منذ ظهور الدكتور محمد البرادعى على الساحة السياسية المصرية وهو يوم بعد يوم يقدم مفاجآت جديدة ويلقى الأحجار فى المياة الراكدة لتغيير الواقع المصري، ولن يستطيع أحد أن ينكر دوره فى انتقاد نظام مبارك ومحاولة تغيير الأوضاع الفاسدة ومحاربة مؤامرة التوريث، فهو واحد ممن شاركوا وساهموا فى قيام ثورة 25 يناير، ولكنه اليوم كعادته صدم الجميع بإعلان انسحابه من سباق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فهل يرفض البرادعى الترشح كما فعل فى أيام مبارك لإحساسه بأن الأوضاع لم تتغير فى مصر، أم يبحث عن مطالبة الشعب له بالترشح عبر موجات من المؤيدين تتظاهر وتعتصم حتى يوافق ويرشح نفسة؟ أعتقد أن الدكتور البرادعى شعر أن مصر لا تعيش حالة ديمقراطية حقيقية بعد الثورة، فالجميع يجرى فى سباق الحصول على المكاسب، والعنف الأمنى ضد المواطنين مستمر وشهداء الثورة يتزايدون ولا توجد محاكمات حقيقية ولا مكاسب حقيقية للثورة المصرية، فحسب بيانه، الثورة لم تقدم شيئًا وعلينا الاستمرار فى الثورة حتى نستطيع العبور بمصر نحو المستقبل الحقيقي بعيدًا عن مناخ الصفقات السائد فى مصر. يعتبر الدكتور البرادعى أهم رموز التيار الليبرالى فى مصر وأهم دعاة الدولة المدنية ورجل ضم صالونه أغلب رموز التيار الليبرالى فى مصر من خلال الجمعية الوطنية للتغيير وعدد كبير من الكتاب والمثقفين وأغلب من ينادون بمدنية الدولة وأصحاب الفكر الليبرالى والاشتراكى والعلمانى وغيرهم، وقد أحبط قراره جميع القوى الليبرالية لإحساسهم بخيبة الأمل وموت حلمهم فى تيار ليبرالى قوى يساهم فى حكم مصر أمام التفوق الكبير للتيارات الدينية، وأعتقد أن البرادعى دق المسمار الأخير فى نعش الليبرالية المصرية وشيعها إلى مثواها الأخير فى ذاكرة التاريخ. السؤال الآن.. هل انسحب الدكتور البرادعى لاعتقاده بعد فوز التيار الإسلامى بجميع الانتخابات البرلمانية والنقابية، ورؤيته أن مصر فى طريقها للدولة الدينية، وأنه لا مجال لأى تيار ليبرالى حر، وأعتقد أن ذلك هروب من ميدان المعركة لأن عليه دراسة الفترة الماضية من وجوده فى مصر وأسباب عدم انتشاره فى الشارع السياسي المصرى، فهل هو السبب أم أفكاره أم مؤيديه من رموز التيار الليبرالى فى مصر، وأنا أعتقد أن من يسمون نفسهم برموز التيار الليبرالى هم السبب لأنهم شاركوا فى عزلة عن الشارع المصري الحقيقي واستمر أسير الفضائيات، فكلنا نعلم أن الفضائيات والتوك شو لايمكنهم صناعة الشعبية الحقيقية لأى مرشح للرئاسة. لقد شعر الدكتور البرادعى بالقيمة الحقيقية لليبراليين فى مصر عبر نتائجهم الهزيلة فى الانتخابات الأخيرة ورؤية الشارع المصري لهم على أنهم مجموعة من المثقفين يتكلمون كثيرًا ولا يقدمون جديدًا، يرون أنهم أوصياء على الشعب، ولقد اتهموا المصريين بالجهل لأنهم انتخبوا الإسلاميين ولن نتكلم عن لماذا يكره المصريون الليبرالية. السؤال الآن.. هل يتعلم الليبراليون فى مصر أنهم السبب فى وفاة فكرهم ورؤيتهم أم ماذا؟ وأعتقد أن الليبرالية المصرية ستدخل نفقًا مظلمًا من التخبط وعدم الوضوح والرؤيا بعد تراجع البرادعى عن قيادة التيار الليبرالى، وهنا نتساءل: ماذا سيفعل الليبراليون فى الفترة القادمة للدفاع عن مستقبلهم. أعتقد أن قطاعًا كبيرًا فى الشارع المصري يعيش حالة من السعادة لانسحاب الدكتور البرادعى لأنهم يرون فيه شخصية مصرية ولكن بهوية غربية لم تتعايش مع الحالة المصرية بتداعياتها المختلفة وعاش كثيرًا خارج مصر، والأهم أن الجميع يعلم أنه الراعى الرسمى لليبراليين الجدد فى مصر وأغلبنا سئم من صراخهم وكلامهم الذى لايسمن ولا يغنى من جوع. فى النهاية الليبرالية تتراجع والأفكار المصرية الحقيقية المستمدة من تراث وتاريخ المصريين تتقدم، فمصر لا ترتبط بأشخاص أو أفراد بل هى شعب واحد متجانس يسعى للاستقرار وتحقيق جميع مطالب الثورة المصرية.