تختلف النظرة إلى سوق " زنقة الستات " عن النظرة إلى الأسواق المصرية، حيث يقصدها الأجانب والمشاهير، والأغنياء والفقراء على حد سواء والذين يتوافدون عليها لقضاء حاجاتهم، فضلا عن تميزها عن العديد من الأسواق الأخرى بالنظام والجمال الراقي، والذي لا يتوافر بمعظم الأسواق السكندرية. وسوق " زنقة الستات " عبارة عن حارات ضيقة، ومحال صغيرة متلاصقة، وتضم عددا كبيرا من محال الفضيات، والذهب، والأقمشة، الزيوت العطرية، الإكسسوارات والبازارات التي تلقى اهتماما كبيرا من قبل السائحين الأجانب الذين يقصدونها من دول العالم المختلفة، ويصفون السوق بأنها سوق الحظ بالنسبة لهم، كما تعرض البضائع النسائية المختلفة. وأطلق على السوق " شوارع النسوان " منذ قرن ، نظرا لإقبال السيدات والفتيات الشديد على السير بحواريها الصغيرة الضيقة، وذاعت شهرتها في بلدان العالم المختلفة نظرا لكونها مقصدا للفتيات والنساء من الطبقات الاجتماعية المختلفة، وعدم اعترافها بالفارق الاجتماعي. وفي جولة قام بها " صدى البلد " بين محال السوق المختلفة للتعرف عليها عن كثب، قال محمد فتحي، تاجر أقمشة بالسوق إن " الزنقة " من أكبر وأغنى الأسواق بالإسكندرية لتوافر كافة السلع فيها، لافتا إلى أن التجار يعملون فيه منذ أكثر من مائة عام. ولفت إلى أن السوق تشبه إلى حد كبير أسواق المغاربة، وعكاظ ، واللاذقية والتي اشتهرت كذلك بتوافد النساء عليها لاقتناء أكبر قدر من البضائع النسائية، مشيرا إلى أن الزنقة كانت ملتقى للأميرات ونساء الأثرياء اللاتي كن يتقابلن بالسوق لشراء أفخم وأغلى الأقمشة، والحلي والمصوغات التي كانت لا تباع إلا عند تجار الزنقة منذ حوالي 50 عاما. وأوضح أن أشهر جواهرجى بالزنقة في هذا الوقت كان يهودي الجنسية ويدعى " الياسو " وكان يقوم بجلب أفخم وأقيم المجوهرات من انجلترا، واليونان، ويعرضها بالأسواق وكانت تتهافت عليها النساء من الطبقات الراقية لحبهن في اقتناء المجوهرات النادرة. من جانبه، أكد على محمود ، أحد تجار الزنقة أن حركة البيع لا تتوقف بل تزداد نشاطا بسبب تهافت النساء وحبهم للسوق التي يعتبرونها ملاذهم في البحث عن أي شيء لا يجدونه في باقي الأسواق، بالرغم من انتشار مئات الأسواق التجارية والمولات الضخمة بمختلف أنحاء الإسكندرية، مؤكدا حرص العديد من الفنانين والفنانات على زيارة السوق وعلى رأسهم الفنانتان فيفي عبده ، وسمية الخشاب اللتين تقومان بشراء مستلزمات دوريهما منه. وفي سياق متصل، أشارت العديد من محاضر قسم شرطة المنشية إلى انتشار العديد من حوادث السرقة والنشل " بزنقة الستات " نتيجة الزحام الشديد، وضيق شوارعها. وأرجع محمود عنان، أحد تجار السوق، الارتباط الوثيق بين حوادث السرقات وانتشار الهناجرة بالسوق ، على حد قوله، على سبيل الفكاهة لارتباط السوق بأشهر ثنائي نسائي إجرامي عرفته مصر تخصص في استقطاب الفتيات والسيدات " ريا وسكينة " . وقال عنان إن " زنقة الستات " هي السوق الوحيدة التي كان تجمع طوائف التجار من عدة بلدان منذ أوائل القرن الماضي، حيث كان تجار كل من المغرب، سوريا، بلاد الشام، وليبيا يتمركزون في منطقة المنشية ويبيعون بضائعهم في تلك المنطقة بأسعار رخيصة لكسب ثقة المشترين ويجعلوهم يعدلون عن الشراء من المصريين للارتفاع أسعارهم. من جانبه ، لفت خليل جرجس ، أحد تجار الذهب بشارع فرنسا إلى أن شارع " فرنسا " من أشهر الشوارع بمنطقة المنشية ويضم أيضا سوق الفضة ، مشيرا إلى أن نشأة محال الذهب ترجع لأكثر من 50 عاما بهذا الشارع، حيث توافد المواطنون للشراء الذهب والمصوغات. وأوضح جرجس أن الحركة الشرائية للذهب انخفضت بشكل كبير في الأعوام الماضية التي كان فيها النساء والفتيات يحرصن أسبوعيا على اقتناء أحدث المشغولات الجديدة، بسبب ارتفاع الحالة الاقتصادية ومستوى معيشة المواطنين في ذلك الوقت على عكس ما يحدث اليوم الذي يشهد تعثرا للحالة الاقتصادية التي يعانيها جميع المواطنين نتيجة انخفاض الدخل. من جهته، طالب محمد كريم، أحد التجار الكبار الموجودين " بزنقة الستات " المسئولين بضرورة اعتبار السوق مكانا أثريا تابعا للمجلس الأعلى للآثار، لكونها من أهم الأماكن التي يقصدها الزائرون والسائحون من مختلف جنسيات العالم ، وخاصة الولاياتالمتحدة، فرنسا، إيطاليا، تركيا، واليونان لشراء هدايا تذكارية لأقاربهم وذويهم. ولفت كريم إلى قيام المسئولين بمحافظة الإسكندرية وحى الجمرك منذ عدة سنوات بمحاولة إزالة سوق " زنقة الستات“ ، بعد إصدار عدة قرارات للتجار بإخلاء محلاتهم ، بهدف تطوير المحافظة، وتوسيع الطرق، وإنشاء بعض الاستراحات الصغيرة مكان السوق، غير أن التجار، وأصحاب المحلات اعترضوا على ذلك القرار، وهددوا بعدم تنفيذه، باعتبارها مصدر الرزق الوحيد للآلاف من عائلات العاملين بالزنقة. من جانبه، أشار محمد مدني، أحد تجار الزنقة إلى تخصيص أحد محلات الأقمشة يعرف باسم " البيت الأبيض " لعقد جلسات عرفية لحل وإنهاء الخصومات والمشاكل والخلافات بين التجار وأبناء المهنة والمعروفين باسم " الصبيان " ، حيث كان يرأسه منذ حوالي 50 عاما سيد راشد الذي ورث تلك المهمة لنجله محمد خلفا له لفض المنازعات بشكل حضاري.