بعيدا عن الصخب السياسى الهائل الذى يخلفه الإخوان المسلمون خلفهم - الجماعة والحزب - بعد كل تصريح أو لقاء أو صفقة.. يقف رجل الأعمال الإخوانى حسن مالك فى منطقة محسوبة بدقة.. فهو وزير ماليتها الذى سيكون عليه أن يؤمنها وهى على كرسى العرش.. وهى المساحة التى كان يشغلها خيرت الشاطر قبله، وكان هو يكتفى بدور الوصيف فيها، لكن ولأن خيرت الآن يدير كل ما يتعلق بالجماعة داخليا وخارجيا، فقد تحمل مالك عبء تأمين الإخوان ماليا بشكل كامل. خيرت الشاطر لم يرفع يده بالطبع.. فلا شيء يفعله حسن مالك إلا برعايته التامة والكاملة.. وكانت الملاحظة التى وضعتها جريدة « البورصة « على اللقاء الذى تم بين رجال أعمال اتحاد الصناعات وعلى رأسهم جلال الزوربا وأعضاء من حزب الحرية والعدالة غريبة وغير دقيقة فى الوقت نفسه. كان اتحاد الصناعات قد وجه دعوة إلى حزب الحرية والعدالة للتعرف على رؤية قادته فى الملف الاقتصادي.. وبالفعل ذهب إلى هناك كل من محمد مرسى رئيس الحزب وعصام العريان نائبه، والدكتور أحمد سليمان الأمين العام المساعد بالحزب للشئون الاقتصادية، وعبدالحافظ الصاوى مسئول الملف الاقتصادي.. وعلى الهامش قالت جريدة البورصة:»تغيب المهندس خيرت الشاطر عن الاجتماع نظرا لحرص الحزب التأكيد على استقالته عن الجماعة».
الملاحظة لم تكن دقيقة لأن حسن مالك حضر الاجتماع، وما دام حضر فكأن خيرت الشاطر كان موجودا تماما، ثم إن مالك ينتمى إلى الجماعة ولا ينتمى إلى الحزب.. فأى استقلالية يحاول الإخوان التأكيد عليها.
وهنا لابد أن نفتح قوسًا لنستوعب ما يقوم به حسن مالك فى الحياة الاقتصادية المصرية
يدرك حسن مالك - مولود فى 8 أغسطس 1958 - أن الإخوان لا يستطيعون وحدهم أن يقوموا بالعبء المالى كله.. لا يمكن لهم أن يخرجوا مصر من ورطتها الاقتصادية التى تخلفت بعد الثورة، لذلك فهم يمدون أيديهم إلى أكبر عدد من رجال الأعمال وأغلبهم من رجالات الحزب الوطنى السابق، طالبين منهم المشورة والتعاون.
خلال الشهور الماضية التقى خيرت الشاطر وإلى جواره حسن مالك عددًا كبيرًا من رجال الأعمال، بعض اللقاءات كانت ودية.. وبعضها كان رسميا، أما السؤال الذى سيطر على هذه اللقاءات، فكان:ما الذى يمكن أن يقدمه رجال الأعمال من خلال تعاونهم مع الإخوان؟
ورغم أن المنطق يقول إن حسن مالك كان يجب أن يكون حريصا على وحدة مجتمع رجال الأعمال، فيدخله من بابه الشرعي، أى من إحدى جمعياته الموجودة بالفعل، خاصة أنه أعلن قناعته بأن البيزنس لا اتجاه سياسى أو دينى له، لكن ما فعله الرجل الذى انتخب قبل ذلك رئيسا لجمعية رجال الأعمال الأتراك بمصر، فعل عكس ذلك تماما.
فى اجتماع بأحد فنادق مدينة نصر الشهيرة، التقى حسن مالك عددًا من رجال الأعمال وهم صفوان ثابت عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، وعادل العزبى نائب رئيس الشعبة العامة للمستثمرين باتحاد الغرف التجارية، وعبدالرحمن سعودي، وطارق الجمال رئيس اتحاد الصناعات السابق.. وإلى جوارهم كان رجل الأعمال الإخوانى عصام الحداد، المقرب بشدة من خيرت الشاطر.. وأحد الفاعلين فى الملف الاقتصادى داخل جماعة الإخوان المسلمين.
