث عن.. عرض أوتريخت.. التعلم من موديست.. وغضب كولر    عمرو أديب يعلق صورة محمد صلاح مع حسام حسن (فيديو)    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    السولية: وقفتنا بعد مباراة صنداونز غيرت كل شيء.. ونهائي القرن هو الأصعب مع الأهلي    برقم الجلوس.. الحصول على نتيجة الصف الثالث الإعدادي بمحافظة الدقهلية 2024    متغيبة من 3 أيام...العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة في قنا    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    تطورات جديدة بشأن أزمة فك قيد نادي الزمالك    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    عيار 21 بالمصنعية بكام الآن؟.. أسعار الذهب اليوم الأحد 2 يونيو 2024 بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    وزير التموين: أنا مقتنع أن كيس السكر اللي ب12 جنيه لازم يبقى ب18    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    عمرو السولية يكشف طلب علي معلول في لقاء الجونة وما ينتظره من الأهلي    "الأهلي يظهر".. كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تتويج ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا؟    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    غرق طفل داخل حمام سباحة في الغربية    بالصور.. البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول المسيح أرض مصر    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    الشرقية تحتفل بمرور العائلة المقدسة من تل بسطا فى الزقازيق.. فيديو    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    وزير التموين: صندوق النقد الدولي لم يطلب من مصر خفض الدعم    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    سعر الموز والعنب والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 2 يونيو 2024    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    المستشار محمود فوزي: نرحب بطلب رئيس الوزراء إدراج مناقشة مقترحات تحويل الدعم العيني لنقدي    «أمن الجيزة» يحبط ترويج كمية كبيرة من مخدر «الكبتاجون» في 6 أكتوبر (خاص)    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم مركبتي توك توك بقنا    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرسى.. الراعى الرئاسى للقتلة والمزورين ومليارديرات الأموال القذرة
نشر في الفجر يوم 12 - 08 - 2012

ترك الثوار الذين أوصلوه إلى الرئاسة فى السجون والمعتقلات

محمد الباز

«عندما ركب مبارك سيارة الرئاسة لأول مرة، سأله السائق إلى أين نتوجه يا سيادة الرئيس؟ فسأله مبارك: إلى أين كان عبد الناصر والسادات يتوجهان؟ فرد السائق: عبد الناصر كان يتوجه إلى اليسار والسادات كان يتوجه إلى اليمين؟ فقال له مبارك على الفور: توجه بنا إلى الأمام.. وبعد دقائق قليلة وجد مبارك نفسه يدخل فى حيطة سد».

ولأن النكت عابرة للعصور فيمكن بتعديل بسيط أن يطلب الدكتور محمد مرسى – وحتى يخالف الرؤساء السابقين – أن يتوجه به السائق إلى الخلف.. لأننا بالفعل نعود بمرسى إلى الخلف، وحتما سنجد أنفسنا وجها لوجه أمام كارثة محققة.

شىء من ذلك يبدو فى القرار الجمهورى الذى أصدره مرسى برقم 75 لسنة 2012، وهو القرار الذى عفا من خلاله على بعض المحكوم عليهم – كما جاء فى نص القرار – لكن الحقيقة أن هؤلاء المفرج عنهم ويصل عددهم إلى 23 ليسوا عابرين، أو أن الأحكام عليهم عادية.. فقد ارتكبوا جرائم قتل وتزوير، كما أن بعضهم تورط فى قضية غسيل أموال كبرى ولا يزالون هاربين من الأحكام التى صدرت عليهم.

فى لحظة ما اعتقد الثوار أن الرئيس محمد مرسى - الذى صدق أنه مرشح الثورة طبقا لما روجته عنه حملته الرئاسية – يمكن أن يكون القائد الذى سيستكمل معهم كل أهداف الثورة، وما دام القائد جاء، فلابد من الإفراج عن كل المعتقلين فى السجون عسكرية وغير عسكرية ممن يعرف الثوار أسماءهم ووقائع اعتقالهم جيدا. راوغ الرئيس مرسى فى البداية وشكل لجنة، وبدأت اللجنة تعمل وتفحص موقف المعتقلين، وبالفعل صدر قرار من الرئيس بالإفراج عما يقرب من 800 معتقل، تاركا وراءه أكثر من 11 ألفًا و200 معتقل فى السجون.. ليتفرغ بعد ذلك للإفراج عن قيادات الجماعة الإسلامية، والجهاديين والمتورطين فى قضايا مالية.. لأنهم الأقرب إليه، يعرفهم جيدا.. خدموا جماعته.. ثم إنه حتما سيكون فى حاجة إليهم فى مواجهته القادمة مع من يعتقد أنهم خصومه.

