* شملت دراسته في الأزهر علوم الحديث والفقه والتصوف والتفسير والنحو والصرف * كان المنعطف الأكبر في حياته هو سفره إلى فرنسا عام 1826 * كان إماماً لبعثة فرنسا فأصبح أنجب المبعوثين وأنشطهم * أول مصري عمل مترجماً في كلية الطب هو أشهر أعلام النهضة في مصر في العصر الحديث منذ أن سافر إلى أوروبا في أولى البعثات لتلقي العلوم الحديثة، وعاد لنشر المعرفة والدعوة للفكر المستنير في مصر. في مدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر، ولد رفاعة رافع الطهطاوي في «7 من جمادي الآخرة 1216ه الموافق 15 أكتوبر 1801م»، ونشأ في أسرة كريمة الأصل، شريفة النسب، حيث كان أبوه ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب. وأمه فاطمة بنت الشيخ أحمد الفرغلي، والتي ينتهي نسبها إلى قبيلة الخزرج الأنصارية. وقد لقي رفاعة عناية كبيرة من أبيه، على الرغم من تنقله بين عدة بلاد في صعيد مصر، فحفظ القرآن الكريم، ثم رجع إلى موطنه طهطا بعد أن توفي والده. ووجد من أسرة أخواله اهتماماً غير عادي، حيث كانت زاخرة بالشيوخ والعلماء فحفظ على أيديهم المتون التي كانت متداولة في هذا العصر، وقرأ عليهم شيئاً من الفقه والنحو. ولما بلغ رفاعة السادسة عشرة من عمره التحق بالأزهر وذلك في سنة «1232 ه الموافق 1817م»، مسلحا بما سبق أن تعلمه على يد أخواله، وهو الأمر الذي ساعده على مواصلة الدراسة مع زملائه الذين سبقوه في الالتحاق بالأزهر. وقد شملت دراسته في الأزهر العديد من العلوم ومنها الحديث والفقه والتصوف والتفسير والنحو والصرف. وغير ذلك من أنواع العلوم الأخرى. وقد تتلمذ رفاعة الطهطاوي على يد عدد من علماء الأزهر العظام، وكان من بينهم من تولى مشيخة الجامع الأزهر، مثل الشيخ حسن القويسني، وكذلك الشيخ إبراهيم البيجوري، والشيخ حسن العطار، وكان هذا الأخير ممن وثق الطهطاوي صلته بهم ولازمهم كثيراً وتأثر بهم. وتميز الشيخ العطار عن أقرانه من علماء عصره بالنظر في العلوم الأخرى غير الشرعية واللغوية، كالتاريخ والجغرافيا والطب، واستفاد من رحلاته الكثيرة واتصاله بعلماء الحملة الفرنسية. يبدأ المنعطف الكبير في حياة رفاعة الطهطاوي مع سفره سنة 2124هجرية الموافق 1826م إلى فرنسا ضمن بعثة أرسلها والي مصر آنذاك محمد علي وذلك على متن السفينة الحربية الفرنسية لاترويت لدراسة العلوم الحديثة والمعارف الإنسانية، في الإدارة والهندسة الحربية، والكيمياء، والطب البشري والبيطري، وعلوم البحرية، والزراعة والعمارة والمعادن والتاريخ الطبيعي. وبالإضافة إلى هذه التخصصات يدرسون جميعاً اللغة والحساب والرسم والتاريخ والجغرافيا. وتنوع تخصصات هذه البعثة يشير إلى عزم الوالي محمد على النهوض بمصر والدفع بها إلى مصاف الدول المتقدمة، والوقوف على الحضارة الأوروبية الحديثة. وحرصاً على أعضاء البعثة من الذوبان في المجتمع الغربي قرر محمد علي أن يصحبهم ثلاثة من علماء الأزهر الشريف لإمامتهم في الصلاة ووعظهم وإرشادهم. وكان رفاعة الطهطاوي واحداً من هؤلاء الثلاثة، وقبل أن يتقدم رفاعة للامتحان النهائي كان قد أنجز ترجمة اثنى عشر عملاً إلى العربية في التاريخ والجغرافيا والهندسة والصحة، بالإضافة إلى مخطوطة كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، وهو