لا أدري متي يجتمع شمل المصريين مرة أخرى.. متي يعود الأبناء إلى بيوتهم والآباء إلى أعمالهم والساسة إلى رشدهم متى نستعيد قدرتنا على التفاهم والحوار والخروج من هذا النفق المظلم.. متى يجلس عقلاء هذا الوطن ويتدبرون أحوال الناس ومعاناتهم حتى تبدأ رحلة البناء والتنمية بعد كل هذا الوقت والعمر الضائع. وحدتنا الثورة وفرقتنا الغنائم ولا أعتقد ان هناك منتصرا ولا مهزوما في كل هذه الصراعات بعد كل ما حدث في الشارع المصري من انقسامات وفصائل.. ولا أتصور أن القوى السياسية لا تدرك مأساة ما حدث في حياة المصريين فلم يعد الانقسام مقتصرا على الشارع بل امتد وأشعل الفتن بين أبناء الأسرة الواحدة في كل بيت مصري الآن تجد الإخواني والسلفي والليبرالي ونسوا جميعا أنهم مصريون. كل شيء في مصر منقسم على نفسه الآن وأكبر دليل على ذلك نتائج المرحلة الأولى من الدستور والتي أكدت أن المصريين الآن فريقان متصارعان كل فريق يحمل أسلحته وكنت أتمنى لو أن كل فريق يحمل برنامجا وأن الخلاف حول الوسائل والأهداف والبرامج التي تحقق رفاهية هذا الشعب واستقراره، ولكن الخلاف الآن حول الغنائم ومن يفوز بهذه الغنيمة المسمومة التي استنزفت أمن الشعب واستقراره.. لقد خرجنا من نظام فاسد نهب ثروات هذا الوطن لكي نسقط في مستنقع الانقسامات والصراعات حيث لا عمل ولا إنتاج ووصلنا إلى نفس النتيجة نظام سرقنا ونظام قسمنا شيعا وأحزابا.. كل شيء في مصر الآن منقسم على نفسه وما أكثر الشواهد: - إن القوى السياسية لا تعترف الآن ببعضها البعض إذا جلست مع الإخوان المسلمين غابت لغة التفاهم والحوار لأنهم يريدون الغنيمة بالكامل ولا يفكرون في اقتسام شيء مع الآخرين.. إنهم يريدون الرئاسة والبرلمان والشورى ومؤسسات الدولة الجيش والشرطة والمخابرات ومصادر الإنتاج، وتسألهم وأين ما لديكم من البشر الذين يتحملون مسئوليات ذلك كله ولا تجد إلا الصمت والفراغ.. إن القضية ليست في امتلاك الأشياء والسيطرة عليها ولكن في حسن إدارتها وإنقاذها من هذه الأزمات. وفي نفس الاتجاه تجد فصائل السلفيين وهم يحاولون اقتناص الأضواء بكل الوسائل المشروع منها وغير المشروع، إنهم فقط يريدون تأكيد أن الإخوان ليسوا وحدهم وأن السباق سيكون في صالحهم يوما، وأن الإخوان مجرد مرحلة عابرة، وأن الساحة سوف تخلو لهم وليس ذلك ببعيد.. ومن حين لآخر لجأ السلفيون إلى تصرفات غريبة لشد الانتباه بأن يحاصروا مدينة الإنتاج الإعلامي أو يحرقوا مقر حزب الوفد أو يخيفوا الناس بأساليب غريبة على الفضائيات، وللأسف الشديد إن التيار الإسلامي خسر الكثير وربما أضاع فرصة تاريخية لن تتكرر في حكم أكبر وأقدم دولة عربية إسلامية. على الجانب الآخر، كانت الفصائل الليبرالية تحاول تصحيح أخطاء قاتلة ارتكبتها بعد الثورة حين تحولت إلى شراذم حزبية وانفصلت تماما عن الشارع المصري مؤكدة فشلها في التواصل مع الشعب.. بعد فترة من الضياع ما بين معارك مع التيارات الدينية والمجلس العسكري اكتشفت هذه التيارات أنها أضاعت الكثير من الوقت والجهد وراء معارك خاسرة لم تجن منها شيئا غير المزيد من التشرذم والانقسامات.. بدأ الليبراليون يجمعون صفوفهم مرة أخرى تحت زعامات تجمعها أهداف مؤقتة في مواجهة عدو واحد، وللأسف الشديد فإن جميع الفصائل لم تقدم برنامجا لإعادة بناء مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لقد غرقت جميعها في المليونيات وحشد المواطنين في الشوارع وتسأل متى يعود هؤلاء إلى بيوتهم وأعمالهم ومصانعهم المغلقة.. ولا تجد الإجابة. لقد كشفت هذه الانقسامات بين