عبر وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا عن "قلقه العميق" للمجلس العسكري الحاكم في مصر بعد حملة المداهمات التي شنتها الشرطة على مقار عدد من المنظمات غير الحكومية واثارت انتقادات حادة هذا الاسبوع. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية جورج ليتل في بيان ان بانيتا شدد خلال اتصال هاتفي مع القائد الاعلى للقوات المسلحة المصرية المشير حسين طنطاوي الجمعة على "قلق" واشنطن لكنه شكره على "قراره الصائب وقف المداهمات".
وكانت وزارة الخارجية الاميركية اعلنت قبل ذلك ان مصر اكدت للولايات المتحدة انها ستوقف المداهمات ضد المنظمات الاميركية وغيرها من المجموعات المطالبة بالديموقراطية وستعيد المعدات التي صادرتها.
وقالت بعض المنظمات التي استهدفتها الخميس عمليات المداهمة التي طالت 17 مقرا لمنظمات مصرية ودولية غير حكومية، ان قوات الامن عملت بشكل اسوأ مما كان في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. واقتحم وكلاء نيابة مدعومون من قوات امن خاصة المقار التي صادروا منها اجهزة كمبيوتر ووثائق في اطار تحقيق في اتهامات بتلقي تمويل في شكل غير قانوني من الخارج.
وجاءت المداهمات في اطار حملة اوسع من جانب المجلس الاعلى للقوات المسلحة لاسكات المعارضة بعد اشهر من الانتقادات لسجله في مجال حقوق الانسان، بحسب ما قال محللون. وعبر مسؤولون اوروبيون عن قلقهم من تبعات هذا التحرك على العملية الانتقالية الى الديموقراطية في العالم العربي.
وقال ليتل ان "وزير الدفاع عبر عن قلقه العميق من المداهمات التي جرت في 29 كانون الاول/ديسمبر لمكاتب منظمات غير حكومية اميركية وغيرها". واضاف ان بانيتا اشاد "بالقرار الصائب للمشير طنطاوي بوقف المداهمات والقيان بخطوات لتسهيل عمل المنظمات غير الحكومية في مصر". وتابع ليتل ان وزير الدفاع الاميركي "اشار بعد الدورتين الناجحتين للانتخابات التشريعية، الى ضرورة ان تتقدم مصر على طريق انتقال ديموقراطي للسلطة".
وجدد بانيتا "تاكيد اهمية العلاقة المصرية الاميركية في مجال الامن" بحسب المتحدث الذي لفت الى ان وزير الدفاع "اكد بوضوح ان الولاياتالمتحدة لا تزال على التزامها في سبيل شراكتها الاستراتيجية وهي مستعدة للتعاون مع مصر" التي تتلقى مساعدة سنوية تتجاوز قيمتها المليار دولار من الولاياتالمتحدة.
من جهتها، قالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند ان السفيرة الاميركية في القاهرة آن باترسون اثارت قضية عمليات الدهم مع مسؤولين مصريين بينهم اعضاء في المجلس الاعلى للقوات المسلحة. واضافت في رسالة الكترونية ان "السفيرة تلقت من المسؤولين المصريين ضمانات ان هذه المداهمات ستتوقف مع اعادة فورية للمعدات التي تمت مصادرتها".
وتابعت المتحدثة ان باترسون "ابلغتهم بحزم اننا نأمل في ان تعاود كل المنظمات الدولية، بما فيها التي تتلقى دعما من الحكومة الاميركية، عملها الطبيعي في اسرع وقت ممكن دعما للانتقال الديموقراطي الجاري في مصر". واشارت نولاند الى ان مصر تواجه خطر خسارة المساعدات العسكرية الاميركية البالغة قيمتها 1,5 مليار دولار بسبب المداهمات للمنظمات غير الحكومية، في اشارة الى قانون تم التصويت عليه في الكونغرس يربط مساعدة واشنطن بالتقدم الديموقراطي في مصر. وقالت المتحدثة "لدينا مطالب جديدة بالشفافية والمعلومات في التقارير التي نسلمها للكونغرس في ما يتعلق بالاموال المدفوعة لمصر".
