«بورسعيد: شهادات الحب والحرب» (الهيئة العامة لقصور الثقافة) هو كتاب صغير يجمع بين ضفتيه شهادات لكتاب وإعلاميين وسينمائيين من أبناء بورسعيد الذين يصرحون بسطوة المكان الأبدية عليهم- من يرحل عنها يأخذها معه. جمع معدا الكتاب (الروائيان زين عبد الهادى وحسين عبد الرحيم) نصوصا تفوح بمزيج ملتبس من الحب والأسى والمرارة والحنين. وبالرغم من أن الدافع وراء تسجيل هذه الشهادات هو الظلم الذى تعرضت له المدينة الباسلة الأبية إبان الثورة المصرية ومذبحة الاستاد، إلا أن الكتاب لا يتوقف عند هذا الحادث، لكنه يحفر مجرى أعمق وأبعد يقودنا إلى تأمل صورة متفردة تتمدد فى الزمن والمكان. تحكى سكينة فؤاد عن العبور المتكرر بالمعدية، حيث كانت عينا لوالدها- الذى ضعف بصره- فى مشواره اليومى من بيتهم فى بورفؤاد إلى الجامع الذى يؤم الناس فيه فى بورسعيد، وتسجل التغير الذى طرأ على المعدية نفسها، أماكن رسوها ونوعية العابرين. فى تلك الرحلة تتمدد «آلاف الخطوات ومئات الأسئلة» فى ظل كفها وكف أبيها المتعانقين. ويقدم الأديب قاسم مسعد عليوة شهادة تتوقف عند أكثر من لحظة فى تاريخ مصر، فقد كان فى التاسعة من عمره حين مشى فى المظاهرات المطالبة بجلاء قوات الاحتلال الإنجليزى فى عامى 1953 و1954، فى الحادية عشرة كان نقطة فى بحر الجماهير المنتصرة بعد العدوان الثلاثى 1956 والذين تدفقوا ترحيبا بجمال عبد الناصر وقت زيارته للمدينة. يرسم عليوة الحدث العام من خلال الطفل الذى كان والذى تشكل إحساسه بالوطن فى شوارع المدينة على خلفية من طلقات الرشاش وكتابة شعارات المقاومة على الحيطان. تتنوع تيمات الكتاب، فمنها ما يسجل ذكريات الحروب (عليوة)، ومنها ما يتحدث عن دور السينما فى المدينة ونجوم الشاشة الفضية (محمد عبده العباسى)، وهناك الرؤية التوثيقية لتاريخ المدينة وجغرافيتها وعلاقتها بالسينما (حسين عبد الرحيم)، وهناك المشاهد/ الومضات من طفولة زين عبد الهادى مع الكتب ومجلة «ميكى» المدهشة والآلهة اليونانية التى رآها تتشكل فى سماء بورسعيد. فى ظل هذا التنوع تمتد خيوط شفافة تشد كل الشهادات إلى عالم واحد يمور بالحنين إلى جنة مفقودة يعلم أهلها يقينا أنها موجودة وإن كانت متوارية. وتمتد يد الكتابة لتنفض تراب الحاضر الموجع وطبقات الأسى عن وجه «المدينة الاستثناء» (كما أسماها قاسم مسعد عليوة) فتكشف بهاءها الدفين. نقلا عن المصرى اليوم