القرار الذى أصدره الرئيس فى 26 يوليو وخرج المعفو عنهم بعده بأقل من 48 ساعة يتضمن مفارقات غريبة للغاية، ففى المادة الثالثة منه، قرر الرئيس استبدال عقوبة الإعدام المحكوم بها على المدعو شعبان على عبد الغنى هريدى بالسجن عشر سنوات.

طبقا للأوراق التى حصلنا عليها فإن شعبان هريدى هذا فلاح من المنيا، وكانت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ فى 10 مايو 2005 قد أصدرت حكمها عليه بالإعدام شنقا، لاتهامه بالانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون وتورط فى اتفاق جنائى غرضه القتل، وقتل عمد مع سبق الإصرار والترصد، وخطف وسرقة بالإكراه، وشروع فى قتل، وإتلاف أملاك الغير وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر.

كان لابد من البداية بنموذج شعبان هريدى، الذى يعنى استبدال الحكم عليه بالسجن عشر سنوات بدل الإعدام، أنه مذنب وأنه ارتكب جرائم يستحق السجن عليها من بينها قتل ضابط شرطة مع سبق الإصرار والترصد، وأن النظام السابق لم يكن يفترى فى كل ما يفعله على أعضاء الجماعات الإسلامية.. ثم إن العشر سنوات التى تم استبدال الحكم بها انتهت بالفعل.. فالحكم صدر فى العام 2000 بما يعنى أن الرجل خرج ضمن من خرجوا.. رغم أنه مدان يقينا.

قرار مرسى منح الحياة لمن سلبوا الحياة من المصريين، فمن بين المفرج عنهم حسن خليفة عثمان المحكوم عليه بالإعدام فى القضية رقم 419 لسنة 94 والجريمة التى ارتكبها هى قتل ضابط شرطة، وهو ما حدث مع غريب الشحات الجوهرى أيضا فقد حكم عليه بالإعدام فى القضية رقم 745 لسنة 93 وقتل ضابط شرطة.

قتل ضباط الشرطة كان وسيلة من وسائل الإرهابيين للدفاع عن أنفسهم، اعتبروا فى لحظة معينة أن ضباط الشرطة خصومهم، ولم يترددوا لحظة فى قتلهم، لأنهم من وجهة نظرهم كانوا يناصرون الظلم، وهو ما يمنح هذا الفعل شرعية كاملة من مرسى، الذى منح القتلة عفوا شاملا، فالتهم لم تكن ملفقة.. والفعل ثابت عليهم، ولذلك فلم يكن معقولا أن يعفو الرئيس عنهم ويضيع دماء ضحاياهم هدرا.

من بين من أفرج عنهم مرسى كذلك عاطف موسى سعيد ( مؤبد) وأحمد محمود همام ( مؤبد) ومحمد محمد إسماعيل ( 17 سنة سجن)، وهؤلاء الثلاثة تمت محاكمتهم على ذمة القضة رقم 3/99 عسكرية، وكانت تهمتهم الأساسية هى محاولة اغتيال مبارك فى الإسكندرية.

من الطبيعى أن يتعامل نظام محمد مرسى مع كل ما يتعلق بنظام مبارك على أنه رجس من عمل الشيطان، وأن الذين حاولوا اغتيال مبارك لا يستحقون السجن بقدر ما يستحقون التكريم وإعادة الاعتبار، فقد فعلها عبد الناصر عندما أعاد التحقيق فى قضية اغتيال حسن البنا، وعاقب كل من شارك فى اغتياله، وفعلها مبارك عندما أفرج عمن اعتقلهم السادات فى آخر أيامه.. وهو فعل سياسى محض لا أخلاق فيه، فكل نظام يصنع مؤيديه وخصومه.

لكن ما لا يلتفت له محمد مرسى أنه بقراره هذا يعطى شرعية كاملة لعمليات الاغتيال السياسى، ولن يكون بعيدا أن يفكر بعض ممن يعارضون مرسى وهم فى زيادة يومية أن يغتالوا الرجل، وهم على ثقة أنهم حتى وإن لم ينجحوا فلن يقضوا بقية أعمارهم فى السجون، فمن سيأتى بعد مرسى سيعفو عنهم.. وبذلك يصبح الاغتيال السياسى أداة من أدوات التغيير دون أن يعترض أحد.