التيارات الدينية والليبرالية من جانب والاختلافات بين هذه التيارات نفسها وما تجمعه من أفكار متناقضة عن غياب حقيقي لثقافة الاختلاف وأن النخبة المصرية في حاجة إلى وضع دستور للحوار فيما بينها قبل أن تكتب دستورا للشعب الذي تريد أن تحكمه.. كشفت ثورة يناير عن جوانب القصور في شخصية المثقف المصري وأنه غير قادر على قبول الرأي الآخر أو الحوار مع ما يرفض أو يخالف وتحولت لعنة الانقسامات بين المصريين إلى كابوس يطاردهم في كل مكان يذهبون إليه.. ومع إتساع دائرة الانقسامات في المواقف والأفكار غابت الثقة وبدأت رحلة الاتهامات بالعمالة والتخوين ومع تدفق الأموال الخارجية والداخلية ازدادت حدة الشراسة في المواجهة بين أبناء الوطن الواحد. - كان من الضروري وسط هذا التشرذم أن تظهر في الأفق قوى أخرى تسعى إلى مواجهة حالة التردي التي أصابت النخبة وكان الظهور المكثف للمرأة المصرية في الشارع المصري أكبر تأكيد على فشل النخبة، وقد ظهر ذلك واضحا في مشاركة المرأة غير المسبوقة في تاريخنا الحديث في المرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور. كانت حشود المرأة في كل المحافظات أكبر دليل على أنها تحاول إيجاد صيغة من التوازن بين القوى السياسية وتعلن تمردها على هذا الانقسام الرهيب في مسيرة الوطن.. كان خروج المرأة صرخة احتجاج على نخبة تقتل أبناءها في صراعات وانقسامات ومعارك تدفع الوطن، كل الوطن، إلى مواجهات دامية سقط فيها الشهداء أمام طموحات مريضة وأفكار شاذة ورجال لا يخافون الله في وطن يحترق. كان خروج المرأة بهذه الحشود انقساما جديدا في جسد مصر، بحيث وجدنا أنفسنا أمام تيارات سياسية متصارعة باسم الدين حينا وباسم الحريات أحيانا وخرجت المرأة المصرية تعلن رفضها لكل هذا وتعيد للميزان توازنه المفقود. هناك فريق آخر هم شباب مصر ويبدو أنهم اكتشفوا بعد معاناة طويلة أنهم سقطوا ضحية لخديعة كبرى وأصبحوا طرفا في لعبة سياسية افتقدت الشفافية والنقاء والمصداقية، إن الشباب هو صاحب الثورة وهو الذي أشعلها في البداية وهو يدرك عن وعي أنه صاحب المستقبل وأن جميع أطراف اللعبة السياسية تلعب في الوقت الضائع وأنها استخدمته في أغراض مشبوهة، وهنا أفاق الشباب على تلك المواجهة التي تدفعه إليها أياد افتقدت الأمانة والمسئولية وبدأ الشباب يدرك أنه طرف في لعبة شاذة وغريبة وعليه أن يغير مساره قد يحتاج ذلك كله بعض الوقت حتى تتلاقى جموع الشباب على هدف واحد بعيدا عن خصومات فكرية ليس هذا وقتها أمام وطن تضيع منه فرصة تاريخية قد لا تتاح له مرة أخرى. من هنا فإن الرهان الحقيقي لمن أراد أن يعرف مسار الأحداث في مستقبل مصر أن يدرك أن هذا المستقبل سوف يقوم على عنصرين رئيسيين، هما المرأة والشباب، وعلى زعماء وقادة القوى السياسية الأخرى أن يدركوا ذلك ليس فقط لأنهم فشلوا ولكن لأن المرأة غيرت حسابات كثيرة في المعادلة ولأن الشباب لن يقبل أن يكون أداة لتصفية حسابات بين أجيال عجزت أن تعيش عصرها أو تكمل مشوارها. إن الشيء المؤسف أن الانقسامات بين القوى السياسية انعكست بصورة خطيرة على القرار السياسي وإدارة شئون الدولة، وقد تأكد ذلك بصورة قاطعة في الصراع والتخبط في سلطة القرار.. مازال الصراع قائما والخلاف واضحا حول مشروع الدستور ومازلنا ننتظر نتائج الاستفتاء والتي أكدت في مرحلتها الأولى أن الانقسام في الشارع المصري وصل إلى أخطر حالاته ومراحله ثم كانت الانقسامات حول الإعلان الدستوري وما ترتب عليه من اضطراب في الشارع المصري ابتداء بموقعة الاتحادية وانتهاء بإحراق الأحزاب