أندهش من تفشي "آفة الكذب" بين العديد من الأشخاص، وبشكل يتنافى مع التدين الظاهري!! و"آفة الكذب" لا يلجأ إليها ويتحراها إلا من ضعف دينه، وقلّ عقله، وتضاءلت ثقته بنفسه، حيث إن "الكذاب لا يكذب" إلا لينال من خلال "الكذب" مطمعا، أو ترقيه، أو مصلحة شخصية، أو ليتجمل ويخفي ما كان أعظم. ويسهب "الكذاب في الكذب" ويختلق الحجج، والمبررات ويلقي التهم واللوم على غيره بشكل غريب، حتى يصدق " كذبته"، وقد ينسى "كذبته"، ويخرج علينا بدون شعور" بكذبة جديدة"، بل وقد يقسم بالله، وأولاده وموتاه الأعزاء، ليستر نقصًا به أو بعمله، ومن مجمل قناعته بأنه ليس" كذاب" يهيئ لنفسه مساحة وهمية أنه "شهيد لظلم العباد". ولو كان هذا الشخص متدينا، واكتمل إيمانه بأي دين سماوي، لعظمت ثقته بنفسه، وتيقن أن الله كتب كل شيء بقدر!! وعليه لن يستجلب الشخص "بالكذب"، ولن يدافع عن نفسه باختلاق الأكاذيب احتراما لكرامته!! إن "آفة الكذب" الطريق لجلب سخط الله ومقته.. وزوال البركة والنعمة.. والطريق إلى سوء الخاتمة!!! وقد قال الله سبحانه وتعالى: "قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ"، وقال سبحانه وتعالى ناهيا عن "الكذب": "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، كما بيَّن النبي (صلى الله عليه وسلم) "أن من تحرى الكذب فإنه يختم له بخاتمة السوء". وقال عليه الصلاة والسلام: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدُق حتى يكون صِدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذِب حتى يُكتب عند الله كذابًا". و"الكذب" وأختلاق الأكاذيب علامة من علامات النفاق والجبن وعدم المروءة!! فإذا كان الشخص واثقا من نفسه ويصدق عمله، يفشي السلام والأمن والأمان، ويؤمن بالله، وبالقدر والنصيب، ففي هذه الحالة لا يمكن أن يلجا إلى هذه الآفة!! "آفة الكذب. ولماذا يلجأ إلى "آفة الكذب" إذا كان من شيمه أن يفي بالعهود، ويتقن عمله، ولا يسرق، ولا يخدع أحدا، ولا يؤذي أقرانه، أو جيرانه بالقول الباطل، أو بالنميمة، ولا يفشي أسرار عمله، التي هى جزء من أسرار وطنه، ولا ينافق رئيسه، أو من له مصلحه عنده. وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حينما قال: "ثلاثٌ من كنَّ فيه فهو منافق وإن صام وصلَّى، وزعم أنه مسلم: مَن إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". وسُئِل النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) عن المسلم: "هل أيكون المؤمن جبانًا؟"، فقال: ((نعم))، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: ((نعم)). فقيل له: أيكون المؤمن كذابًا؟ فقال: ((لا)).. لا يمكن أن يكون المؤمن "كاذبا" مغلف بهذه الآفة" آفة الكذب"!! يتنفس شهيقا وزفيرا "بالكذب". ولعل أعظم وسائل "الكذب الحديث" اليوم، وفي عصرنا هذا هو "الكذب" بإثارة البلبلة، ونشر الشائعات، والأكاذيب، نشر الأكاذيب عبر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومواقع الدردشة والتواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام، و في رسائل الجوال. وكلما كان "الكذب" على شخصية عامة، أو لها تأثير في المجتمع كلما يتسارع الناس في نقل الشائعات وإشاعة الأكاذيب. وأستغرب ممن تتعامل معهم ويتغير كلامهم بمنتهى الثقة: "أنا لم أقل هذا أو ذاك!"، "لم أكن أقصد"!! مستغرقين في " الكذب" بشكل مزر مخجل، ينقص هؤلاء ليذهبوا ويغادروا مساحة احترامك بغير رجعة!! والسؤال الذي أطرحه هل يحتاج كل منا إلى أن نمنعه عن "الكذب" بأن نجعل معاملتنا معه، وكلماتنا سويا بموجب أوراق، وعهود مكتوبة يوقع عليها.. يوقع عليها لضمان ألا يكذب؟ هل بهذا سيكف "الكذاب" عن "الكذب"؟ هل سيتوقف "الكذاب" عن "الكذب" إذا أخبرناه أن حركاته مسجلة صوتا وصورة؟ وما الداعي لذلك؟ ألا يعلم كل منا أن كل كلمة وحرف ولفتة وحركة وهمسة، بل وما نفكر فيه بعقولنا وفي ضمائرنا، يعلمه الله ويسجله الملكان صوتا وصورة بدون رقابة، أو تسجيل أو مكاتبات موقعة بعلم الاستلام؟ فليعلم كل منا أن "الكذب"، والنميمة، والخداع، هم الطريق السريع إلى غضب الله ومقته، وانعدام البركة في الرزق والأولاد والمال والصحة. ونحن في هذه الأشهر الحرام وعلى أعتاب شهر رمضان الكريم.. فليتحرى كل منا الصدق ليكتب عند الله صديقا.. فليصدق كل منا ليس لإرضاء رئيس أو مدير أو صديق.. فليصدق ليرضى عن نفسه احتراما لكرامته التي خصه الله بها وكرمه عن باقي المخلوقات، وخلقه في أحسن صورة. الرجاء أن نكف عن تشويه الصورة الكريمة التي خلقنا بها الله.. والسمة التي من أجلها نستقيم ويستقيم المجتمع سمة "الصدق والاستقامة"، أرجوكم إلا "آفة الكذب" فهى تغمر الوجوه بغضب الله.. ألا يخجل "الكذاب" من ممارسة "آفة الكذب؟".. ألا يشعر "الكذاب" أن "الكذب" يجعل منه قزما؟ بماذا يشعر "الكذاب" بعد أن يكتشف من حوله أنه "كذاب"؟ هل يشعر بالرضى عن نفسه؟ هل "بالكذب" نبني الأمجاد والأوطان؟ أقول لكل من يهوى "آفة الكذب".. من فضلك أوقف الكذب احتراما لنفسك، رضاءً لربك.