غسل الأرجل .. خميس العهد والأسرار وطقوس إحياء ذكرى العشاء الأخير للمسيح    تشغيل 27 بئرا برفح والشيخ زويد.. تقرير حول مشاركة القوات المسلحة بتنمية سيناء    فاتن عبد المعبود: مؤتمر اتحاد القبائل العربية خطوة مهمة في تنمية سيناء    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 2 مايو 2024    جامعة السويس وجهاز السويس الجديدة يوقعان بروتوكول تعاون لتبادل المعلومات    أمين رابطة مصنعي السيارات: مبادرة سيارات المصريين بالخارج لم تحقق نتائجها المرجوة    مدبولي يوجه بعقد اجتماعات مع الشركات الكورية الجنوبية لبحث سرعة تنفيذ مشروعاتها    المركزي يمنح مصر للابتكار ترخيص مبدئي لإطلاق أول بنك رقمي    مصر وبريطانيا توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية    اقتصادي: ارتفاع مؤشر الاستقرار الكمي للسلع مارس الماضي بواقع 83.8 نقطة    الخارجية الفلبينية تستدعي دبلوماسيا صينيا احتجاجا على تصرفات بكين    وزير خارجية الإمارات يستقبل زعيم المعارضة الإسرائيلي    البيت الأبيض: موسكو استخدمت أسلحة كيماوية ضد القوات الأوكرانية    تعرف علي تعديل مواعيد الجولة الأخيرة بدوري المحترفين    تشكيل تشيلسي المتوقع أمام توتنهام في البريميرليج    الطقس اليوم الخميس 2 مايو 2024: حالة الأجواء ونصائح الأرصاد الجوية    تعرف على الحالة المرورية في شوارع وميادين القاهرة والجيزة    انخفضت ل2.4 %.. نتائج تحليل مشاهد التدخين والمخدرات في دراما رمضان 2024    تحرير 11 محضرًا خلال حملات تموينية في بلطيم بكفر الشيخ    العثور على جثتى أب ونجله فى صحراء قرية حمرادوم بقنا    الداخلية تشن حملة على تجار الكيف بالعصفرة.. وتضبط 34 من مروجي المخدرات    بأحدث معالج سناب دراجون وأقوى بطارية.. Vivo تطلق أحدث موبايل للشباب    إيرادات مرتفعة .. السرب يتصدر شباك التذاكر المصري في أولى أيام العرض    دعاء النبي بعد التشهد وقبل التسليم من الصلاة .. واظب عليه    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال أبريل    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع خادم دياو بديل معلول    صباحك أوروبي.. حقيقة عودة كلوب لدورتموند.. بقاء تين هاج.. ودور إبراهيموفيتش    غضب الله.. البحر الميت يبتلع عشرات المستوطنين أثناء احتفالهم على الشاطئ (فيديو)    الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني وتدمير 12 طائرة مسيرة كانت تستهدف مناطق في العمق الروسي    الفنان ياسر ماهر ينعى المخرج عصام الشماع: كان أستاذي وابني الموهوب    هل توجد لعنة الفراعنة داخل مقابر المصريين القدماء؟.. عالم أثري يفجر مفاجأة    تامر حسني يدعم بسمة بوسيل قبل طرح أغنيتها الأولى: كل النجاح ليكِ يا رب    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    رئيس الوزراء يُهنئ البابا تواضروس الثاني بعيد القيامة المجيد    بعد أزمة أسترازينيكا.. مجدي بدران ل«أهل مصر»: اللقاحات أنقذت العالم.. وكل دواء له مضاعفات    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    أوستن وجالانت يناقشان صفقة تبادل الأسرى والرهائن وجهود المساعدات الإنسانية ورفح    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    هدى الإتربي تتألق في أحدث جلسة تصوير.. والجمهور: "أبيض على الأبيض" (صور)    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون.. والديمقراطية
نشر في صدى البلد يوم 03 - 05 - 2013

اتخيل صور أمهات الشهداء وهن يجلسن أمام شاشات التليفزيون وكل واحدة منهن تحمل جرحا نازفا لم يجف بعد، وتشاهد شباب مصر وهم يقتلون بعضهم بعضا وكانوا بالأمس القريب يحلمون مع ثورة اذهلت العالم برغيف خبز نقي.. وعمل مناسب وبيت آمن ووطن يوفر لهم الحرية والكرامة.
ماذا تقول هذه الأم الأن وهي تشاهد مواكب القوي السياسية من اصحاب الشعارات إبتداء بأحاديث الحريات وانتهاء بأحاديث الشريعة والدين.. من يعيد لهذه الأم إبتسامة ابنها الراحل الذي اوهموها انه مات في سبيل الوطن واستشهد من اجل الحرية وهي تراهم يقتتلون من اجل الغنائم.. مات ابنها وبقي ابناء اصحاب الشعارات وقد ورثوا التركة وبدأوا في توزيع الأدوار والغنائم وانتقلنا من وريث سابق الي وريث لا حق وإن تغيرت الوجوه وتبدلت الملامح.
