يحيي العالم اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر 2017 في يوم 30 يوليو، حيث أن الاتجار بالبشر يعد جريمة استغلال للنساء والأطفال والرجال لأغراض عدة بما فيها العمل القسري والبغاء. ويشكل الأطفال ما يقرب من ثلث ضحايا الاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم، وبالإضافة إلى ذلك تشكل النساء والفتيات 71 % من ضحايا الاتجار بالبشر، وذلك وفقا لما جاء في التقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص التابع لمكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وفي الوقت الذي تقدر فيه منظمة العمل الدولية عدد ضحايا العمل القسري في العالم ب 21 مليون شخص بمن فيهم من ضحايا الاستغلال الجنسي، وفي حين أن من غير المعلوم عدد الضحايا الذين اُتجر بهم، فإن التقديرات تشير إلى حقيقة أن هناك ملايين البشر في ربقة هذه الممارسات المشينة في العالم، ويتأثر كل بلدان العالم بظاهرة الاتجار بالبشر، سواء أكانت من بلدان المنشأ أو نقاط العبور أو جهات المقصد. وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010 خطة العمل العالمية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وحثت الحكومات في جميع أنحاء العالم على اتخاذ تدابير منسقة ومتسقة لهزيمة هذه الآفة الإجتماعية، وحثت الخطة على إدراج مكافحة الإتجار بالبشر في برامج الأممالمتحدة بشكل موسع من أجل تعزيز التنمية البشرية ودعم الأمن في أنحاء العالم، وكانت إحدى الأمور المجمع عليها في خطة الأممالمتحدة هي إنشاء صندوق الأممالمتحدة الاستئماني للتبرع لضحايا الاتجار بالبشر، خاصة النساء منهم والأطفال. وفي عام 2013، عقدت الجمعية العامة اجتماعا رفيع المستوى لتقييم خطة العمل العالمية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، واعتمدت الدول الأعضاء القرار رقم 192/ 68، والذي أقرت فيه اعتبار يوم 30 يوليو من كل عام يوما عالميا لمناهضة الاتجار بالأشخاص. ويمثل هذا القرار إعلانا عالميا بضرورة زيادة الوعي بحالات الإتجار بالأشخاص والتوعية بمعاناة ضحايا الاتجار بالبشر وتعزيز حقوقهم وحمايتها، وفي سبتمبر 2015، اعتمد العالم جدول أعمال التنمية المستدامة 2030، بما فيها أهداف وغايات بشأن الاتجار بالأشخاص، وتدعو تلك الأهداف إلى وضع حد للاتجار بالأطفال وممارسة العنف ضدهم، فضلا عن دعوتها إلى تدابير ضرورية ضد الاتجار بالبشر، كما أنها (الأهداف) تسعى إلى إنهاء كل أشكال العنف ضد المرأة والفتاة واستغلالهما. ومن التطورات المهمة التي تلت ذلك، جاء انعقاد قمة الأممالمتحدة للاجئين والمهاجرين، التي خرجت بإعلان نيويورك، ومن مجمل الإلتزامات ال 19 التي اعتمدتها البلدان في الإعلان، هناك التزامات ثلاثة تعنى بالعمل الحاسم ضد جرائم الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين. وأشار أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، إلى أن الاتجار بالبشر ما زال ممارسة قائمة في العصر الحالي، وأصبحت شبكاته دولية، ويوجد ضحاياه في 106 دول، مضيفا غوتيريش أن منظمة العمل الدولية تقدر بأن عدد ضحايا العمل القسري والاستغلال يبلغ 21 مليون شخص بأنحاء العالم، وتقدر الأرباح السنوية لتلك الممارسات ب 150مليار دولار. وبعيدا عن الأرقام، هناك تكلفة بشرية، فيلقى أشخاص حتفهم، وتمزق المجتمعات، وترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويتخذ الاتجار بالبشر أشكالا عدة، كما تستهدف النساء والفتيات بشكل خاص ويقعن ضحايا للاستغلال الجنسي، ويزدهر الاتجار بالبشر عندما تضعف أو تغيب سيادة القانون، خاصة في مناطق الصراعات المسلحة، وفي بعض صراعات اليوم، نواجه جماعات مسلحة لا تنخرط فقط في الاستعباد والعمل القسري، ولكنها تجادل وتدعي أن تلك الممارسات قانونية. وذكر غوتيريش أنه في سوريا، نظم داعش أسواق النخاسة