لم يكن تفكير الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في تأميم قناة السويس محض صدفة وإنما كان أمرًا يشغل باله وخاطره، وفكرة تراود مخيلته منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 رغبة منه في استرجاع الحقوق المصرية المسلوبة والسيادة الكاملة على قناة السويس المرفق الملاحي الأهم في الربط بين الشرق والغرب والتي لا يتجاوز نصيب مصر من أرباحها الفُتات بنسبة لا تتعدى 3 % فقط. ظل قرار تأميم القناة مرهونًا باختيار الوقت الأمثل لإعلانه وجاء سحب الولاياتالمتحدةالأمريكية لعرض تمويل مشروع السد العالي كشرارة لانفجار الوضع والتفكير بشكل جدي في استعادة قناة السويس قبل انتهاء فترة مد الامتياز باثنى عشر عامًا والتي كان مقررًا لها الانتهاء عام 1969. في عام 1955 بدأت مباحثات تمويل السد العالي مع البنك الدولي والولاياتالمتحدةالأمريكيةوبريطانيا تدخل مرحلة حاسمة، وكان من المقرر أن يتعهد البنك الدولي بتقديم 200 مليون دولار لتمويل السد على أن تقوم الولاياتالمتحدةالأمريكيةوبريطانيا بتقديم قرض بذات القيمة ليكون بذلك إجمالي المبلغ المقترض 400 مليون دولار من أصل 100 مليون دولار تمثل التكلفة الإجمالية لإنشاء السد العالي. أثمرت المفاوضات مع الجانب الأمريكي والبريطاني على أن يتم تقسيم دفعات القرض على مرحلتين، في المرحلة الأولى تقدم أمريكا قرضًا بمبلغ 54 مليون دولار فيما تقدم بريطانيا قرضًا قيمته 16 مليون دولار بخلاف قرض البنك الدولي وقيمته 200 مليون دولار، ويستكمل التمويل في المرحلة الثانية بتقديم أمريكاوبريطانيا المبلغ المتبقي وقيمته 130 مليون دولار. ومع تقدم المفاوضات لتحويلها إلى نطاق الواقع الفعلي تأرجح الموقف الغربي نتيجة فرضه شروطًا مجحفة تحمل تدخلًا سافرًا غير مقبول في الشئون المالية المصرية وقد تكون نواة للتدخل السياسي بل والعسكري في مصر وهو ما انتبهت له الحكومة المصرية واتفقت حياله مع الاتحاد السوفيتي لدعمها في موقفها والضغط على القوى الغربية وهو ما أثمر عن إعلان يوجين بلاك مدير البنك الدولي في 18 فبراير 1956 موافقة البنك على تمويل المشروع. ولم تمض أيام معدودات حتى تغير الموقف الغربي مرة أخرى من تمويل مشروع السد نتيجة للسياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية ورفضها القاطع للصلح مع إسرائيل علاوة على استكمال تسليح الجيش المصري بعقد صفقات سلاح مع الجانب السوفيتي، بالإضافة إلى رفض الرئيس عبد الناصر الانضمام لحلف بغداد وغيره من الأحلاف العسكرية والسياسية وتأسيسه لحركة عدم الانحياز، فضلًا عن مساندته لثورة الجزائر واعترافه بالصين الشعبية. وفي 19 يونيو 1956 وخلال المباحثات التي جمعت الدكتور أحمد حسين سفير مصر في واشنطن بوزير الخارجية الأمريكية أعلن لينكولن هوايت المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية سحب العرض الأمريكي بالمساهمة في تمويل السد العالي لأسباب أرجعها إلى سوء وضع مصر الاقتصادي والادعاء بتأثير السد العالي على الحقوق المائية لدول شقيقة مثل السودان وأثيوبيا وأوغندا بما يعد تشكيكًا في النوايا المصرية وإفسادًا للعلاقات التاريخية بدول حوض النيل. أما الموقف البريطاني فلم يختلف كثيرًا عن الموقف الأمريكي فسرعان ما شككت بريطانيا في قدرة الاقتصاد المصري على تمويل السد العالي وتسوية القروض المطلوبة وهى تغض الطرف عن تقارير البنك الدولي التي تؤكد قوة الاقتصاد المصري وارتفاع الدخل القومي من 748 مليون جنيه عام 1952 إلى 868 مليون جنيه عام 1954. وأصبح قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس هو الرد الأمثل على محاولات القوى الغربية التحكم في مصير الدولة المصرية ووأد خططها الاستعمارية في مهدها. اقرأ أيضا: تحول رقمى.. ننشر رابط التقدم الكترونيا للحصول علي خدمات الترسانات بهيئة قناة السويس