أعلن مالك عن تأسيسه ل «الجمعية المصرية للأعمال والاستثمار» وهدفها المعلن هو جذب الاستثمارات الخارجية.. ولأن مالك هو من دعا إلى تأسيس الجمعية، فقد ترك له رجال الأعمال أصحاب الخبرة الكبيرة القيادة، حيث توافقوا على أن يكون هو رئيسا وذلك لاستكمال الإجراءات القانونية لتأسيس الجمعية.
من حق حسن مالك أن يؤسس جمعية واحدة أو حتى عددا من الجمعيات، لكن عددا من رجال الأعمال المتمرسين فى السوق رأوا أن ما فعله رجل الأعمال الإخواني، سيكون من شأنه أن يقود إلى مزيد من الاختلاف والتشرذم وتفتيت الجهود وإفشال جهود لم شمل مجتمع رجال الأعمال.
كانت رؤية المعترضين على ما يقوم به حسن مالك، أن هناك عددا كبيرا من جمعيات رجال الأعمال منها مثلا « جمعية رجال الأعمال المصريين - الغرف التجارية - الغرف الصناعية - اتحاد الصناعات - جمعيات رجال أعمال الإسكندرية - جمعيات شباب رجال الأعمال - وعدد غير قليل من جمعيات المستثمرين)، وكان يمكن لرجل الأعمال الإخوانى أن ينخرط فى أى من هذه الجمعيات، بدلا من تأسيس جمعية جديدة، سيكون من هدفها وشأنها أن تستقطب عددا من رجال الأعمال الذين سينحازون إلى أن يقفوا فى صف حزب الأغلبية، كما سبق ووقفوا فى صف الحزب الوطنى عندما كان حاكما، وهو ما سيضمن لهم مكاسب مضمونة.
التخوف الأكبر الذى أبداه رجال الأعمال - بعيدا عن التفتيت والتشرذم- أن جماعة الإخوان حتما ستخلط البيزنس بالسياسة، وأن الدين الذى تحتمى به ستجعل منه سياجا وحائطا يحققون من خلفه ما يريدون، دون أن يستطيع أحد مجرد الاعتراض عليهم.. وهو ما حاول مالك أن ينفيه دون أن يقدر على إقناع مناوئيه بنبل مقاصده.
هذه قصة ملتبسة للغاية.. بطلها أيضا حسن مالك.. لكن البطولة هذه المرة أعتقد أنها لن تسعده ولن تسره.. كانت حكومة الحزب الوطنى تضيق الخناق على رجال الأعمال الإخوان.. على سبيل المثال لم تكن تمنحهم شيئا من عطاياها فى أراضى الدولة.
كان رجال الأعمال الإخوان يعرفون ذلك، لكنهم لم يستسلموا.. فقد تلاعبوا بالنظام الذى أراد أن يقصيهم ويحرمهم من حقوقهم.. وأعتقد أن حسن مالك، لا ينكر أنه كان أحد اللاعبين الكبار مع الدولة.. وقد مكنه هذا اللعب من وضع يده على 3 قطع من أراضى الدولة فى التجمع الخامس، تصل مساحتها إلى 15 ألف متر.. دون أن يظهر فى الصورة.. أو يشترى بنفسه و يتصرف بالبيع بشخصه. فى 2004 تقدم كل منتصر أحمد رفعت عامر وإبراهيم سيد عثمان ومصطفى محمود قاسم بطلبات لتخصيص قطع أراضٍ لهم فى التجمع الخامس، وهو ما حدث بالفعل فى العام 2006، فقد حصلوا على ثلاث قطع أرقام 71 و73 و75 بالترتيب.. مساحة كل قطعة منها 5 آلاف متر.