السياسية.. ثم كانت مأساة رفع الأسعار والضرائب وإلغائها في ليلة واحدة.. ثم كانت الخلافات حول عملية الاستفتاء وهل تتم في يوم واحد أم يومين.. وقبل هذا كله كانت معركة القضاء وما أصاب صفوف القضاة من انقسامات أمام إجراءات وقرارات غريبة انتهت بحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامي وإحراق مقار الإخوان المسلمين وحزب الوفد وحصار مسجد القائد إبراهيم وإلغاء لقاء المصالحة الوطنية بالقوات المسلحة ثم كانت نهاية المشهد المرتبك باستقالة النائب العام. وسط هذه الحالة من الارتباك والتعارض الشديد في القرارات وغياب هيبة الدولة، خرج المصريون يوم الاستفتاء في عشر محافظات في صورة حضارية مذهلة في الانضباط والترفع والسلوك الحضاري الرفيع وهنا تبدو مفارقة غريبة إذا كان الاستفتاء تم بهذه الصورة فماذا عن الشتائم والبذاءات والصراعات والمعارك والمنشورات التي تسللت إلى كل شيء، خاصة ما ينشر أمام العالم كله على "فيس بوك" والنت وهذا المستنقع الرهيب من التجاوزات الأخلاقية والسلوكية. مازلت أحلم بأن تعود مواكب الحكمة والعقل إلى المشهد مرة أخرى، خاصة بعد أن اعتدل الميزان وبدأ كل فريق يشعر أنه لن يقود السفينة وحده وبعد أن تصدرت المرأة المصرية المشهد السياسي لتعلن رفضها لهذا الانقسام البغيض.. بقى أن تدخل حشود الشباب الساحة بفكر جديد وسلوك مترفع لكي تضع جميع القوى السياسية تصورا جديدا لمستقبل يليق بنا شعبا ووطنا وتاريخا لم يعد الوقت في صالحنا على كل المستويات، ويبدو أن هناك لحظة تاريخية نادرة تكاد تفلت من أيدينا رغم أنها جاءت بعد طول انتظار، أمامنا تحديات اقتصادية مخيفة وانقسامات دامية وضغوط شعبية لا حدود لها وقبل هذا كله غياب كامل لهيبة الدولة وهذا مؤشر خطير جدا في ظل انقسام وطني عنيف. المصريون لم يتركوا الشارع منذ عامين ولا أدري متى يعودون إلي بيوتهم.. وقبل هذا يعودون إلى ضمائرهم التي اختفت تماما في هذا الزحام. .. ويبقى الشعر لن أقبل صمتك بعد اليوم لن أقبل صمتي عمري قد ضاع على قدميك أتأمل فيك. وأسمع منك. ولا تنطق. أطلالي تصرخ بين يديك حرك شفتيك. انطق كي أنطق. اصرخ كي أصرخ. ما زال لساني مصلوبا بين الكلمات عار أن تحيا مسجونا فوق الطرقات عار أن تبقى تمثالا وصخورا تحكي ما قد فات عبدوك زمانا واتحدت فيك الصلوات وغدوت مزارا للدنيا خبرني ماذا قد يحكى.. صمت الأموات! ماذا في رأسك. خبرني! أزمان عبرت. وملوك سجدت. وعروش سقطت وأنا مسجون في صمتك أطلال العمر علي وجهي نفس الأطلال علي وجهك الكون تشكل من زمن في الدنيا موتي. أو أحياء لكنك شيء أجهله لا حي أنت. ولا ميت وكلانا في الصمت سواء. أعلن عصيانك. لم أعرف لغة العصيان. فأنا إنسان يهزمني قهر الإنسان. وأراك الحاضر والماضي وأراك الكفر مع الإيمان أهرب فأراك على وجهي وأراك القيد يمزقني. وأراك القاضي. والسجان! انطق كي أنطق أصحيح أنك في يوم طفت الآفاق وأخذت تدور علي الدنيا وأخذت تغوص مع الأعماق تبحث عن سر الأرض. وسر الخلق. وسر الحب وسر الدمعة والأشواق وعرفت السر ولم تنطق؟ ماذا في قلبك؟ خبرني!. ماذا أخفيت؟ هل كنت مليكا وطغيت. هل كنت تقيا وعصيت رجموك جهارا صلبوك لتبقي تذكارا قل لي من أنت؟ دعني كي أدخل في رأسك ويلي من صمتي!. من صمتك! سأحطم رأسك كي تنطق. سأهشم صمتك كي أنطق!. أحجارك صوت يتواري يتساقط مني في الأعماق والدمعة في قلبي نار تشتعل حريقا في الأحداق رجل البوليس يقيدني. والناس تصيح: هذا المجنون. حطم تمثال أبي الهول لم أنطق شيئا بالمره ماذا. سأقول؟. ماذا سأقول! نقلا عن "الأهرام"