لا أعرف كيف يطالب البعض بانتخاب رئيس الجمهورية خلال يناير أو فبراير، ونحن لا نعرف ما صلاحيات الرئيس المنتظر ولا حدود دوره ولا نعرف أيضًا برامج المرشحين المحتملين للرئاسة. كل ما نعرفه حتى الآن أن دستور 1971 المجمد ومن بعده الإعلان الدستورى الذى حل محله يحدد نظام الحكم فى مصر بأنه نظام رئاسى، وبالطبع فإن هذا النظام الرئاسى المصرى يعطى الرئيس سلطات مطلقة تصل به لمرحلة التقديس بحيث يكون من الصعب أو من المستحيل محاسبة الرئيس أو مراجعته أو نقض قرار له، وبالطبع فمن رابع المستحيلات محاكمة الرئيس مهما ارتكب من أخطاء أو خطايا. كل ما تعرفه أيضًا أن لدينا مرشحين لا أتذكر عددهم لانتخابات الرئاسة، لا نعرف لهم حتى الآن برامج محددة لمعالجة قضايانا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا خطط لإنقاذ البلاد من الوضع الذى آلت اليه بعد عقود طويلة من الفساد والظلم والقهر والديكتاتورية خلفت إرثًا ثقيلاً من المشكلات فى جميع المجالات. المرشحون المحتملون للرئاسة حتى الآن هم مجرد شخصيات مشهورة إعلاميًا بعضهم له تجارب فى معارضة نظام الحكم السابق وبعضهم كان جزءًا من هذا النظام نفسه واستمد شهرته منه وبعضهم يستند لرصيده لدى المتدينين، لكن لا أحد منهم قدّم برنامجًا مُحددًا للتعامل مع قضايا السياسة والاقتصاد وحلولاً محددة بتوقيتات زمنية محددة لمواجهة مشكلات البطالة والتوظيف والضرائب والإسكان والصحة والبيئة وغيرها من القضايا الملحة والغريب أنه فى كل الحوارات التى جرت مع مرشحى الرئاسة تعمد وسائل الإعلام إلى إثارة القضايا الساخنة التى تثير فضول الناس ومنها قضايا الحلال والحرام والنميمة والخلافات والاتهامات بين التيارات المختلفة اكثر من الحديث عن المستقبل وعن القضايا الحقيقية وعن برامج المرشحين للتعامل معها. مرة أخرى علينا قبل أن نتحدث عن انتخابات الرئاسة أن نحدّد نظام الحكم الذى يرتضيه الشعب، فاذا استمر النظام الرئاسى وجب تحديد صلاحيات الرئيس وترشيدها لنزع القداسة عنه ووضعه فى إطاره الطبيعى كرئيس موظف وليس زعيمًا ملهمًا لا ينطق عن الهوى، مطلوب رئيس بصلاحيات محدودة وليست مطلقة وان تكون هناك آلية واضحة لممارسة هذه الصلاحيات وعدم تجاوزها، وآلية لمحاسبة الرئيس عندما يُخطئ أو يتجاوز. أما إذا كان النظام برلمانيًا فإن الرئيس سيكون مجرد رمز بلا سلطات حقيقية، وستكون كل السلطات التنفيذية للحكومة التى يشكلها حزب الأغلبية فى البرلمان أو ائتلاف أحزاب الأغلبية وأعتقد أن هذا هو الأنسب والأصلح لضمان عدم عودة الرئيس الديكتاتور الملهم صاحب السلطات المطلقة ، وان كان هناك راى ثالث يطالب بالأخذ بالنظام الرئاسى البرلمانى الذى يتقاسم فيه الرئيس والحكومة السلطات مع تحديد مهام كل منهما وسلطاته. عمومًا وعلى أى الأحوال علينا ان نحدد فى أى طريق نسير قبل ان نتحدث عن اختيار الرئيس وهو ما يعنى ان وضع الدستور اولا قبل انتخاب الرئيس ضرورة حتى لا تظل حالة التخبط والتشتت التى تسيطر على المشهد السياسى المصرى، الأفضل أن نصبر أربعة أو خمسة أشهر لنحدد دور الرئيس قبل ان نوقع له على بياض، ثم ننتظر ثورة جديدة لخلعه.