الإفراج شمل كذلك السيد صابر خطاب ( مؤبد) وعطية عبد السميع ( مؤبد) وأبو العلا محمد عبد ربه (مؤبد) وشوقى مصطفى عطية (مؤبد) ومحمود عبد الغنى (مؤبد) وحسن فايد (مؤبد)، ومحمد يسرى ياسين المحكوم عليه بعشر سنوات فى أحداث تفجيرات الأزهر عام 2005، وكلهم متورطون فى قضايا عنف كانت الصفة الأساسية فيها هى الإرهاب المتعمد.

لكن هناك أسماء لا يمكن أن تخطئها العين فى قائمة من أعفى عنهم الدكتور مرسى، هناك مثلا عبدالحميد عثمان موسى عمران أبو عقرب، والمحكوم عليه بالمؤبد فى القضية رقم 419 لسنة 94.

أبو عقرب كان من بين العائدين من ألبانيا.. لكن التهمة الأهم التى تلاحقه وأعتقد أنها ستظل فى رقبته ليوم القيامة، هى قتله لمساعد وزير الداخلية ومدير أمن أسيوط اللواء محمد عبد اللطيف الشيمى فى العام 1993.

ظل أبو عقرب هاربا بعد قتله للشيمى- وهو ما أكده الدكتور ناجح إبراهيم أحد القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية – مشاركا بعد ذلك فى العديد من الأعمال الإرهابية، ولن يكون معبرا عن جرم أبو عقرب أكثر مما قالته زوجة اللواء الشيمى، فبعد أن عرفت بخبر القبض عليه قالت:» كنت أتمنى أن أكون موجودة لحظة القبض على أبو عقرب فى البداية، حتى أقوم بإطلاق النار على عينه مثلما فعل مع زوجى».

كان الرجل قاسيا.. لم يتورع عن قتل رجل شرطة..يصوب ناحية عين خصمه الذى لم يفكر فى قتله، فكر فقط فى أن يلقى القبض عليه تحقيقا للعدالة.. الآن هذا الرجل يمنحه محمد مرسى حريته، ضاربا عرض الحائط بآلام أسرة لا تتمنى إلا أن يعاقب من قتل عائلهم.. لكن يبدو أن مرسى لا يرى فى أبو عقرب ومن هم على شاكلته مجرمين، بل على العكس تماما يمكن أن يرى فيهم أبطالا كانوا يحققون عدل وعدالة الله فى الأرض، رغم أن، عدالة الله لا تقضى أبدا بالقتل دون ذنب.

مفاجآت قرار الرئيس مرسى لم تتوقف عند هذا الحد، فقد عفا الرجل فى المادة الثانية من قراره عن كل من وجدى عبد الحميد محمد غنيم، وعوض محمد سعد القرنى (سعودى الجنسية) يوسف مصطفى على ندا، إبراهيم منير أحمد مصطفى، فتحى أحمد حسن الخولى، وعلى غالب محمود همت (سورى الجنسية).

وهؤلاء لا ينتمون إلى الجماعة الإسلامية كما روج القرار، ولكنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين قولا واحدا.. فقد كانوا مشاركين لخيرت الشاطر وحسن مالك فى قضية ميليشيات الأزهر، والتى اتهم الجميع فيها بغسيل الأموال، فهم مليارديرات كونوا ثرواتهم من حرام، وقد صدرت ضدهم أحكام بالفعل.

آخذكم إلى الوراء قليلا، عندما نظم طلاب منتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين فى العام 2006 عرضا عسكريا فى جامعة الأزهر، حاولت الجماعة أن تنكر وتتنكر، لكن التهمة كانت ثابتة على الإخوان المسلمين، وكان طبيعيا أن تجر معها الممولين للعرض، لتنفتح على الإخوان المسلمين طاقة جهنم، فقد حوكم 40 قياديا من الجماعة أمام المحاكم العسكرية وصدرت ضدهم أحكام متفاوتة بالسجن. كان من بين المتهمين خمسة هاربين حصلوا على أحكام بالسجن وصلت إلى 3 سنوات، كان الهاربون يوسف ندا ( رجل أعمال) على همت غالب ( مهندس) إبراهيم فاروق الزيات ( رجل أعمال) فتحى أحمد الخولى (داعية) والدكتور توفيق الراعى (داعية).

