أنعم بالصيام عبادة يرفع الله بها الدرجات ويكفر بها الخطيئات ويكسر بها الشهوات ويفتح بها الجنات، فكم له من فضائل جليلات عظيمات منها:- 1- نداء باب مخصوص من أبواب الجنة يسمى الريان. يكفي الصائمين شرفًا بشارة النبي - صلى الله عليه وسلم- لهم بباب الريان وهو للصائمين وحدهم، حين ينادون يوم القيامة لدخول الجنة من باب أختصه الله لهم، إكراما منه وتفضلًا وإنعامًا، فيدخلون من باب الريان، باب للصائمين لا يدخل غيرهم فيه، فعن سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " ( البخاري:1896).، فيا سعد من ناداه هذا الباب. الله يجزي الصائمين لأنهم --- من أجله سخروا بكل صعاب. لا يدخل الريان إلا صائم --- أكرم بباب الصوم في الأبواب. و وقاهم المولى بحر نهارهم --- ريح السموم وشر كل عذاب. وسقوا رحيق السلسبيل مزاجه --- من زنجبيل فاق كل شراب. هذا جزاء الصائمين لربهم --- سعدوا بخير كرامة وجناب. 2- الوقاية من الشهوات في الدنيا ومن النيران في الآخرة. فأما في الدنيا: فالصيام وجاء من الشهوات، كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم ،فعَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي، مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»( البخاري:1905). وأما في الآخرة: فهو وقاية من النيران، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ، وَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ "( مسند أحمد:14669). 3- الصيام لا مثل له وهو الطريق للجنة. فعَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَة ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ»(صحيح ابن حبان:3426)، وعن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قَالَ: أَسْنَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَدْرِي فَقَالَ: " مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ حَسَنٌ: ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " ( مسند أحمد:23324). 4- الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ "، قَالَ: «فَيُشَفَّعَانِ»(مسند أحمد:6626)، نسأل الله أن يشفع فينا الصيام.
5- إضافة الله - تعالى- للصوم إضافة تشريف وتعريف بقدر الصوم. فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ " قال الحافظ في الفتح: وقد اختلف العلماء في المراد بقوله:( فإنه لي وأنا أجزي به) مع أن الأعمال كلها له، وهو الذي يجزي بها، ومن أقوالهم:- 1- أن الصوم لا يقع فيه رياء كما يقع في غيره. 2- أن قوله:( وأنا أجزي به) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وغيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس. 3- أنه أحب العبادات إلي، وهو المقدم عندي. الصوم سر وإخلاص لخالقنا --- هو الدليل إذا ما شئت برهانا. شَهْرُ الْمَكَارِمِ لا تُحْصَى مَنَاقِبُهُ --- جَلَّتْ عَنِ الْحَصْرِ تَعْدَادًَا وَتِبْيَانَا. فِيهِ الْجِنَانُ تَفَتَّحَتْ مُزَيَّنَةً --- وَالْنَّارُ قَدْ أُغْلِقَتْ عَفْوًا وَغُفْرَانَا. 6- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. ففي الحديث: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ»، فشعار المؤمنين في القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقا بينهم وبين سائر الأمم، وشعارهم في القيامة بصومهم طيب خلوفهم أطيب من ريح المسك.
7- للصائم فرحتان يفرحهما. ففي الحديث: « لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» . قال القرطبي: معناه فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم، وقيل : إن فرحه بفطره إنما هو من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته، وقوله:( وإذا لقي ربه فرح بصومه) أي بجزائه وثوابه. 8- الصيام كفارة من الذنوب والمعاصي. فعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الفِتْنَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا أَحْفَظُهُ كَمَا قَالَ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ لَجَرِيءٌ، فَكَيْفَ؟ قَالَ: قُلْتُ: " فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ، وَوَلَدِهِ، وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ، وَالصَّدَقَةُ وَالمَعْرُوفُ - قَالَ سُلَيْمَانُ: قَدْ كَانَ يَقُولُ: الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ - وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ "( البخاري:1435).
9- دعوة الصائم لا ترد. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ "( شعب الإيمان للبيهقي:3323). فعلى المسلم أن يجتهد في الدعاء حال صيامه وعند إفطاره ويدعو بما شاء من أمور الآخرة وما يباح من أمور الدنيا. 10- الصوم في الصيف يورث السقيا يوم القيامة. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم بَعَثَ أَبَا مُوسَى فِي سَرِيَّةٍ فِي الْبَحْرِ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ قَدْ رَفَعُوا الشِّرَاعَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ إِذَا هَاتِفٌ مِنْ فَوْقِهِمْ يَهْتِفُ بِأَهْلِ السَّفِينَةِ قِفُوا أُخْبِرُكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَخْبِرْ إِنْ كُنْتَ مُخْبِرًا، قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ أَعْطَشَ نَفْسَهُ لَهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْعَطَشِ ).(مسند البزار:4974). 11- الصيام شعار الأبرار. فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إِذَا اجْتَهَدَ لِأَحَدٍ فِي الدُّعَاءِ قَالَ: جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمْ صّلَاةَ قَوْمٍ أَبْرَارٍ، يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَيَصُومُونَ النَّهَارَ، لَيْسُوا بِأَثَمَةٍ وَلَا فُجَّارٍ "(الجامع الصحيح للسنن والمسانيد:32/418).، فانظر إلى شعار الأبرار قيامهم بالليل وصيامهم بالنهار، والأبرار سادات المتقين. 12- الصيام طريق لشكر المنعم على نعمه. قال الإمام العز بن عبد السلام:( وأما شكر عالم الخفيات: إذا صام عرف نعمة الله عليه في الشبع والري، فشكرها لذلك، فإن النعم لا تعرف مقدارها إلا بفقدها)، فالشكر لله الذي كفانا وآوانا وأطعمنا وسقانا، الشكر لله الذي منّ عليَّنا فأفضل والشكر لله الذي أعطانا فأجزل، والشكر لله على كل حال. فالشكر لله شكرا ليس ينصرم --- شكرا يوافق ما يجري به القلم. ونسأل الله - تبارك وتعالى- أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يغفر لنا الذنوب، وأن يفرج لنا الكروب، وأن يتوب علينا ربنا لنتوب، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.