عن طريق توكيلات موثقة حصل حسن مالك على القطع الثلاث ممن خصصت لهم (لدينا صور التوكيلات)، ومن بينها التوكيل بين حسن مالك وطاهر سيد عثمان ونصه كالتالي: « من واقع دفتر التصديق على التوقيعات وذلك عن المحضر رقم 3806 لسنة 2006، مأمورية العبور المحرر فى 24 / 7 / 2006، وبعد الإطلاع على الطلب المقدم من السيد طاهر سيد عثمان وكيلا عن الوكيل بموجب توكيل عام رقم 50 / أ / 2006 / 6 أكتوبر، توكيل خاص فى البيع والتنازل لنفسه وللغير أمام جهاز مدينة القاهرةالجديدة بخصوص القطعة 73 منطقة المخازن - المنطقة الصناعية، والتوقيع على عقود البيع لنفسه وللغير والتعاقد على المرافق واستلام الأراض والتراخيص وكافة الجهات الحكومية بخصوص القطعة المذكورة».
فى التوكيل الموكل بصفته هو حسن عز الدين يوسف مالك وكيلا عن إبراهيم سيد عثمان بموجب عقد وكالته، والوكيل هو محمود عز الدين يوسف مالك. لقد وكل حسن ملك شقيقه محمود فى إدارة القطع الثلاث وغيرها من المشروعات عندما كان فى السجن - دخله فى العام 2006 على ذمة قضة غسيل الأموال وصدر حكم ضده بسبع سنوات قضى منها أربع سنوات وعدة شهور وخرج بعفو. فى العام 2009 تم سحب الأراضى الثلاثة من أصحابها - بالدقة - من حسن مالك، فلم يقم بأى إنشاءات عليها، قدم مالك من خلال رجاله طلب إعادة تعامل.. وتمت دراسة الموقف لكن الطلب قوبل بالرفض، ففى رسالة من رئيس الإدارة المركزية لخدمات الأراضى والوحدات الصناعية إلى مصطفى محمود، قاسم الحاصل على القطعة رقم 75، جاء أنه بالإشارة إلى الطلب رقم 2636 المقدم منكم إلى الهيئة لاستئناف التعامل على القطعة 75 منطقة صناعية، نود الإفادة بأنه بالعرض على لجنة تخصيص الأراضى فى جلستها رقم 326 المنعقدة بتاريخ 21/ 10/ 2009، قررت رفض الطلب وإلغاء تخصيص الأرض المنوه عنها عالية، وذلك لمرور أكثر من ثلاث سنوات على تخصيص الأرض دون إثبات جدية عليها، وبرجاء مراجعة جهاز المدينة لارتجاع الأرض وتسوية مستحقاتكم المالية طبقا للائحة المعمول بها لدى هيئات المجتمعات العمرانية، علما بأنه قد تم إخطار جهاز المدينة بقرار اللجنة للبدء فى إجراءات استرداد الأرض.
فتقدم بطلب استئناف تعامل فى 3 أكتوبر 2010.. وصل الطلب إلى هيئة التنمية الصناعية التى أرسلته، لكن لم يبت فيه.. وكانت المفاجأة أنه بعد الثورة تم النظر فى الطلب وفى جلسة التصرفات العقارية بجلستها رقم 90 بتاريخ 17/ 5 / 2011 وتم سحب قرار الإلغاء.
هنا لابد أن نلمس تأثير وقوة حسن مالك الذى كان يحصل على أراضى الدولة بطريقته الخاصة، وهنا أكثر من مخالفة، فالأراضى حصل عليها بأقل من ثمنها.. -تم شراء المتر ب150 جنيها فقط-، كما أن القانون لا يتيح له أن تكون لديه أكثر من قطعة، وهو ما حدث بالفعل.
يمكن أن تلتمس العذر لحسن مالك بالفعل، فالحكومة ضيقت عليه فلجأ إلى الأبواب الخلفية ليحصل على حقه.. لكن هذا فيه مؤشر خطير.. فما كان يفعله رجال الأعمال داخل الحزب الوطنى يفعله رجال الأعمال داخل الإخوان، ولا فارق على الإطلاق إلا فى الأسماء فقط.. وما خفى كان أعظم بالطبع.