كانت التهمة الموجهة للجميع هى الانتماء إلى تنظيم محظور بحكم القانون ( ولا يزال) وهو جماعة الإخوان المسلمين، لكن التهمة الأعظم والتى أعتقد أن الإخوان المسلمين لم يستطيعوا أن يتخلصوا منها رغم كل الحيل القانونية التى يلجأون إليها، هى تهمة غسيل الأموال.

بعد الثورة تقدم اثنان من قيادات الإخوان المسلمين المتهمين فى القضية – كانا هاربين – للمحكمة العسكرية ولم يظلا فى الحبس أكثر من أربعة أيام فقط، وحكمت المحكمة العسكرية لهما بالبراءة، وهما أسعد الشيخة وأحمد عبد العاطى.. والغريب أن أسعد الشيخة يتم الدفع به بقوة ليتولى إدارة ديوان رئيس الجمهورية. معنى ذلك أن محمد مرسى منح العفو لرفاقه فى جماعة الإخوان المسلمين كى يساندوه فى أعباء عمله الرئاسى، وكما فعلها مع أسعد الشيخة، فإنه حتما سيستقدم الآخرين من الخارج، خاصة أن هناك من بين الإخوان المسلمين من يرى أنهم كفاءات عظيمة ويمكن الاستفادة منهم، وليس بعيدا بعد ذلك أن نجد إبراهيم منير الذى يعرف بوزير خارجية الإخوان إلى جوار مرسى، وأن يقف يوسف ندا على مسافة قريبة منه بحجة أنه يوظف إمكانياته لإنقاذ الاقتصاد المصرى.

مرة أخرى يلجأ محمد مرسى إلى أسلوب البلطجة السياسية، كان يمكن أن يجعل الهاربين من أحكام المحكمة العسكرية بتهمة غسيل الأموال أن يتقدموا إلى المحكمة على الأقل ليبرئوا ذمتهم، لكن أن يسقط عنهم العقوبة بهذا الشكل، أن يمنحهم عفوا عاما وكاملا وشاملا، فإن التهمة ستظل باقية على أعناقهم لا تغادرهم أبدا حتى لو أصبحوا رجالا مهمين حول الرئيس.

المصيبة الأكبر التى ارتكبها محمد مرسى كانت فيما يخص وجدى غنيم، وهو أكثر الدعاة – إذا تجاوزنا واعتبرنا ما يقوم به دعوة – تجاوزا فى حق الآخرين، قبل الانتخابات الرئاسية وعندما ألمح مرسى إلى أنه يمد يديه إلى القوى السياسية والمدنية الأخرى هاجم مرسى هجوما مقذعا.

وعندما صعد مرسى إلى كرسى الرئاسة تحول الرجل وأصبح مادحا للرئيس ومهاجما لخصومه، دعاه فى جملة واحدة إلى أن يسحق خصومه بالحذاء، فهم بالنسبة إليه ليسوا إلا صراصير يجب القضاء عليهم.

لا أعرف على وجه التحديد هل استمع محمد مرسى إلى هذا الفيديو التحريضى أم لا، لكنه حتما سمع به، وعرف أن هناك رجلا شتاما يمكن أن يضع خدماتها كلها تحت قدم الرئيس.

إن مرسى يعانى كثيرا مما يسميه تطاولا على مقامه، ومؤكد أنه سيكون فى حاجة إلى أمثال وجدى غنيم كى يصدوا عنه هجوم خصومه، ولن يدخر الرجل جهدا بالطبع فى أن يضع خدماته تحت طلب الرئيس الذى منحه حريته، وأعاد إلى أرض مصر بعد أن كان طريدا مطاردا.

يقدم وجدى غنيم نفسه على أنه كان خصما عنيدا لنظام مبارك، وأنه عارضه فى عز قوته، رغم أن ما فعله الرجل بالفعل كان معارضة الجبناء الذين يتحصنون وراء جدر مسندة ثم يقولون ما يريدون، لو كان وجدى غنيم رجلا حقيقيا لما هرب من مصر، لما ظل بعيدا يهزى بكلمات غير مسئولة فى مواجهة نظام كان هنا فى مصر من يقفون فى وجهه، ويعارضونه ويرضون بدفع الثمن.

لا تقتصر إمكانيات أو كفاءات أو مواهب وجدى غنيم فى أنه شتام فقط، ولكن فى أنه أحد صناع الفتن الطائفية، فهو يكره المسيحيين ويمقتهم ويحقد عليهم حقدًا موتورًا، ينفث سمومه عبر رسائله المسجلة، كما أنه لا يتورع عن اتهام الآخرين بما ليس فيهم – بل إنه فى الغالب يكون فيه – ثم يمضى وكأنه أرضى الله بما فعل.

