فيما تبحث إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أسوأ السيناريوهات المحتملة في سوريا، يبرز أحد هذه السيناريوهات ..حرب أهلية تتطور إلى صراع بالوكالة بين العرب والغرب من جهة، وروسياوإيران من جهة أخرى. ويؤكد مسئولون أمريكيون أنهم لا يريدون أداء دور عسكري في سوريا، حيث أسفرت الحملة التي يشنها الرئيس بشار الأسد على المحتجين عن مقتل خمسة آلاف شخص على الأقل وأثارت مخاوف من صراع طويل على السلطة في دولة تقع في قلب العالم العربي. ولكن بعد أن فشلت جهود قادتها الولاياتالمتحدة ودول عربية للتوصل إلى توافق في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد استخدام كل من روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار يقول بعض المحللين إن مخاطر أن ينقسم المجتمع الدولي إلى فريقين بسبب حرب مثيرة للانقسامات تتزايد. وتعهد مقاتلو المعارضة الذين يعرفون باسم "الجيش السوري الحر" بتحرير البلاد من حكم الأسد. ويدعو نشطاء إلى تقديم دعم مسلح للمعارضين، كما تصعد قوات الأمن السورية من أعمال العنف متعهدة بتنفيذ تهديد الرئيس بضرب معارضي الحكومة "بيد من حديد". وأضاف: "أعتقد أننا سنرى الآن دولا مختلفة بالمنطقة تراهن على الجيش السوري الحر، الأسلحة تدخل من لبنان بالفعل، وسنرى الآن المزيد يدخل من الأردن وتركيا والعراق أو من روسيا.. الجميع سيبدأون العمل في هذا المناخ". ويقول مسئولون أمريكيون إنهم يركزون على حشد الدعم للمعارضة السورية المحاصرة وربما توفير الإغاثة الإنسانية للاجئين، فيما يشتد القتال. من ناحية أخرى، تقول روسياوإيران إنهما تحثان دمشق على إجراء إصلاحات، لكنهما ترفضان ما وصفتاه بمحاولة يشرف عليها الغرب للإطاحة بحكومة واحدة من أوثق حلفائهما. ويخشى البعض في واشنطن من أن يتجه الوضع في نهاية المطاف إلى حرب بالوكالة على غرار الحرب الباردة. وقال أندرو تابلر، خبير الشئون السورية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: "في الوقت الحالي لا تجري مناقشة هذا الأمر... هذا لا يعني أنه لن يطرح في مرحلة ما". وخلال الحرب الباردة خاضت واشنطن وموسكو حروبا بالوكالة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأفغانستان وغيرها، فكانتا تسلحان الحكومات المتحالفة أو المتمردين الذين يقاتلونها. وأحجم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي يخوض انتخابات الرئاسة لولاية ثانية في نوفمبر، عن الانخراط بعمق في سوريا التي هى لغز سياسي معقد قابل للاشتعال يمثل تهديدا محتملا لحلفاء الولاياتالمتحدة ومن بينهم إسرائيل وتركيا والأردن. وقال أوباما لشبكة (ان.بي.سي) هذا الأسبوع: "من المهم جدا لنا أن نحاول حل هذا دون اللجوء لتدخل عسكري خارجي، وأعتقد أن هذا ممكن"، مستبعدا احتمال تكرار الجهود العسكرية الدولية التي أطاحت بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي العام الماضي. لكن دمشق التي تواجه أسوأ أزمة تمر بها خلال حكم عائلة الأسد الممتد منذ أكثر من أربعة عقود، تقول إنها تقاتل تمردا يقوده إسلاميون متشددون يموله ويوجهه أعداؤها من دول الخليج المتحالفة مع الولاياتالمتحدة. وعبرت تركيا، التي لها حدود طويلة مع سوريا، عن غضبها من أعمال العنف وطرحت فكرة إنشاء "ممرات إنسانية" لحماية النازحين ووقف إراقة الدماء. وقد فرضت قوى غربية بينها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية للضغط على الأسد وعزل حكومته. ولم تظهر روسيا التي تبيع السلاح لسوريا ولها قاعدة عسكرية على ساحلها المطل على البحر المتوسط أي مؤشرات على التخلي عن حليفتها. كما تقف إيران بجانب سوريا التي ساعدتها طويلا في دعم حزب الله في لبنان المجاور واتهمت واشنطن بمحاولة زعزعة استقرار المنطقة. وبعد الفيتو المزدوج لروسيا والصين في مجلس الأمن أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى أن الولاياتالمتحدة ستعمل مع حلفائها لتشديد العقوبات ومساندة التحول الديمقراطي في سوريا دون دعم المجلس الدولي. لكن الكثير من المحللين يرون أن اتساع نطاق أعمال العنف قد يجبر واشنطن وحلفاءها في النهاية على بحث اتخاذ خطوات إضافية ربما تكون محفوفة بمخاطر سياسية حتى إذا لم تشارك قوات أجنبية مشاركة مباشرة. وقال السيناتور الجمهوري جون مكين، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي أمس: "أعتقد أن علينا أن نساعدهم". وأضاف "أعتقد أنه يجب أن يكون كل شيء مطروحا على الطاولة بشأن ماذا ستكون الوسيلة الأكثر فعالية لإيقاف هذه المذبحة". وقالت المتحدثة باسم البيت الابيض فيكتوريا نولاند: "لا نعتقد أن (إرسال) المزيد من الأسلحة إلى سوريا هو الحل.. الحل هو بدء حوار وطني ديمقراطي حتى يتوقف العنف وتنسحب دبابات النظام من المدن ومن ثم يتمكن المراقبون من العودة مجددا". ولا يرى كل المحللين أن نشوب صراع بالوكالة احتمال مرجح، ويشيرون إلى المخاطر السياسية التي ينطوي عليها بالنسبة لأوباما والجماهير الأمريكية التي سئمت الصراعين الطويلين في كل من العراق وأفغانستان.