الطريق إلي قلب الناخب يبدأ من حل مشكلة المرور على الأقل في القاهرة الكبرى التي يمثل عدد سكانها حوالي 25% تقريباً من إجمالي عدد السكان، وما يزيد على نصف القوة التصويتية أو المسجلين في كشوف الاقتراع، والتي صوت غالبية سكانها في الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية السابقة لحمدين صباحي والمرشحين المنتمين لتيار الإسلام السياسي ( الجيزة 70%، والقاهرة 60%، والقليوبية 56%). لذلك لم يكن غريباً أن يبادر المهندس إبراهيم محلب إلي عقد اجتماع لمناقشة هذه القضية، وهو الاجتماع الذي كان سبقه إليه الرئيس مبارك في مايو 2010 بعد أن طرح وقتها د. علىّ الدين هلال على صفحات جريدة الأهرام المرور كقضية سياسية أخطر من أن تترك للفنيين والخبراء بفعل تأثيرها على تعطيل حياة ملايين المصريين يومياً، وارتفاع تكلفة الحكومة والقطاع الخاص في أدائها لأعمالها اليومية، ونشر ثقافة الزحام وما يرتبط به من سلوك عدواني نحن في أمس الحاجة إلي تجنبه. المشكلة بجد خطيرة في ضوء زيادة عدد السيارات بالقاهرة عن أكثر من 50% من إجمالي عدد السيارات في مصر، وعدم قدرة مترو الأنفاق الذي ينقل ما يقرب من 3 مليون مواطن يومياً على مواجهة العدد المتزايد من الركاب، والمشكلات التي يعانيها المواطنين يومياً من جشع سائقي الميكروباصات وبطء أوتوبيسات النقل العام خاصة في حالة المسافات الطويلة. الحلول للمشكلة كثيرة، وطرحها العديد من الأوراق البحثية التي عانت كسابقاتها من طي النسيان، وهى تتلخص في أربعة أمور أساسية:، أولها، سياسات عامة تلتزم بها الدولة، وثانيها، إجراءات تنفيذية تقوم بها الحكومة، وثالثها، ثقافة شعبية يجب أن تنغرس لدى المواطن، ورابعها خبرات عالمية موجودة في حاجة لدراستها باستفاضة. فعلى صعيد السياسات، نجد أن هناك حاجة ماسة لبلورة سياسة واقعية للنقل في مصر لا تكون حكراً في الصياغ والتنفيذ على متخصصي النقل فقط بل تشارك فيها الوزارات المعنية وأبرزها الداخلية والإسكان والإعلام بجانب المحافظين والخبراء، وأن تعكس برامج مرشحي الرئاسة ذلك الموضوع بوضوح من خلال التعهد بإجراءات وخطوات تنفيذية يلمسها المواطن على المدى القصير، وذلك بما يزيد بالطبع على مدة ال 100 يوم التي كان قد حددها د. مرسي لحل المشكلة. ومن ناحية الخطوات التنفيذية التي يجب أن تقوم بها الحكومة لبلورة هذه السياسات، نجد أنها تشمل إعادة النظر في تخطيط العاصمة الحالي، والتوسع في إنشاء المدن الجديدة ومد مترو الأنفاق إليها وتزويدها بكل ما تحتاجه من خدمات بما يجعلها مستقلة تماماً عن القاهرة، ونقل المصالح والهيئات إلي المدن الجديدة مع إنشاء مساكن للعاملين بالقرب من أماكن عملهم، والتنسيق بين جهات العمل المختلفة لتحديد مواعيد مختلفة لبداية العمل والخروج منه بما يقضي على أوقات الذرورة المرورية، وفرض رسوم للمرور في أماكن وأوقات الذروة. هذه الخطوات تستلزم أيضاً إحياء دور المجلس الأعلى للمرور، وزيادة وتحسين كفاءة المواصلات العامة، وزيادة عدد الجراجات تحت الأرض