الكتاب الذي ارتبط اسمه به، ووصف فيه الحياة في باريس وعادات أهلها وأخلاقهم، وهو ليس وصفاً لرحلة أو تعريفاً لأمة بقدر ما هو دعوة للارتقاء، وصرخة للبعث والنهوض. عاد الطهطاوي إلى مصر سنة «1247ه الموافق 1831م» تسبقه تقارير أساتذته التي تشيد بنبوغه وذكائه، مفعماً بالأمل منكبّاً على العمل، وكان إبراهيم باشا ابن محمد على أول من استقبله من الأمراء في الإسكندرية، ثم حظي بمقابلة الوالي محمد علي في القاهرة. وفي عام 1251ه الموافق 1835م قام رفاعة الطهطاوي بتحقيق واحد من أهم أحلامه على الإطلاق، حيث كان رفاعة الطهطاوي يأمل في إنشاء مدرسة عليا لتعليم اللغات الأجنبية، وإعداد طبقة من المترجمين المجيدين يقومون بترجمة ما تنتفع به الدولة من كتب الغرب، وتقدم باقتراحه إلى محمد علي ونجح في إقناعه بإنشاء مدرسة للمترجمين عرفت بمدرسة الألسن، مدة الدراسة بها خمس سنوات، قد تزاد إلى ست. وبالفعل تم افتتاح مدرسة الترجمة، التي أصبحت فيما بعد مدرسة الألسن وعين مديراً لها إلى جانب عمله مدرساً بها، وكانت تضم في أول الأمر فصولاً لتدريس اللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والتركية والفارسية، إلى جانب الهندسة والجبر والتاريخ والجغرافيا والشريعة الإسلامية. وفي هذه الفترة تجلى المشروع الثقافي الكبير لرفاعة الطهطاوي ووضع الأساس لحركة النضهة التي صارت في يومنا هذا، بعد عشرات السنين إشكالا نصوغه ونختلف حوله فمنا من يطلق عليه الأصالة أم المعاصرة ولكن يبقى دوماً أن رفاعة كان أصيلاً ومعاصراً من دون إشكال ولا اختلاف، ففي الوقت الذي ترجم فيه متون الفلسفة والتاريخ الغربي ونصوص العلم الأوروبي المتقدم نراه يبدأ في جمع الآثار المصرية القديمة ويستصدر أمراً لصيانتها ومنعها من التهريب والضياع. ويتولى الخديو إسماعيل الحكم بعد وفاة سعيد، سنة 1280ه الموافق 1863م فيعاود رفاعة العمل ويقضي العقد الأخير من عمره الحافل في نشاط مفعم بالأمل، فيشرف مرة أخرى وأخيرة على مكاتب التعليم، ويرأس إدارة الترجمة، ويصدر أول مجلة ثقافية في تاريخنا وهي روضةُ المدارسِ، جعل منها منارة لتعليم الأمة ونشر الثقافة بين أبنائها، فقد نظمها أقسامًا، وجعل على رأس كل قسم واحداً من كبار العلماء من أمثال الأديب الكبير عبد الله فكري، وإسماعيل الفلكي العالم الرياضي والفلكي، ومحمد باشا قدري القانوني الضليع، وصالح مجدي، والشيخ حسونة النواوي الفقيه الحنفي المعروف، وغيرهم. وكانت المجلة تنشر مقالات تاريخية وجغرافية واجتماعية وصحية وأدبية وقصصاً وأشعاراً، كما كانت تنشر ملخصًا لكثير من الدروس التي كانت تلقى بمدرسة «دار العلوم». واعتادت المجلة أن تلحق بأعدادها كتباً ألفت لها على أجزاء توزع مع كل عدد من أعدادها بحيث تكون في النهاية كتابا مستقلا، فنشرت كتاب «آثار الأفكار ومنثور الأزهار» لعبد الله فكري، و « حقائق الأخبار في أوصاف البحار ل «على مبارك»، و «الصحة التامة والمنحة العامة» للدكتور محمد بدر، و «القول السديد في الاجتهاد والتجديد» للطهطاوي. وكان رفاعة قد قارب على السبعين حين ولي أمر مجلة الروضة، لكنه ظل مشتعل الذكاء وقاد الفكر، لم تنل الشيخوخة من عزيمته، فظل يكتب فيها مباحث ومقالات حتى توفي في الأول من ربيع الآخر 1290ه الموافق 27 من مايو 1873م.