في يوم من الأيام غضب المصريون لأن مسئولا كبيرا في النظام السابق قال في أحد تصريحاته ان الشعب المصري غير مهيأ للديمقراطية.. ويبدو ان كلام الرجل كان اكثر فهما للواقع المصري البغيض فقد تأكد لنا بعد ذلك ان التربة غير مناسبة علي الإطلاق لهذا الحلم الكبير وان الإنسان المصري لا يستطيع ان يتحمل هذه الأمانة التي تسمي الديمقراطية.
بعد اكثر من عامين من الثورة لمن يتابع المشهد المصري سوف يكتشف ان قضايا الديمقراطية ترف لا يستطيع مجتمع الأمية والعشوائيات والنخبة الفاسدة والتدين الكاذب ان يتحمل اعباءها ومسئوليتها وان علينا ان نبدأ في بناء إنسان جديد وعصر جديد يمكن ان نغرس فيه اشجار الحرية في زمان قادم قد يجئ وقد لا يجئ.
أثبتت التجربة ان عمليات التجريف الفكري والعقلي التي شهدتها مصر حملت جينات عصر طويل من القهر والإستبداد والجهل والأمراض.
كل الدلائل كانت تؤكد ان هذا المجتمع المريض لا يستطيع ان يقاوم تحديات كثيرة جاءت بها الثورة في لحظة كونية نادرة ولكن للأسف الشديد سطي علي المشهد كله تاريخ طويل من العبثية والجهالة وضيق الأفق وغياب الرؤي.
كان ينبغي أن نعلم أن هذه الأرض المالحة تجمع في العشوائيات كل امراض الفقر والجوع والتخلف وأن أكثر من12 مليون إنسان يعيشون في هذه الجحور البشرية.. وان هناك أكثر من20 مليون مواطن لا يقرأون ولا يكتبون وان في شوارع المحروسة ملايين الشباب لا يعملون وتسحقهم كل يوم مواكب البطالة وأن هذه الأرض مهيأة جدا لانتشار الخزعبلات والفكر المتخلف وانها تحتاج قبل إطلاق نداءات الحرية الي الطعام والدواء والتعليم وفرص العمل والحياة الكريمة وأن هذه الأرض مهيأة جدا لأن تعبث بها الشعارات البراقة من سماسرة الفكر ودعاوي الإصلاح.
ولا شك أن تجربة العامين الماضيين اثبتت أن هذه الشرائح الواسعة من المصريين تحتاج إلي ثورة إجتماعية وإنسانية واخلاقية قبل أن نطلق فيها صيحة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. ولهذا لم تستقبل هذه الأرض أحلام الثورة كما ينبغي فتساقطت أمام واقع كئيب لم يحتمل هذا الحلم الكبير في الإصلاح والتغيير.. وهنا كانت اول مذابح الديمقراطية في إستفتاءات وانتخابات اتسمت بالعشوائية وغياب المصداقية امام واقع إنساني وفكري وثقافي متخلف لم يستوعب خطورة اللحظة وأهمية الحدث.
علي الجانب الآخر, كان هناك تيار ديني واسع نشأ في ظل تجربة طويلة من البطش والاستبداد ولم تتح له في يوم من الأيام تجارب فكرية أو إنسانية تخرج به من ظلام السجون والمعتقلات ووجد نفسه فجأة وبلا اي مقدمات يجلس علي مقاعد السلطة في بلد عتيق له تاريخه وجذوره وازماته وقضاياه.
ورغم أن هذا التيار كانت له تحفظات كثيرة اقتربت من الرفض أحيانا لقضية الديمقراطية الحديثة كما عرفتها الشعوب المتقدمة امام مرجعيات دينية اعتبرت هذا الفكر رجسا من عمل الشيطان إلا انه وجدها فرصة نادرة لأن تكون الجواد الرابح ليصل بها إلي السلطة.
لم تكن هناك قناعات كاملة لدي التيار الديني بقضايا الديمقراطية لأنها في الحقيقة تتعارض مع الكثير من ثوابته الدينية ولهذا تعامل معها من منطلق انتهاز الفرص وحين جاء دور التنفيذ والممارسة والتطبيق ظهر وجه استبدادي صارم في تجربة الإسلاميين مع الديمقراطية وتصوروا ان غاية الديمقراطية هي لعبة الصندوق حتي ولو كان بابا للإستبداد باسم الدين.. وهنا سقط الإسلاميون في اول اختبارات الديمقراطية.
