قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن رمضان هو شهر القرآن، وشهر الصوم، وشهر الصدقات، وشهر القيام، وشهر القربات، وشهر الانتصارات، وينبغي أن يتأثر المسلم في قلبه وروحه، وفي سلوكه وأخلاقه بهذه الخصائص فيتعلم من المدرسة الربانية ويستفيد من الشحنة الإيمانية ويتعرض للنفحات المباركة. سبيل الفلاح ولفت جمعة إلى أنه ينبغي أن يتعلم المسلم من رمضان التقوى، فيكون في حذر شديد أثناء صومه من الاقتراب من الطعام والشراب والشهوة وكذلك من جميع ما لا يرضي ربه عنه، وبعد الإفطار يكون في حذر شديد من الوقوع فيما يغضب الله، فهو يراقب الله ويملأ أوقاته بالطاعات، ولذا فالتقوى من ثمرات شهر رمضان والصوم، قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة :183] وأوضح علي جمعة أن التقوى في لغة العرب : مشتقة من وقاه وقيا ووقاية: صانه. من قبيل اشتقاق المصدر من الفعل على مذهب الكوفيين أو التقوى ليس بمصدر بل اسم كالعلم ويؤيده ما في القاموس واتقيت الشيء وتقيته حذرته. وهناك معان كثيرة لها في الشرع ذكرها العلماء لعل أبسطها : التباعد عن كل مضر في الآخرة، وقد ذُكر في معناها أيضا: أنها عبارة عن حجاب معنوي يتخذه العبد بينه وبين العقاب، كما أن الحجاب المحسوس يتخذه العبد مانعا بينه وبين ما يكرهه [أحكام القرآن للجصاص]. وبيّن علي جمعة أنها هي سبيل الفلاح، فقال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [البقرة : 189]. وهي كذلك من أسباب معية الله : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ) [البقرة : 194]. وهي باب للتعرف على صفات الجلال لله سبحانه وتعالى، قال تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [البقرة : 196]. وشدد علي جمعة على أنها هي المعيار المعتبر للتفاضل بين الناس : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات : 13]. والتقوى سبب لدخول الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق»[أخرجه الترمذي وصححه الحاكم]. وسبب لمحبة الله سبحانه وتعالى، فعن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي» [أخرجه مسلم]. وأوضح أن الصبر ثمرة أخرى يتعلمها المسلم من هذا الشهر الفضيل، فيتعلم تحمل الألم والجزع في سبيل الله، ويهون عليه ألم النفس لرضا ربه، فشهر رمضان شهر التربية، يكسر فيه المسلم شهوته، ويلغي هواه، ولعل المنع من المباح في نهار رمضان والإذن فيه في الليل ثم المنع في الفجر يمثل منهجا تربويا في الامتثال لكل أوامر الله، حيث يتدرب المسلم على الترك والفعل في حدود المباح والمأذون له. واختتم أن رمضان يصنع المسلم الطاهر الممتثل لأمر الله التقي الصابر، وما زال في شهر رمضان آثار وأسرار كثيرة نسأل الله أن يتقبل منا صيامه وقيامه آمين.