وأصدر كتيبات لإرشاد مقاتليه بشأن كيفية أسر نساء وفتيات والاتجار بهن، وكذلك قادة بوكو حرام أدعوا أيضًا أن العبودية أمر قانوني، وفي صراعات أخرى ، تجبر جماعات مسلحة الرجال والنساء والأطفال الخاضعين لسيطرتها على العمل في المناجم غير الآمنة أو على الخطوط الأمامية أو تستعبدهم للعمل في المنازل. وأثناء فرارهم من تلك التهديدات، يواجه النازحون واللاجئون مخاطر جديدة تتمثل في المهربين الذين يحاولون استغلالهم على طريق الفرار، ويستخدم الإرهابيون والمتطرفون الذين يلجأون إلى العنف، العبودية الجنسية كأداة للتجنيد، ويلجأ المتاجرون بالمخدرات إلى أعمال الاختطاف وطلب الفديات لتمويل عملياتهم. وشدد غوتيريش على ضرورة العمل للتصدي للاتجار بالبشر، ومنع وقوعه في المقام الأول، ومن تلك التدابير تعزيز أطر العمل القانونية القوية، ومنها معاهدة الأممالمتحدة للتصدي للجريمة المنظمة العابرة للحدود. وأكد غوتيريش على ضرورة أن تعزز الدول الأعضاء من تعاونها في مجال تنفيذ القانون وإجراء التحقيقات وتبادل المعلومات الاستخباراتية، داعيا إلى أن تكون تلك هي القضية التي توحدنا، والعمل المشترك بشأن قضايا الحماية والمنع والملاحقة القضائية من أجل بناء عالم خال من الاتجار بالبشر. ويعد الاتجار بالأشخاص جريمة خطيرة وانتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، يمس الآلاف من الرجال والنساء والأطفال ممن يقعون فريسة في أيدي المتاجرين سواء في بلدانهم وخارجها، ويتأثر كل بلد في العالم من ظاهرة الاتجار بالبشر، سواء كان ذلك البلد هو المنشأ أو نقطة العبور أو المقصد للضحايا، وتوفر اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها، المساعدة للدول في جهودها الرامية إلى تنفيذ بروتوكول منع الإتجار بالبشر ومعاقبة المتاجرين بالأشخاص. وتعرف المادة 3، الفقرة (أ) من بروتوكول الإتفاقة، الاتجار بالأشخاص بأشكاله المختلفة، والتي من ضمنها تجنيد الأشخاص أو نقلهم وتحويلهم أو إيواءهم بدافع الإستغلال أو حجزهم للأشخاص عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو أي من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو الإبتزاز أو إساءة استخدام السلطة أو استغلال مواقف الضعف أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا بدافع السيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. وأكد تقرير حديث صادر عن مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة إلى أن ثلث ضحايا الاتجار بالبشر على مستوى العالم هم من الأطفال، وأن النساء والأطفال يشكلون حوالي 75 % من ضحايا الإتجار بالبشر، مشيرًا إلى أن الرجال والأطفال يقعون ضحية للاستغلال كعمال سخرة وجنود وعبيد. وأشار يوري فيدوتوف المدير التنفيذي للمكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، إن الاتجار بالبشر لأغراض الاستغلال الجنسي والعمل القسري يظل هو الأبرز، مؤكدا أن الضحايا يتم استغلالهم في التسول أو الزواج القسري أو الاحتيال أو إنتاج مواد إباحية. وذكر التقرير أنه في حين يتم الاتجار بالنساء والفتيات للزواج أو الاستعباد الجنسي ، عادة ما يتم استغلال الرجال والفتيان في العمل القسري في قطاع التعدين، كحمالين أو جنود، مضيفا أنه فيما يشكل الأطفال 28 % من ضحايا الاتجار في أنحاء العالم، إلا أنه في مناطق مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وأمريكا الوسطى والبحر الكاريبي يشكل الأطفال 62 و 64 % من الضحايا، على التوالي. وأكد السيد فيدوتوف على الارتباط بين الجماعات المسلحة والاتجار بالبشر، مشيرا إلى أن الجماعات المسلحة تمارس في كثير من الأحيان الاتجار في مناطق عملياتها، حيث تجبر النساء والفتيات على الزواج أو الاستعباد الجنسي ، ويستخدم الرجال والفتيان في أعمال السخرة أو كمقاتلين. ويتضمن تقرير عام 2016 ،فصلا مواضيعيا يركز على الاتصالات بين الاتجار بالأشخاص والهجرة والصراع، وقال فيدوتوف ، إن الفارين من الحرب والاضطهاد أكثر عرضة للوقوع ضحية للاتجار، وقد تضطرهم ظروفهم الملحة إلى اتخاذ قرارات خطيرة بشأن الهجرة. وأضاف فيدوتوف أن الزيادة السريعة في عدد ضحايا الاتجار بالبشر السوريين بعد بدء الصراع، تعطي مثالا حول كيفية تأثير أوجه الضعف هذه على القرارات، وذكر فيدوتوف أن نحو 158 دولة، أو 88% من بلدان العالم تجرم الاتجار بالبشر، وذلك تمشيا مع بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص. ويعد هذا تحسنا ملحوظا منذ عام 2003، عندما كانت النسبة 18% فقط. ولكن معدل الإدانات يبقى متدنيا للغاية، ولا يتلقى الضحايا دائما الحماية والخدمات التي تلتزم الدول بتوفيرها. وأكد فيدوتوف رئيس مكتب الأممالمتحدة المعني بالجريمة والمخدرات، على الحاجة إلى تكريس اهتمام الموارد بتحديد ومساعدة ضحايا الاتجار بالبشر، فضلا عن تحسين استجابات العدالة الجنائية للكشف عن الحالات والتحقيق فيها ومقاضاتها، ويذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة طلبت إعداد التقرير للتقييم المقرر العام القادم بهدف وضع خطة عمل عالمية لمكافحة الاتجار بالبشر. وأشار تقرير صادر عن منظمة الأممالمتحدة لرعاية الطفولة "يونيسيف" مؤخرًا، ذكر فيه إن هناك 27 مليون ضحية وقعوا فريسة للاتجار بالبشر في مختلف أنحاء العالم، بينهم 1.2 مليون طفل تقريبًا. وبحسب التقرير فإن مزيدا من الأطفال أولادا وبناتا وقعوا ضحايا في المنطقة الافريقية ما وراء الصحراء، حيث سجلت مزيد من عمليات الاتجار بالبشر في مجال العمل القسري والتسول وتجنيد الأطفال في الحروب، فيما ينتشر الاتجار بالبشر بغرض الاستغلال الجنسي غالبا في أمريكا الوسطى والكراييبي وأمريكا اللاتينية، وتقول الاممالمتحدة إن معظم الضحايا هن من الإناث. وقالت كريستينا كانغاسبونتا رئيسة مكتب مكافحة المخدرات والجريمة لدى الأممالمتحدة، إلى أن النساء تستغل أساسًا استغلالا جنسيا بنسبة 72%، و20% منهن يجبرن على العمل القسري. وقد شهدت المنظمة الدولية للهجرة في إيطاليا وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، زيادة بنسبة تقارب 600% في عدد الضحايا المحتملين للاتجار بالجنس ، وخاصة النساء اللواتي يصلن إلى إيطاليا عن طريق البحر، وقد استمر هذا الاتجاه التصاعدي خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2017، حيث وصل معظم الضحايا من نيجيريا . وتواجه 8 من كل 10مهاجرات نيجيريات من اللواتي يصلن إلى إيطاليا الاستغلال الجنسي، وقد صاحب الارتفاع الكبير في عدد الفتيات النيجيريات اللواتي يصلن إلى أوروبا، الارتفاع في معدل الاعتداء الجنسي المرتبط بالجريمة المنظمة. وأشار فلافيو دي جياكومو من المنظمة الدولية للهجرة، أن المشكلة أنه ليس لديهن أية فكرة عن مدى الاستغلال الذي سيواجهنه، وأحيانا لا يفهمن حقا ما هي الدعارة لأنهن صغيرات وساذجات جدا، لذلك ليس لديهن حقا أية فكرة عما سيواجهنه. وفي عام 2014، عبرت حوالي 1400 فتاة البحر المتوسط إلى إيطاليا؛ وارتفع هذا العدد إلى أكثر من 11 ألفا العام الماضي. ودعت المنظمة الدولية للهجرة إلى نقل الفتيات والشابات النيجيريات إلى بيوت آمنة بمجرد وصولهن إلى إيطاليا، ولكن من الصعب إقناعهن بطلب المساعدة، ويرجع ذلك، حسب المنظمة، إلى أنهن غالبا ما يسافرن مع ما تسمى "مدام" والتي تسلمهن إلى العصابات الإجرامية. وقد تبنى مجلس الأمن الدولي، قرارًا بالإجماع بشأن مكافحة الإتجار بالبشر، ودعا القرار الدول الأعضاء بالأممالمتحدة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية لمنع الإتجار بالبشر وتجريمه والتحقيق في حالاته ومقاضاة مرتكبيه وكفالة مساءلة الضالعين فيه، ولم يشر قرار مجلس الأمن إلى عدد ضحايا الإتجار بالبشر حول العالم.