وللأسف الشديد أن هذا التيار وجد أرضا خصبة لمشروعه في العشوائيات والأحياء الفقيرة والملايين الذين لا يقرأون ولا يكتبون فكان الدين هو الورقة الرابحة في تجربتهم مع الديمقراطية بعيدا عن ثوابتها الحقيقية في الفكر والسلوك والمواقف.
لقد اختلطت اوراق كثيرة في مواقف التيار الديني خاصة أنه جمع اطرافا كثيرة متباعدة في افكارها ومواقفها وتجربتها الإنسانية.. كان للإخوان المسلمين رصيد ضخم في الشارع المصري امتد ثمانين عاما في حين كان ظهور السلفيين مفاجأة كبري.. بل ان بعض التيارات المتشددة التي غيرت مواقفها مع الثورة فاجأت المصريين بأطروحات جديدة تتحدث عن الحريات والديمقراطية والحوار وسرعان ما تغيرت مواقفها ومواقعها امام خلافات حادة بين هذه التيارات جميعها وعاد بعضها الي قناعات وثوابت قديمة تتناقض تماما مع الديمقراطية بمفهومها الصحيح.. وهنا لا يعقل ان يتحدث أحد من هذه التيارات عن الحريات وحقوق الإنسان ثم يدفع بالميليشيات التي ترهب الناس في الشوارع أو ان يبدي تيار منها استعداده لتقديم الاف الشهداء دفاعا عن الشريعة وكأننا امام كفار مكة وانصار الرسول عليه الصلاة والسلام.
هنا ظهرت تناقضات كثيرة في فكر التيارات الإسلامية امام التجربة والممارسة ووجدنا انفسنا امام واقع خدعنا في البداية بشعارات الديمقراطية ثم ظهرت افكاره الحقيقية.
امام التيار الديني الصاعد.. كان هناك تيار اخر احتار الباحثون فيه هل هو ليبرالي ام علماني ام تقدمي ام يساري المهم انه حمل اكثر من اتجاه فكري من اقصي اليمين الي اقصي اليسار.. لا شك ان هذا التيار شارك في الثورة المصرية وكان من اسباب نجاحها ولكن ازمته الحقيقية انه لم يكن علي اتصال او تواصل حقيقي بالشارع المصري.. لم تكن له جذور حقيقية في اعماق الريف والعمال والأحياء الفقيرة والعشوائيات وكانت التيارات الدينية قد غزت التجمعات العمالية والريفية في سنوات الإنفتاح والزواج الباطل بين السلطة ورأس المال.. والحقيقة ان جزءا من هذا التيار ارتبط بمصالح مع النظام السابق ولهذا كان من الصعب ان يكون صوتا للشعب وصوتا لأصحاب القرار في وقت واحد امام التعارض الشديد في لغة المصالح.. لقد اكتفي هذا التيار وهذه خطيئته الكبري بميدان التحرير والفضائيات والمنابر الإعلامية وترك الساحة خالية للتيارات الإسلامية وهنا كان فشله في الإنتخابات التشريعية ثم الرئاسية ثم معركة الدستور.
وبقدر ما كانت هناك خلافات في المواقف بين التيارات الدينية بقدر ما كانت هذه الخلافات اكبر واعمق بين التيارات الليبرالية تحت دعاوي المدنية أو العلمانية أو جميع هذه المسميات.. المهم ان المواجهة في الشارع لم تكن لصالح هذه التيارات وحين احتكم الجميع للصندوق كان فوز التيارات الدينية ساحقا ومفاجئا للجميع ليس في مصر وحدها ولكن علي مستوي العالم.
وهنا يمكن ان يقال ان التجربة الديمقراطية اهتزت كثيرا بتراجع دور التيارات الليبرالية او المدنية التي حاربت سنوات طويلة من اجلها خاصة مع حالة الرفض والإقصاء التي فرضتها التيارات الدينية الحاكمة ضد المعارضة.
قبل هذا كله كان النظام السابق قد جرف الأرض تماما حين ترك الساحة خالية لحزب سياسي واحد مارس كل الوان الإستبداد مع نظام تعليمي وثقافي وإعلامي اهدر كل قيم التميز والتفوق واغلق كل الأبواب امام الأنشطة السياسية المشروعة وحين قامت الثورة كانت احلامها اكبر بكثير من قدرات القوي السياسية التي نشأت في ظل النظام السابق وتشبعت بأساليبه في التحايل والمراوغة والتضليل وانتقلت كل هذه الأمراض الي القوي السياسية التي عجزت عن تقديم تجربة ديمقراطية تليق بثورة عظيمة.