وجاء التحذير ايضا من رئيس لجنة مجلس الشيوخ المكلفة توزيع الاموال الاميركية باتريك ليهي. وقال في بيان "اعمال مثل (هذه المداهمات) هي احدى الاسباب التي قامت اللجنة من اجلها (...) برفض توقيع شيك على بياض يتعلق بمساعدة الجيش المصري".
ومن بين المنظمات غير الحكومية التي استهدفتها المداهمات الخميس منظمتان اميركيتان على الاقل هما المعهد الوطني الديموقراطي والمعهد الدولي الجمهوري، وفق مصادر قضائية وناشطين. وقالت رباب المهدي استاذة العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في القاهرة لفرانس برس ان اعمال العنف الاخيرة ضد المتظاهرين ومحاولات اسكات حركات المعارضة "مؤشرات على هجوم معلن على اصوات المنشقين". واضافت ان "المداهمات التي طالت مقار منظمات غير حكومية يجب ان ينظر اليها في اطار اوسع ولا يمكن ان تؤخذ على انها حدث منفصل".
وفي الاسابيع الاخيرة اعلنت السلطات المصرية انها كشفت خطة لاحراف البرلمان بينما تحدثت وسائل الاعلام عن مؤامرة لتدبير اضطرابات في 25 كانون الثاني/يناير ذكرى مرور سنة على بدء الثورة على مبارك. وقالت رباب المهدي "انهم يدينون كل ما هو اجنبي (...) بهدث اثارة المشاعر الوطنية" و"يحاولون ارساء ولاء يبدو فيه اي هجوم على المجلس العسكري هجوما على الامة".
اما هبة المريف الباحثة التي تتخذ من القاهرة مقرا لها لمنظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية ان "هناك حملة تشويه لكل ما هو تمويل خارجي وآخر تحرك (المداهمات) محاولة لتقليص مجال حرية المجتمع المدني اكثر". واضافت "لقد استهدفوا خصوصا المنظمات غير الحكومية الاكثر انتقادا لتجاوزات العسكريين والتي تناضل من اجل اصلاحات حقيقية".
واستهدفت المداهمات ثلاث منظمات اميركية على الاقل هي المعهد الوطني الديموقراطي (ناشونال ديموكراتيك اينستيتوت) والمعهد الدولي الجمهوري (انترناشيونال ريبابليكان اينستيتيوت) و"فريدوم هاوس"
وقال رئيس فريدوم هاوس ديفيد كريمر "انه تصعيد في قمع لم نشهد مثله في عهد مبارك نفسه". واضاف "انه اوضح مؤشر حتى الآن عل ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة (...) لا ينوي لقلمة ديموقراطية حقيقية ويحاول تحميل المجتمع المدني مسؤولية فشله في ادارة المرحلة الانتقالية بفاعلية".
ويتهم العسكريون باستمرار الناشطين المطالبين بالديموقراطي بتلقي اموال من الخارج. وقالت رباب المهدي ان المداهمات الاخيرة يفترض الا تؤثر على دفع المساعدة الاميركية لمصر. واضافت ان المساعدة دفعت هذا العام وحتى السنة المقبلة، تأمل السلطات المصرية ان تكون القضية قد اصبحت طي النسيان.
وحسب نيويورك تايمز فقد ذكر مسؤولون أميركيون ان قادة مصر العسكريين اشاروا الى انهاء الحملة التى شنوها على المنظمات التي تروج للديمقراطية وحقوق الإنسان حيث ان السلطات في القاهرة حاولت تشويه سمعة المنظمات باتهامها بان نشاطها مشبوه : وقال مسؤولون اميركيون ان المشير محمد حسين طنطاوي ، وغيره من كبار المسؤولين تعهدوا بوقف الحملات ضد المنظمات ، لتمكينهم من إعادة فتح مكاتبها واعادة الوثائق وأجهزة الكمبيوتر وغيرها من الممتلكات التى ضبطت يوم الخميس . وقد اكد على ذلك المشير طنطاوي خلال اتصال هاتفي مدته 25 دقيقة يوم الجمعة مع وزير الدفاع الأمريكي ، ليون بانيتا. تناولت المحادثة موجة من الاحتجاجات الدبلوماسية بشأن اغلاق المنظمات وانتقادات علنية حادة بشكل غير معتاد من الولاياتالمتحدة وأوروبا.