لسنا بالطبع ضد رفع المظالم عن أهلها.. لسنا بالطبع ضد أن يحصل الجميع على حريتهم.. لسنا بالطبع ضد أن يخرج كل المعتقلين والسجناء الذين ضاعت أعمارهم خلف سجون مبارك بلا سبب وبلا ذنب، لكن ليس معنى ذلك أن نهدر قيم المجتمع وحقوقه فى أن يظل آمنا مستقرا.

أعرف أن هؤلاء الذين خرجوا من السجون أضاعتهم زنازين الظلام، ويمكن ألا يعودوا إلى سيرتهم الأولى من العنف والقتل والتخريب، لكن هؤلاء يمكن أن يبثوا الكراهية فى نفوس أتباعهم.. يمكن أن يعلموا تلاميذهم الحقد المقدس الذى يمكن أن يحرق كل شىء.

قد يكون إنسانيًا ألا نعترض على قرار مرسى بالإفراج عن هؤلاء أو غيرهم.. لكن من الإنسانية أيضا أن نضع بعض الهوامش على هذا القرار، الذى أخذه مرسى بغروره وإحساسه بالقوة، ولم يأخذه بحكمة – ومن أين يأتى الرجل بها وكل من يعملون حوله من الهواة قانونيا.

أولا: إذا كان ولابد أن يخرج هؤلاء من سجونهم فلابد أن يعيشوا كمواطنين عاديين، ليس من حقهم المشاركة فى الحياة العامة والسياسية، فليس معقولا أن أيديهم لم تجف من القتل والتخريب وغسيل الأموال بعد، ونمنحهم نحن مواقع قيادية يتحكمون من خلالها فى حياة الناس.

لقد كان خطأ كبيرا عندما تعاملنا مع عبود الزمر على أنه قائد وزعيم واستقبله الإعلام وكأنه صاحب كرامات، مع أن الرجل لم يكن إلا قاتلا وراغبا فى الحكم، لكن الله لم يمنحه شيئا وحكم عليه بالسجن، كان يمكن أن يتفرغ عبود لبيته وزوجته، لكنه خرج علينا بتأسيس حزب، ويريد أن يصيغ حياة الناس على هواه.

ثانيا: إذا كان مرسى سارع بالإفراج عن هؤلاء بصورة لا تجعل منه رئيسا لكل المصريين، بقدر ما هو رئيس لمجموعة من القتلة والمزورين ( أحد المفرج عنهم وهو شحتة فوزى مختار أحمد أبو تريكة كان مسجونا عشر سنوات بتهمة تقليد أختام) وأصحاب قضايا غسيل الأموال.. لقد بدا الرجل وكأنه الراعى الرسمى والرئاسى لهؤلاء وحده.

إن هناك شكوكًا كثيرة حول المعتقلين بعد الثورة، لكن هؤلاء الذين أفرج عنهم مرسى لا توجد أى شكوك فى جرائمهم فهم ارتكبوها، لكن قد يكون هناك فارق مهم لا يجب أن نغفله أو نتغافل عنه، فهؤلاء سجنهم مبارك الذى مضى، أما معتقلو الثورة فهم اعتقلهم المجلس العسكرى وحكم عليهم فى محاكمه، وليس سهلا أن يفعلها مرسى دون أن يحصل عليهم، فهو فى الماضى أسد.. أما فى الحاضر فمجرد نعامة لا حول لها ولا قوة.ثالثا: هناك من بين من وردت أسماؤهم فى قرار الإفراج الرئاسى من صدرت أحكام عسكرية ضدهم، فهل يسكت المشير.. هل يتراجع ويبتلع حقه فى أن يقر الإفراج فى الأحكام العسكرية، أم يعترض.. إننا أمام قرار يهدر دولة القانون، ويحول البلد إلى مجرد عزبة يديرها محمد مرسى من أجل أصدقائه ورفاقه فى جماعة الإخوان المسلمين.. وهو ما سيعود بالبوار عليهم جميعا.. فمصر بلد أبناؤها الذين لا يريدون أن يصادروها لمصلحتهم وحدهم.. وإذا كان مرسى يريد أن يطلق علينا القتلة والمزورين وفتوات غسيل الأموال.. فهؤلاء حتما سيعودون إلى الأماكن التى يستحقونها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.