هنا نأتي الي نقطة البداية وهي ان الديمقراطية تحتاج ارضا وشعبا ورموزا وافكارا.. إن الأرض المالحة لا تصلح للأشجار العتيقة والفقر والجوع والأمية ارض تصلح فقط للاستبداد وحين يتم تجريف الشعوب وتشويه الأفكار نجد انفسنا امام عقول فارغة وضمائر ميتة وهنا تتشوه سلوكيات الناس وتصبح الفوضي بديلا للإنضباط والأمن والإستقرار وهذا ما نعاني منه الأن.. ان نقطة البداية في اول طريق للحرية والديمقراطية ان تفهم القوي السياسية المتصارعة علي ارض مصر الأن ان المشاركة والحوار أول الأبجديات وان إصلاح التعليم ومحو عار الأمية وتنمية وعي المواطنين يسبق صندوق الإنتخابات والشرعية الزائفة وان نداء البطون اعلي بكثير من صرخات الشعارات الرنانة وان الديمقراطية الحقيقية تبدأ بكرامة الإنسان وحقه في العمل والإنتاج والحياة الكريمة قبل ان يذهب الي لجنة الإنتخابات.
الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية شعارات جميلة ولكن يسبقها عقول متفتحة بالوعي والمسئولية والإحساس والكرامة الإنسانية لقد فشلت القوي السياسية بكل اطيافها في اقتناص لحظة تاريخية مضيئة في تاريخ مصر كان من الممكن ان تضع اقدامها علي طريق ديمقراطية حقيقية ولكن للاسف الشديد تحولت الي مرحلة جديدة من مراحل الاستبداد.
..ويبقي الشعر
الي النهر الخالد محمد عبد الوهاب
كل القلوب التي عاشت أغانيه
في كل بيت بوادي النيل تبكيه
كل العصافير أدمتها فجيعتها
وكل غصن علي الأشجار يرثيه
في كل عمر لنا ذكري تطاردنا
فعمرنا كله.. لحن يغنيه
تبكيك في النيل أطلال مبعثرة
تنعي زمان الهوي.. تبكي لياليه
فوق الرؤوس..علي الأعناق نحمله
بين الجوانح. في الأعماق نبقيه
كيف احتوتك دموع الشمس في ألم
والحزن في عينها يدمي وتخفيه؟
كيف ارتمي العود في أحضان عاشقه
عند الوداع وحزن الأرض يدميه؟
قد كان يجري وراء الناس في فزع
وبين أوتاره يخفي مآسيه
هل أودعوا العود فوق القبر يؤنسه؟
وقبرك الآن هل يدري بمن فيه؟
فيه الشموخ الذي غني لنا زمنا
عمرا من الحب لن ننسي مغنيه
قد كنت حصنا فكيف الموت طاوعه
أن يكسر الحصن في غدر. ويلقيه؟!
كم كنت تسأل: كيف الموت يسرقنا
ممن نحب. ويلقينا إلي التيه؟
هل جاءك الموت طفلا في ملامحه
كيف التقيتم..وهل سالت مآقيه؟
هل كان يدري بقلب سوف يحمله؟
لو كان يدري. لما امتدت أياديه!
كم عشت تجري وراء السر تسأله:
كيف الممات.. فهل أدركت مافيه؟
قل لي عن الموت عن أسرار حيرتنا
كيف ابتدي اللحن.. كيف الآن ينهيه؟
هل لحظة.. أم زمان.. أم تري سفر
أم زائر غادر يخفي مراميه؟
قل لي عن الفن..هل غنيت في وهج
أم أسكت الموت ماكنا نغنيه؟!
قل لي عن الموت.. حدث إنه قدر
كم من سؤال لنا حارت معانيه؟!
ياأيها القبر إن ماتت أنامله
أسمعه لحنا.. فإن اللحن يحييه
واطرب له كلما هاجت جوانحه
أو عاد يشكو الجوي حينا.. ويخفيه
أو قام يشدو وراء الغيب وانهمرت
منه الدموع وعاد الشوق يدميه
فدمعة فوق وجه النيل تؤرقه
وهمسة من شذي الجندول تشجيه
والكرنك الصامت المحزون يرقبه
عند الغروب وفي شوق يناجيه
في الصمت يحيا ولكنا سنحمله
بين القلوب ولن تخبو أغانيه
قد صار كالنيل يسري في جوانحنا
نهرا من الحب يسقينا.. ونسقيه
نبقيه عمرا جميلا لن يفارقنا
وإن كبرنا. سنون العمر ترويه
في كل لحن شجي سوف نذكره
في كل عمر ضنين سوف نبكيه
أبكيك قلبا.. صديقا.. أم تري زمنا
في عمق أعماقنا.. تحيا لياليه؟
نم ياصديقي. غدا في الدرب يجمعنا
لحن الخلود الذي لا شئ يطويه.
نقلا عن الاهرام
المزيد من أعمدة فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.