والمتعددة الطوابق وذلك بما يوفر أماكن مناسبة لانتظار السيارات بعيداً عن بلطحة "السياس" أو تحرش أطفال الشوارع، وتكليف الجهات المعنية بإعداد خريطة مخاطر للطرق يتم فيها تحديد أبرز النقاط التي تتكرر فيها الحوادث، وتطبيق نظام خصم النقاط المطبق في بعض دول العالم بحيث يتم سحب الرخصة بعد الوصول لعدد من النقاط ولا يمكن استخراجها إلا بعد اجتياز دورة تدريبية ودفع مبلغ مالي كبير، والتوسع في إنشاء الطرق المزدوجة المزودة بما يحتاج إليه الراكب من معلومات أو إرشادات لازمة من خلال شاشات ضوئية بها معلومات عن حالة الطقس وشدة الرياح والشبورة إن كانت قائمة، والاتجاه نحو أن يكون السير في الشوارع المزدحمة في اتجاه واحد. وعلى صعيد المواطن، فأنه لابد أن توافر ثقافة شعبية داعمة لمواجهة مشكلة المرور، فلا يكفى الحديث عن جهد مؤسسي تقوم به الدولة وحدها، فقد انتهى عصر الحل المنفرد وأصبحنا الآن نتحدث عن حل متكامل يتشارك فيه الجميع.. فالمرور ليس قضية حزب أغلبية أو حكومة منتخبة بل قضية وطن وشعب أصبحت طاقاته معطلة وموارده مهدره وحالته النفسية ليست على ما يرام. هذه الثقافة يمكن أن يتم غرسها إذا قامت الحكومة بدورها في نشر الوعي المروري بين المواطنين في كيفية عبور الطريق في الوقت والمكان المخصص لذلك، وعمل برامج توعية في وسائل الإعلام المختلفة عن كيفية احترام قوانين المرور مع التركيز على أهم النقاط التي تتسبب في ارتباك المرور مثل ركن السيارات صف ثاني أو إساءة استخدام ملفات الطرق ال U-TURN. وكذلك اقناع المواطن بأهمية أن يبدأ بنفسه من خلال عدد من الطرق منها فكرة النقل الجماعي بحيث يتشارك الأفراد الذين تتقارب أماكن سكنهم ويعملون في نفس العمل الركوب في سيارة واحدة. هذه الحلول ليست اختراعاً مصرياً حيث سبقتنا إليها الكثير من دول العالم. ففي الولاياتالمتحدة هناك أسلوب "ادفع لتعبر" الذي يستطيع من خلاله المواطن "المستعجل" أن يدفع رسماً بسيطاً لاستخدام أحد الطرق السريعة بدلاً من الانتظار في طرق حاراتها ضيقة ومعطلة للوقت، وفي البرازيل وكولومبيا يجري منع عدد معين من السيارات من السير داخل أو خارج المدن الرئيسية وفقاً لأرقام اللوحات المعدنية مع مراقبة صارمة من خلال كاميرات مجهزة، وفي هولندا وبريطانيا هناك سياسة تخفيضات تذاكر القطارات التي قد تصل أحياناً إلي 40% في ساعات محددة يومياً وخلال شهري يوليو وأغسطس، وفي اليابان هناك مشروع "طوكيو السلسلة" الذي يهدف إلي القضاء على ركن السيارات في غير أماكنها، وتحديد حارات معينة لسيارات التاكسي. الخلاصة أن قضية المرور تحتاج إلي حلول خلاقة ومبدعة من أعلى المستويات السياسية في البلاد، خاصة مع السخط اليومي المتزايد على الحكومة من جراء عدم قدرتها على معالجة هذا الملف، وهى الحلول التي أتمنى أن تبدأ بفتح محطة مترو "السادات" للتحويل الداخلي بين الخطين الأول والثاني دون فتحها للمواطنين من الميدان إذا كانت هناك أسباب أمنية تحول دون ذلك، وبما يقضي على الزحام غير المبرر في محطة مترو "الشهداء".